
«الأنفوشي للفنون الشعبية بالإسكندرية».. صوت البحر ورقصة التراث

محمد خضير
من قلب حي الأنفوشي العريق، حيث تهمس الأمواج بتاريخ الإسكندرية، نشأت فرقة فنية استطاعت أن تجمع بين بهاء الماضي ونبض الحاضر، فكانت «فرقة الأنفوشي للفنون الشعبية» واحدة من أبرز الفرق التي حملت راية الفلكلور السكندري إلى آفاق أوسع، ودوّى اسمها على خشبات مسارح محلية ودولية.
النشأة والتاريخ
ومن خلال مشاركة فرقة الانفوشى للفنون الشعبية والاستعراضية فى افتتاح فعاليات مهرجان صيف بلدنا بمحافظة دمياط، الذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو- وزير الثقافة؛ تعرفنا على أن الفرقة تأسست عام 1986، تحت مظلة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وتحديدًا بقصر ثقافة الأنفوشي.
وتبنّت الفرقة منذ بدايتها مهمة الحفاظ على الفنون التراثية، ونقلها بصورة معاصرة إلى الجمهور، خاصة الأجيال الجديدة التي باتت ترى في الفلكلور مساحة للهوية والانتماء، وتم اعتماد الفرقة مجددا وفق رؤية الفنان القدير احمد الشافعي، وكيل وزارة الثقافة رئيس الإدارة المركزية للشؤون الفنية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وخطه عمله للنهوض مجددا بالفرق الفنية بالهيئة.
ملامح فنية وهوية بصرية
كما قدّمت الفرقة على مدار عقود لوحات استعراضية مستوحاة من الذاكرة الشعبية السكندرية: رقصة الصيادين، الملاية اللف، جدعان إسكندرية، الحصان، التنورة، وغيرها من التابلوهات التي تحاكي الحياة اليومية والبيئة البحرية.
حضور دولي لافت
شاركت الفرقة في مهرجانات دولية مثل مهرجان لارنكا في قبرص، وعروض في إيطاليا، المكسيك، إسبانيا، وغيرها، وحصدت جوائز وشهادات تقدير تؤكد تميزها كممثل أصيل للفنون الشعبية المصرية.
- الكابتن لطفي آدم: فرقة الأنفوشي توثّق الفلكلور البحري بلون سكندري أصيل
وقال الكابتن لطفي آدم، المشرف الفني لفرقة الأنفوشي للفنون الشعبية، إن الفرقة تأسست عام 1986، ومنذ انطلاقها وهي تشارك بفعالية في المحافل القومية والدولية، محققة العديد من الجوائز والتكريمات، "نحن نُجسد في عروضنا مهنة الصيد كما كانت تُمارَس في حي الأنفوشي، حيث حلقات السمك، أدوات الغزل، والصيادين الذين كانوا يجتمعون في مقهى الصيادين ليغزلوا الشباك بأيديهم، في طقس يومي تراثي أصيل."
وأكد أن الفرح السكندري له طقوسه ولهجته الخاصة، مثل "الصهبة الإسكندراني"، التي كان يحييها المطرب الشعبي المعروف الشيخ أمين عبدالقادر والسيد حلال عليه، بالإضافة إلى رقصة "اللّاسه" الشهيرة.
كما تحدّث الكابتن لطفي آدم، عن منطقة السيالة وما تمثله من طابع فلكلوري خاص، تجسده شخصية حميدو الفارس، الذي ألهم عروض "العركة" و"الجدعنة" و"بنت الحتة"، قائلا: "كل منطقة في إسكندرية ليها لونها الفني، وزي ما بنقول دايمًا: اللي عايز يشوف الفلكلور بحق… يتفرج على عرض لفرقة الأنفوشي".
وقال الكابتن آدم: إن فرقة الأنفوشي للفنون الشعبية ليست مجرد فرقة فنية، بل مرآة لتراث حيّ ينبض بالحياة، في كل رقصة وأغنية، تروي حكاية مدينة، وذاكرة بحر، وجدعنة شعب، إنها صوت الإسكندرية الذي لا يغيب، وأثرها الذي لا يُمحى.
- الكابتن ياسر عثمان: "أجيال من الفلكلور بدأت من هنا"
ومن جانبه قال الكابتن ياسر عثمان مدرب فرقة الانفوشى للفنون الشعبية والاستعراضية، من جيل التسعينات وراقص سابق إن الفرقة تقدم تابلوهات مثل بنات الأنفوشي، صيادين الأنفوشي، غزل إسكندراني، وتابلوه الزار، وتفسّر كل عرض حتى الجمهور الأجنبي ليُفهم التراث السكندري من خلاله.
وأكد الكابتن عثمان: أن الفرقة استطاعت بتوجيهات الفنان احمد الشافعي، وكيل وزارة الثقافة أن تخلق أجيالًا فنية تحافظ على التراث الشعبي، بهدف غرس الفلكلور في نفوس الأجيال الصغيرة، وتدريبهم حتى أصبحوا أعضاءً في أغلب الفرق الفنية التابعة لوزارة الثقافة بالإسكندرية، بأداء يليق بجيل الغد، وبإشراف مدربين متخصصين، مشيرا إلى أن كل الفرق والراقصين في الإسكندرية نبتوا من فرقة الأنفوشي للفنون الشعبية والاستعراضية.
- هند عزام: نعيد تقديم شخصيات من الزمن الجميل بروحنا
وقالت الفنانة هند عزام، مشرفة الراقصين الملابس والاكسسوارات بالفرقة أن كل تابلوه بيبدأ من الفكرة واللون.. وأنا شغلي يبدأ قبل ما العازف يعزف أو الراقص يتحرك، من خلال اختيار الملاية اللف، أو تربيعة الطرحة، أو حتى شكل الحزام.. ده مش ديكور، ده هوية بصرية للفلكلور السكندري، وإحنا بنشتغل على تفاصيل الشكل عشان تليق بحكاية العرض، سواء كان عن فرح بحري، أو صيد، أو السوق، لأن الراقص ما بيبقاش بس فنان على المسرح، بيبقى شخصية من الزمن الجميل، إحنا بنعيد تقديمها بروحنا".
وأشارت هند، إلى انتا تعبر بالفنون الشعبية عن تراثنا، عن حكايات جدتي، عن البحر والصيادين والملاية اللف"، و"كل حركة بنعملها فيها قصة.. وبنقولها بلغة الجسد، بالطبلة والمزمار"، وأغنية زي "بنات الأنفوشي" بتحكي عن بنات الحارة زمان.. وعن فخرنا النهاردة".
جمهور يتفاعل ويتذكر:
كما لاحظنا في افتتاح فعاليات مهرجان"صيف بلدنا" بدمياط، لم يتوقف الجمهور عن التصفيق والهتاف، وقالت إحدى السيدات: "أنا جاية مخصوص علشان فقرات التنورة لفرقة الانفوشى لأن الفرقة دي بتقدّم الفن بصدق، من غير بهرجة".
حارسة التراث الشعبي
كما لم تكن فرقة الأنفوشي للفنون الشعبية مجرد مجموعة من المؤدين على المسرح، بل تحوّلت عبر عقود من العمل الميداني والمشاركات الدولية إلى كيان ثقافي توثيقي يحمل على عاتقه مهمة حفظ التراث الشعبي المصري وتقديمه بصورة معاصرة تحترم الأصالة وتحتضن التطوير.
ولذلك نجد أن فرقة الانفوشى قد أسهمت في تسجيل ذاكرة الإسكندرية الشعبية، من خلال عروض مستلهمة من مهن البحر، عادات الأفراح، الملاية اللف، أغاني الصيادين، ورقصات الحواري، كما لعبت دورًا تربويًا وثقافيًا من خلال إنشاء فرقة أطفال الأنفوشي التي تعتبر نموذجًا في تمرير الهوية الثقافية للأجيال.
كما أن فرقة الأنفوشي تُعد اليوم من أهم مؤسسات وزارة الثقافة في مجال الفنون التراثية، بفضل قدرتها على المزج بين العرض الفني والتوثيق الاجتماعي، وتحويل الفلكلور السكندري من مجرد ذكرى… إلى حالة فنية حيّة تعيش بيننا وتُعرض للعالم.