
صفقات وسلوكيات مضللة ومشكوك فيها أخلاقيا
الحقيقة المظلمة لـ«البلوجر»

فاتن الحديدى
تجذبنا وسائل التواصل الاجتماعى بشكل خاص عندما نسمع قصص نجاح لمشاهيرها «بين عشية وضحاها»، ونعرف أن أرباح جنى ملايين المتابعين تتم بناءً على الشخصية والجرأة والقدرة على جذب الانتباه، وهى المواهب الأساسية، وليست سنوات الدراسة.
أصبح مؤثرو مواقع التواصل الاجتماعى «البلوجر»، وهم أشخاصٌ لديهم آلاف وربما ملايين من المتابعين يروجون للمنتجات عبر الإنترنت، عنصرًا أساسيًا فى مجال التسويق فى السنوات الأخيرة، وتبلغ قيمة هذه الصناعة الآن أكثر من 16 مليار دولار، أى ضعف ما كانت عليه قبل بضع سنوات.
تفضل الشركات استخدام المؤثرين خاصة النساء نظرًا لفعاليتهن، فهم يحصلون على ما يقارب 6 دولارات مقابل كل دولار يُنفقونه على التسويق عبر المؤثرات، بعضهن على تيك توك يمكنهن جنى ملايين الدولارات سنويًا.
الجانب المظلم
منذ أن اكتسب مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعى شعبيةً واسعةً، وحققوا دخلًا من محتواهم من خلال صفقات الإعلانات، ارتبطوا بسلوكياتٍ مُضلِّلةٍ ومُشكوكٍ فيها أخلاقيًا، وهناك قائمةُ سوء سلوك طويلة، تشمل على سبيل المثال، عدمَ الكشف عن المحتوى المُموَّل، وإخفاء التجارب السلبية مع المنتجات المُروَّجة، وشراء متابعين مُزيَّفين، والترويج لمُثُلٍ زائفةٍ عن الجمال، وقد يصل الأمر إلى حد السرقة، مثلما حدث فى ميامى بالولايات المتحدة، عندما سرقت إحدى المؤثرات تبرعات وصلت إلى 2 مليون دولار لصالح ضحايا كوفيد 19، وبالغت أخرى فى مرض زوجها لجمع المال، إضافة للكثير من القصص الكاذبة.
الشهرة السريعة قد تُقوّض القيم، وتُشجع على السلوك السيئ، خاصةً عندما يصاحبها انعدام (أو تباطؤ) المساءلة. ثقافة الإلغاء
أصبحت «ثقافة الإلغاء» ظاهرةً شائعةً على مواقع التواصل الاجتماعى مؤخرًا، وهى عندما يتوقف الناس عن دعم شخصٍية مشهورة أو شركةٍ بسبب شيءٍ مُسيءٍ فعلته أو قالته.
هذه الفكرة مألوفة، لكن وسائل التواصل الاجتماعى سهّلت تطبيقها وأسرعته، ويُمكن لأى شخص تقريبًا «إلغاء» حساب مشاهير، علامات تجارية، أو حتى أشخاص عاديين.
يحدث هذا يوميًا تقريبًا، وهذا يثير تساؤلات حول فعالية ثقافة الإلغاء وتأثيرها على حرية التعبير.
وتتباين آراء الناس حول ثقافة الإلغاء كونها طريقة ممتازة للمحاسبة، بينما يراها آخرون عقابًا غير عادل، إذ قد تُلحق الضرر بسمعة شخص ما أحيانًا بسبب أخطاء بسيطة، ولا يُمكن المبالغة فى أهمية النقاش المفتوح فى هذا السياق، إذ يُتيح اختلاف الآراء فهمًا أوسع للقضايا المطروحة.
ولتجنب «الإلغاء»، يقترح الخبراء توخى الحذر فيما تنشره على الإنترنت، ومراعاة الظروف، والاعتذار بسرعة عند ارتكاب أى خطأ.
يُظهر هذا التوجه كيف يُمكن لوسائل التواصل الاجتماعى تغيير الرأى العام بسرعة، والتأثير على حياة الناس ومسيرتهم المهنية، غالبًا من خلال التشهير العلنى.
وقد يواجه المؤثرون نساء كانوا أو رجالا، وهم شخصيات مشهورة على منصات التواصل الاجتماعى هذا «الإلغاء»، وهو فقدان مفاجئ لدعم معجبيهم، يحدث هذا التراجع عادةً لثلاثة أسباب رئيسية: السلوك أو التعليقات المسيئة، عندما يقول المؤثرون أو يفعلون أشياءً تُزعج الناس، مثل التعليقات العنصرية أو الجنسية أو المسيئة، قد ينقلب متــابـــــعوهـــم عليهم، وفقدان الرعايات والشراكات، لأن الشركات تمتنع عن التعامل مع الشخصيات المثيرة للجدل، وأخيرًا انخفاض عدد المتابعين والإعجابات والتفاعل على المنشورات.
وقد يكون من الصعب التعافى من الضرر الذي يلحق بعلامتهم التجارية وسمعتهم، كما قد تتسبب هذه العوامل فى فقدان المؤثرين لنفوذهم وقوتهم على الإنترنت، وبينما يتمكن البعض من استعادة مكانتهم بعد فترة، تُظهر هذه التجربة مدى خطورة وتقلب مسيرة المؤثرين المهنية.
فى الولايات المتحدة، يحب الجميع أن يعلى من شأن المشاهير، كما لو كانوا «فوق كل شيء»، وعندما يُسيئون التصرف كما يفعل معظمهم عندما يؤمنون بتفوقهم، يستمتع معجبيهم كثيرًا بإنزالهم إلى الأرض لإظهارهم أنهم ليسوا مميزين على الإطلاق.
بالنسبة للمؤثرين الذين ينعمون بالشهرة والثروة المفاجئة، قد يكون مسار التراجع من تلك المرتفعات المذهلة والمربحة، حادًا.
آثار جانبية للشهرة المفاجئة
غالبًا ما يصور مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعى أسلوب حياة براقًا، لكن خلف الكواليس يعانى الكثيرون منهم من القلق والإرهاق النفسى وضغوط الحفاظ على حضورهم.
وبينما تُتيح وسائل التواصل الاجتماعى الشهرة وصفقات العلامات التجارية والنجاح المالى، فإنها تجلب أيضًا تدقيقًا لا هوادة فيه، وتوقعات غير واقعية، وطلبًا لا ينتهى على المحتوى.
ويُتوقع من المؤثرين أن يكونوا مُسليين، ومرتبطين بالجمهور، ومتاحين فى جميع الأوقات، ويتلاشى الخط الفاصل بين الحياة الشخصية والعامة ما يؤدى إلى إرهاق وقلق شديدين.
عند تصفح إنستجرام ويوتيوب، غالبًا ما نرى مؤثرين يعيشون ما يبدو حياة مثالية - عطلات فاخرة، وصور سيلفى مثالية، وابتسامات لا تنتهى، لكن وراء هذه الجمالية المصقولة، تكمن حقيقة بعيدة كل البعد عن القصص المثالية التي ينشرونها.
لقد أثّر الضغط للحفاظ على نسخة مثالية من الحياة تأثيرًا بالغًا على الصحة النفسية للمؤثرين، وعلى متابعيهم الذين يقارنون حياتهم الخاصة بهذا الكمال المُختار بعناية.
المؤثرة الهندية آشنا شروف، التي كانت صريحة بشأن التأثير النفسى لوسائل التواصل الاجتماعى، شاركت مؤخرًا فى بودكاست عن كيف عانت من القلق بسبب حاجتها المستمرة للبقاء على صلة بالآخرين «مررتُ بأيام شعرتُ فيها أننى سأختفى إن لم أنشر»، اعترفت، مسلطةً الضوء على الضغط المستمر الذي يواجهه المؤثرون.
عبء المقارنة
ريا شارما، الطالبة الجامعية البالغة من العمر 19 عامًا من مومباى، تحدثت عن كيف أن متابعة مؤثرى اللياقة البدنية جعلها تشعر بالنقص، واعترفت قائلةً: «كنت أرى هؤلاء العارضات بأجسام متناسقة تمامًا، وأشعر بالسوء تجاه نفسى، بدأتُ بتخطى وجبات الطعام والإفراط فى ممارسة الرياضة فقط لأبدو مثلهم»، ولم تبدأ باستعادة ثقتها بنفسها إلا بعد أن أدركت أن معظم هؤلاء المؤثرين يعدلون صورهم ويتعاملون مع مدربين محترفين.
تحدثت مؤخرًا مؤثرة الموضة الهندية كريتيكا كورانا، المعروفة باسم «فتاة البوهو»، عن تأثير المصادقة على وسائل التواصل الاجتماعى على تقديرها لذاتها، وكشفت فى منشور صريح على إنستجرام «الأرقام هى التي تحدد مزاجى، إذا انخفض تفاعلى، أشعر بالقلق وأبدأ فى التشكيك فى محتواى، وحتى فى نفسي».
المحتوى غير المُفلتَر
بدأ بعض المؤثرين بمشاركة صور غير مُعدّلة والتحدث عن صراعاتهم مع صورة الجسم والقلق والإرهاق، ويُساعد هذا التحوّل على كسر وهم الكمال وجعل وسائل التواصل الاجتماعى مساحةً أكثر واقعية.
تؤكد الدراسات الاستقصائية على الصورة السلبية للمؤثرين فى نظر الجمهور - حيث يثق 6 % فقط من البريطانيين فوق سن 15 عامًا فى المؤثرين ليقولوا الحقيقة، مما يجعلهم الأقل ثقة بين جميع المهن.
وخلصت دراسة أخرى، استجوبت أكثر من 22000 شخص فى 16 دولة، إلى أن المؤثر هى إحدى أقل المهن احترامًا، واحتلت مهنة المؤثر المرتبة 20 بالقرب من أسفل 24 مهنة مصنفة فى جميع أنحاء العالم، فقط مهن عامل المصنع وسائق الشاحنة وعامل مركز الاتصال وعامل المناجم تم تصنيفها أسوأ من المؤثرين.
ومع ذلك، يُظهر الاستطلاع الذي أجراه سميث وبالارد (2021) أيضًا أن هناك خصائص خاصة بكل بلد فيما يتعلق بصورة المؤثرين، وكما تسلط الدراسة الضوء على أن كونك مؤثرًا، كمهنة، يحظى باحترام ضئيل جدًا فى إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والدنمارك وألمانيا.
وفى المكسيك والسويد والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، لا تحظى المهنة أيضًا باحترام كبير، لكن سمعتها ليست سيئة كما هو الحال فى البلدان المذكورة سابقًا.
فى المقابل، يحظى كونك مؤثرًا باحترام كبير فى الإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا والهند والصين وسنغافورة.