عاجل
الخميس 31 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
فقدان الأخ

فقدان الأخ

أكتب هذه السطور، بينما لم يعد ينبض بداخلي، سوى بقايا قلب، قد أنهكته كسرة لكثرة فقدان أقرب الناس، خصوصا ممن كان يمتلئ القلب بهم صلة وحبًا.. أكتب وبينما لا أستطيع حتى الآن تجاوز صدمة وفاة شقيقي الأصغر منذ أسبوع، ليضاف ألم فقدانه إلى وجع رحيل اثنين من إخوتي سبقاه إلى دار الحق.



هكذا حال قلب، تلقى صاحبه خلال 3 سنوات فقط، عزاء 4 من أكثر الناس قُربًا، ما بين أب وأم وأخ وحما، والأكثر وجعًا وألمًا، توالي رحيل اثنين منهم خلال شهرين هذا العام، شقيقي، وقبله بشهرين، والد زوجتي في شهر مايو الماضي، حتى لم يعد القلب يلتئم من آلام الفقدان.

 

رحل أخي، وبينما كنت أجاهد نفسي قدر المستطاع، على التعايش في غياب الأب والأم، بعد رحيلهما في أقل من عام.. إذ كانت صدمة رحيل "أمي" في يناير 2023، أبية على التصديق، رغم إيماني بقدر الله، وأن كل شيء عنده في كتاب، لكن الصعوبة في أنها توفيت بعد أقل من 10 شهور من رحيل والدي، وكانت تجربة شديدة القسوة، فوجع فقدان "الأبوين" سريعًا، لا يداويه مرور الأيام.

 

لا أستطيع أن أخفي حجم الارتباك، الذي انتاب أسرة فقدت أهم أعمدة بنائها، (الأب والأم)، لكن لم يكن أمامي سوى التسليم بقضاء الله، والتماسك، أو للدقة التظاهر بالثبات أمام أسرتي، خصوصًا إخوتي الذين حاولوا أن يستمدوا الدعم والثقة منّا في هذه المحنة، وكان عزائي الوحيد عند الذهاب لبيت الأسرة، هو لقائي بإخوتي، رغم فقدان البيت نوره ودفأه برحيل الأبوين.

 

هكذا كنت أتعايش خلال الأشهر الماضية، أذهب دوريًا إلى جانب المناسبات، إلى بيت العائلة، وفيه كان شقيقي الأصغر (عبد السميع) يقيم مع أسرته، إلى جانب أسرة شقيقي الراحل (عبد الله)، ومعهما تجتمع شقيقاتي.. اجتهدنا قدر المستطاع في تسيير أمور هذا البيت، أملًا في الحفاظ على كيان جاهد الأبوان لسنوات طويلة في بنائه، هكذا كنا نتعايش، إلى أن جاءت الصدمة، "تعالى.. عبد السميع مات".

 

اللهم لا راد لقضائك، لكنني فقدت الكلام لعدة ساعات مع هذا الخبر، فكانت هناك أمور كثيرة تجعل هذا الخبر عصيًا على التصديق، ما بين فجاءة الرحيل، لشاب في النصف الثاني من الثلاثينات، لم يسبق وفاته أي مرض أو إصابة، ثم إنه كان يعمل بيده.

 

لم تكن هذه المرة الأولى التي أتجرع فيها مرارة فقدان الأخ، فقد سبق ذلك، وفاة شقيقي الأكبر (محمد)، في عام 2008، وبعدها بثماني سنوات، شقيقي (عبد الله) في عام 2016، والرابط بين الثلاثة، فجاءة الرحيل تقريبًا.. لكن هذه المرة فقدت القدرة على الكلام، "لم تعد هناك كلمات تصف هذا الألم، وهو رحيل الأخ".

 

كان شقيقي الأصغر- رحمة الله عليه- مشهودًا له بطيبة القلب، كان مكافحًا جاهد وكافح "بعرق يده"، كان آخر أدوات أبي وأمي، لإدارة شؤون البيت والأرض وزراعتها، في آخر سنوات حياتهما، جاهد قدر استطاعته، إلى أن لقي ربه وهو يعمل في أرضه.

 

برحيل الأخ، تفقد الحياة كل معانيها، هو وجع لا يمكن نسيانه، وفقدان لا يمكن أن يُمحى أثره، وغصة في القلب لا تنتهي، وكل ما كان يجمعنا أصبح ذكرى، والآن وبغيابهم باتت مشاعر الوحدة تزداد كل يوم، ولمَ لا؟ فقد فقدنا أهم أعمدة السند في هذه الحياة.

 

حاليًا أصبحت أكره هذه الحياة، أكره قسوتها، أكره شدة مصائبها، أصبحت أقرب إلى العزلة، أجد ضالتي في الابتعاد وحيدًا، فكثير من تفاصيل هذه الحياة فقد معناه.. حاليًا فقدت شغف ذهابي لبيت العائلة، لأول مرة، لا أريد العودة إليه، فرائحة الموت فيه، تفوق نبض الحياة، أصبح مظلمًا غريبًا صعبًا، ولمَ لا، بعد أن فقد عمدانه.

 

في العزاء، دائمًا ما نردد كلمات للتخفيف على أهل وأسرة المتوفى في محنتهم، لكن أبدًا لا يوجد من يخفف علينا مرارة الفقدان، خصوصًا فقدان الأبوين والأخوات، لكن لا نملك سوى التسليم بقضاء الله، والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة، وأن يسكنهم فسيح جناته.

وداعًا يا أعز الناس.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز