عاجل
الثلاثاء 16 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
المؤثرون والمتأثرون "6"

إصرار وتحد ملك القمر

المؤثرون والمتأثرون "6"

رغم أن المؤثرين الذين يقومون بنشر المعرفة التي تدفع الناس إلى الكفاح لبناء مجتمعات المعرفة، ولعبوا دورًا في حياة العظماء ممن أضافوا للبشرية ولم يأخذوا منها، ومساعدتهم من أجل العلم والتعلم والتفوق والعدالة والإنسانية، والارتقاء بأرواحهم للسمو والعطاء والمشاركة من أجل مجتمع أفضل، فإن تأثير المؤثر لا بد أن يدعمه الإصرار فهو مفتاح الوصول إلى النجاح.. حكينا قصة إصرار المهندس هاني عازر وعن العالم فاروق الباز نحكي…



 

 

الباز في الروح إصرار وفي ألاعماق أمل، مواجهة التحديات تُجسّد روح الصمود والإصرار عنده.. خلال مسيرة الحياة، صادف عقبات وصعوبات تختبر إرادته. استجمع قوّته الداخلية ووُاجه التحدّيات، تغلب على هذه العقبات وتعلّم أشياء جديدة وتكيّف مع ظروف مختلفة، يُصبح كل تحدٍّ واجهه فرصة للنمو واكتشاف الذات.

في مواجهة التحديات البيروقراطية والعقبات الثقافية، تُجسّد قصة الدكتور فاروق الباز صمودًا لا يُضاهي، وُلد في مصر، وشقّ طريقه عبر مسارٍ مليءٍ بالنكسات والتحديات، ليصبح في نهاية المطاف شخصيةً محوريةً في مهمات أبولو إلى القمر. وتُعدّ رحلته، من الكفاح لإيجاد دورٍ يليق به في وطنه إلى تقديم مساهماتٍ رائدة في وكالة ناسا، شهادةً على تصميمه وتألقه.

الدكتور فاروق الباز "87 عاماً" ولد في مدينة الزقازيق، وسرعان ما نما لديه شغفٌ بالجيولوجيا. بعد حصوله على شهادته، بدأ مسيرته المهنية مُدرّسًا في جامعة أسيوط. مدفوعًا بتعطشه للمعرفة، كما ظلّ متمسكًا بجذوره. فرغم التحديات التي واجهها، لم يفقد الدكتور الباز حبه لوطنه. عاد إليها مراتٍ عديدة، مساهمًا بخبرته، ومناصرًا للتقدم العلمي. آمن بإمكانيات مصر، واستمر في دعم العلماء والطلاب المصريين، مقدمًا لهم التوجيه والفرص كلما أمكنه ذلك.

ومع ذلك، قوبل بالمقاومة والبيروقراطية. ورغم مؤهلاته المتقدمة، عُرض على الدكتور الباز وظيفة تدريس الكيمياء، وهي وظيفة بعيدة كل البعد عن تخصصه في الجيولوجيا. كانت فترة صعبة بالنسبة له، إذ حدّت العقبات البيروقراطية من إمكاناته. بدا حلمه بإنشاء برنامج جيولوجيا رائد بعيد المنال. وبجانب زوجته وطفله حديث الولادة، واجه الدكتور الباز عامًا مليئًا بالتقلبات في مصر، حيث لم يتمكن من العثور على وظيفة مناسبة للمساهمة في التقدم العلمي للبلاد آنذاك.

عازمًا على ألا يضيع علمه وشغفه سدىً، قرر الدكتور الباز مغادرة مصر والسعي وراء فرص في أماكن أخرى. بعد فترة صعبة في ألمانيا، تمكن من العودة إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ البحث عن وظيفة. ورغم رفض العديد من طلباته، حصل أخيرًا على فرصة شكّلت ملامح مسيرته المهنية - دعوة للمساهمة في برنامج أبولو التابع لناسا. كانت فرصة لتطبيق خبرته في الجيولوجيا في مجال جديد تمامًا: جيولوجيا القمر.

حصل على منحة دراسية وانتقل إلى الولايات المتحدة عام ١٩٦٤ لمتابعة درجة الدكتوراه في الجيولوجيا الاقتصادية. بعد إكمال دراسته، كان الدكتور الباز حريصًا على العودة إلى مصر وإحداث تأثيرٍ كبيرٍ في وطنه. وعاد مليئا بالطموح، حاملا خططا لإنشاء برنامج جيولوجيا اقتصادية من الطراز العالمي.

الدكتور فاروق الباز أستاذ باحث ومدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن. حصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا من جامعة عين شمس، القاهرة، مصر؛ والماجستير في الجيولوجيا من كلية ميسوري للمناجم والمعادن، رولا؛ والدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة ميسوري، بعد إجراء أبحاث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، كامبريدج، ماساتشوستس ، وفي جامعة هايدلبرغ في ألمانيا.

حصل الدكتور الباز على دكتوراه فخرية في العلوم، كلية نيو إنجلاند، هينيكر، نيو هامبشاير؛ درجة مهنية، جامعة ميسوري- رولا، دكتوراه في الفلسفة من جامعة المنصورة، ودكتوراه في القانون من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ودكتوراه في الهندسة من جامعة ميسوري. واعترافًا بمكانته المهنية، حصل على شهادات فخرية لا تعد ولا تحصي.

بفضل منظور الدكتور الباز الفريد وعزيمته، اكتسب دورًا محوريًا في بعثات أبولو التابعة لناسا. وأصبح شخصيةً محوريةً في تدريب رواد الفضاء، وتعليمهم كيفية رصد الخصائص الجيولوجية على القمر، وأماكن جمع العينات. وقد ساعدت قدرته على تحليل المفاهيم الجيولوجية المعقدة إلى مصطلحات عملية، ساعدت رواد الفضاء على أداء واجباتهم بنجاح خلال بعثات أبولو. ومن أبولو ١١ إلى أبولو ١٧، لعب الدكتور الباز دورًا محوريًا في توجيه فرق البعثات، واختيار مواقع الهبوط، وضمان جمع رواد الفضاء لبيانات علمية قيّمة.

كان نهجه فريدًا - فبدلًا من إثقال كاهل رواد الفضاء بالمصطلحات التقنية، ركز على مساعدتهم على فهم الجوانب العملية لجيولوجيا القمر. وقد أسهمت طريقته في سد الفجوة بين العلم والاستكشاف، مما مكّن رواد الفضاء من أداء المهام الجيولوجية بفعالية، وجمع البيانات والعينات المهمة. وقد أكسبه دوره احترام ليس فقط المجتمع العلمي، بل رواد الفضاء أيضًا، الذين أطلقوا عليه لقب "الملك" بفضل إرشاداته الاستثنائية.

 

في عام ١٩٦٦، شارك في اكتشاف أول بئر نفطية بحرية في خليج السويس بواسطة شركة بان أمريكان-يو إيه آر للنفط، ثم انضم الدكتور الباز إلى برنامج أبولو التابع لوكالة ناسا كمشرف على تخطيط علوم القمر في شركة بيلكوم التابعة لمختبرات بيل في واشنطن العاصمة. وخلال هذه السنوات الست، شغل منصب سكرتير لجنة اختيار مواقع هبوط أبولو على سطح القمر، ورئيس مجموعة تدريب رواد الفضاء، والباحث الرئيسي في مجال الرصد البصري والتصوير الفوتوغرافي. من عام ١٩٧٣ إلى عام ١٩٨٢، أسس وأدار مركز دراسات الأرض والكواكب في المتحف الوطني للطيران والفضاء، التابع لمؤسسة سميثسونيان، واشنطن العاصمة. اختارته وكالة ناسا باحثًا رئيسيًا لرصد الأرض والتصوير الفوتوغرافي في مشروع اختبار أبولو-سويوز عام ١٩٧٥. وخلال الفترة من ١٩٨٢ إلى ١٩٨٦، شغل منصب نائب رئيس قسم العلوم والتكنولوجيا في شركة Itek Optical Systems، بمدينة ليكسينغتون، ماساتشوستس. ومنذ عام ١٩٨٦، يُطبّق أبحاثه في جامعة بوسطن تقنية الاستشعار عن بُعد في علم الآثار والجغرافيا والجيولوجيا.

لعب دورًا محوريًا في العديد من رحلات أبولو القمرية التابعة لناسا في وضع أولى بصمات الإنسان على القمر، فى وقت كان لقيادة ناسا في تلك الأيام هدفٌ واحد: تشجيع كل فرد في القوى العاملة على تحقيق "أكثر مما يعتقد أنه قادر عليه". شعر كل فرد بأن وظيفته أساسية لتحقيق ذلك الهدف الجليل المتمثل في الوصول إلى القمر. لم أكن متعلمًا ولا مدربًا على ما فعلته آنذاك. لقد تحققت هذه الإنجازات بالتعلم الذاتي والتفاني والمثابرة والعمل الجاد.

في الحلقة العاشرة من السلسلة التليفزيونية From the Earth to the Moon والتي يقدمها توم هانكس على القناة التليفزيونية HBO، ورد الدور الذي لعبه الباز في تدريب رواد فضاء أبولو في جزءٍ حمل العنوان "دماغ فاروق الباز". وعلى شرفه، عرض البرنامج التليفزيوني الشهير Star Trek: The Next Generation مركبةً فضائية تحمل اسمه.

 

بعد إتمام برنامج أبولو، استعانت ناسا بمساعدته في برامج طبّقت ما تعلمه على دراسة الأرض. وقد تم ذلك من خلال مشروع اختبار أبولو-سويوز، وسكاي لاب، وبرامج لاندسات. ومن خلال مساهماته، أنتجت هذه البعثات صورًا لمصر تشرح الأمور من منظور شامل. وبدأتُ حينها بتطبيق المعرفة الجديدة لمساعدة مصر، وخاصةً بعد تعيينه مستشارًا علميًا للرئيس الراحل أنور السادات. على مدى أربع سنوت قدم الدكتور الباز خدماته لمسقط رأسه كمستشار العلوم للرئيس المصري الراحل أنور السادات. صُمّم "ممر التنمية" بناءً على معرفته الجيولوجية بأشكال الأرض في مصر وإمكانية استخدامها المبتكر للأراضي لصالح الأجيال القادمة. فإنها تتيح أكثر من 10 ملايين فدان من الأراضي الواقعة غرب النيل مباشرةً للتنمية الحضرية والزراعة والصناعة وغيرها، بالقرب من المراكز المكتظة بالسكان. وبالتالي، فإنها تحدّ من الزحف العمراني على أراضي النيل الخصبة، وتفتح آفاقًا أوسع للابتكار لدى الأجيال الشابة.

يُعد الدكتور الباز، أحد أكثر العلماء المعاصرين تأثيرًا في مصر. يتمتع بسجل طويل ومتميز في خدمة مصر والإنسانية. اليوم يلعب الدكتور الباز دورًا بارزًا في المجتمع العلمي العالمي. يواصل إلهام الطلاب من خلال محاضراته وأبحاثه في جامعة بوسطن، وقد طرح رؤية لممر تنمية قوي وتحويلي في مصر. كما ظلّ متمسكًا بجذوره. بالإضافة إلى ذلك، يشغل الدكتور الباز حاليًا منصبًا في المجلس الاستشاري للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

يسافر الدكتور الباز في كثيرٍ من الأحيان إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لاكتساب ونشر المعرفة عن الصحراء، وبعد ثورة 25 يناير في مصر، عاد في كثير من الأحيان لتشجيع جيل الشباب من الطلاب وزيادة مشاركة الشباب في الشؤون المستقبلية للبلاد، ويلقي محاضرات حول إمكانيات تطوير صحاري مصر في المستقبل لتقوية الاقتصاد وفتح آفاق جديدة على طول "ممر التنمية". كما بدأت مجموعة تطوعية من طلاب الجامعات للمشاركة في محو الأمية في المناطق الفقيرة من المدن والقرى والواحات.

رسالته للشباب من الدول النامية: "مهما كانت أصولكم أو التحديات التي تواجهونها، ابذلوا قصارى جهدكم دائمًا. اسعوا وراء أحلامكم، وتبنوا تراثكم، ولا تتوقفوا عن التعلم".

تُجسّد رحلة الدكتور الباز كيف أن المثابرة والمعرفة والشغف يمكن أن تقود إلى العظمة، حتى عندما يكون الطريق صعبًا.

قصة واحد من المؤثرين.. الذين نستلهم منهم الإرادة والعزيمة والإصرار على النجاح.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز