عاجل
الجمعة 10 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
حين يراهن ترامب ونتنياهو على أنقاض الحرب فى غزة

لعبة البقاء السياسى

حين يراهن ترامب ونتنياهو على أنقاض الحرب فى غزة

زيارة بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض لم تكن مجرد بروتوكول سياسى معتاد؛ بل بدت أقرب إلى محاولة مكشوفة لإنقاذ ما تبقى من رصيده فى الداخل الإسرائيلى، فى وقت يسعى فيه دونالد ترامب نفسه إلى ترميم صورته المهزوزة أمام الرأى العام الأمريكى. إنها بحق زيارة «البقاء السياسى»؛ حيث يلتقى رئيسان يواجهان عواصف داخلية عاتية، أحدهما يراهن على تماسك قاعدته الانتخابية رغم النزيف الشعبى، والآخر يتشبث بخيوط واهية وسط اتهامات بالفساد ودماء غزة التي تطارده.



فى الداخل الأمريكى، أظهرت استطلاعات الرأى الأخيرة أن نحو 54 % من المواطنين لا يدعمون سياسات ترامب فى القضايا الرئيسية. وعلى رأس هذه الملفات، تبرز غزة ككرة ثلج تتدحرج فى قلب المجتمع الأمريكى، متجاوزة حدود السياسة إلى الأخلاق والذاكرة التاريخية. صور الأطفال الجوعى والقتل الجماعى والتهجير القسرى استحضرت عند كثيرين، بمن فيهم النخب الأكاديمية والشباب اليهود الأمريكيون، أشباح النازية التي وثقتها السينما والكتب. وقد انعكس هذا الغضب داخل أروقة الكونجرس نفسه؛ حيث بات أعضاء فى مجلسىّ النواب والشيوخ يتعرضون لضغوط شعبية متزايدة بسبب دعمهم غير المشروط لإسرائيل وما يتلقونه من تمويلات منظمة «أيباك» - لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية-، ما أظهر الولايات المتحدة وكأنها مكبلة بالكامل باللوبى الإسرائيلى.

ومع ذلك، يبدو ترامب عالقًا بين لوبى «أيباك» الضاغط، وبين تآكل صورته كزعيم قادر على قيادة «ماجا» التي رأت أن شعاره «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا» قد تحول إلى «لنجعل إسرائيل عظيمة مجددًا».

اللقاء بين ترامب ونتنياهو بدا باردًا منذ لحظته الأولى؛ فالرئيس الأمريكى لم يُخفِ امتعاضه من سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلى، لا سيما بعد العملية العسكرية التي طالت قطر، وأثارت شرخًا فى علاقات واشنطن مع الخليج. السعودية، من جانبها، ردت بمناورات استراتيجية عبر صفقات وتحالفات نووية مع باكستان، فى خطوة اعتبرها بعض المحللين رسالة مباشرة إلى واشنطن بقدرة الرياض على تنويع تحالفاتها نحو آسيا وربما الصين أو الهند. هنا بدا ترامب أكثر قلقًا على مصالح بلاده من استمراره فى دعم مغامرات نتنياهو العسكرية.

ومع ذلك، لم يخرج ترامب عن المألوف حين جدّد التزامه بأمن إسرائيل، فهى تظل رأس الحربة الأمريكية فى الشرق الأوسط، ووسيلة لاحتواء الصين ومنع تمددها إلى الخليج وأوروبا. لكن المعضلة أن نتنياهو يحاول توظيف هذا الدعم لمصالحه الضيقة، بينما يرى ترامب أن استمرار الحرب يهدد توازنه السياسى ويعمق الانقسامات داخل الكونجرس والرأى العام.

غزة بدت محورًا لصراع السيناريوهات: من «مشروع ريفيرا» إلى التهجير القسرى، وهى خطط اصطدمت برفض مصري قاطع؛ حيث اعتبرت تهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصري.. الرئيس عبدالفتاح السيسي شدد على أن بلاده لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية، وأكد أن مصر لا تسعى إلى الحرب لكنها مستعدة لخوضها إن فُرضت عليها. فى المقابل، جاءت الضربة الدبلوماسية لواشنطن حين بادرت دول حليفة كفرنسا وبريطانيا وأستراليا بالاعتراف بدولة فلسطين، ما كشف عمق العزلة الأمريكية.

خلال اجتماعات الأمم المتحدة، بدا واضحًا أن ترامب استمع إلى أصوات مصر وتركيا اللتين حملتا موقفًا موحدًا عربيًا وإسلاميًا رافضًا لخطط التهجير. هنا انكشف المأزق: واشنطن باتت مضطرة لإعادة النظر فى حرب غزة، خشية أن تتحول إلى عبء استراتيجى يهدد مكانة الولايات المتحدة فى المنطقة والعالم؛ بل إن ترامب لمّح إلى أن استمرار نتنياهو فى مغامراته قد يجلب الدمار للمصالح الأمريكية، فى تحول يُحسَب على أنه بداية افتراق بين الرجلين.

المقترح الأمريكى الأخير أوضح أن ثمة توجهًا نحو إخراج حماس ونتنياهو معًا من المشهد؛ فالأول أضر بالقضية الفلسطينية عبر عملية 7 أكتوبر التي فاقمت معاناة أبناء غزة، والثانى بات عبئًا سياسيًا داخليًا وخارجيًا. لكن هذا لا يعنى نهاية المقاومة؛ بل يعنى فتح الباب أمام إعادة بناء وحدة وطنية فلسطينية تحت إدارة واحدة قادرة على مخاطبة العالم، بعيدًا عن الانقسام الذي غذاه نتنياهو لسنوات.

اليوم، يعول نتنياهو بورقته الأخيرة: رفض حماس لخطة واشنطن، لكن وفق الرؤية الراهنة، فإنه من العقلانية أن تقبل حماس الآن بهذا الخيط الأخير حتى لو كان خروجها من المشهد فى غزة هو الثمن، فإن المقاومة الفلسطينية يجب عليها إعادة النظر فى خياراتها؛ إذ إن استمرار الحرب يعنى مزيدًا من الدماء دون أى مكاسب، بينما الانخراط فى المفاوضات قد يمنحها فرصة لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين وإحراج تل أبيب، ومن ثم العودة إلى طاولة التفاوض من موقع أقوى.

الخلاصة؛ فإن بين ترامب ونتنياهو تتقاطع معهم معادلة «البقاء السياسى»، لكن الفارق أن الأول قد يُضَحى بالثانى لإنقاذ مقعده فى البيت الأبيض، بينما الثانى يدرك أن نهايته قد تكون أسرع مما يتخيل. وفى قلب المشهد، تظل غزة الجرح المفتوح هى التي تعيد صياغة التحالفات، وتكشف حدود القوة الأمريكية، وتمنح صوت الفلسطينيين فرصة جديدة للانبعاث.

 

نقلًا عن مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز