
. 2000 قطعة فنية تحكي تاريخ نجوم الفن و فستان امينة رزق ينافس بالطو توفيق الدقن
عاجل| "بوابة روز اليوسف" تُدخل ُ: "متحفُ رواد الفن

عزت أشرف
في قلبِ القاهرةِ، هذهِ المدينةِ التي تُشبهُ مسرحًا كونيًا تُعرضُ عليهِ فصولُ التاريخِ، تَتَجَلَّى اليومَ آيةٌ فنيةٌ تُبهرُ العيونَ وتُسكنُ الأرواحَ: "متحفُ أساطيرِ المسرحِ"، او رواد الفن بالمركز القومي للمسرح بالزمالك فهو ليسَ مُجردَ مبنىً يضمُّ رفوفًا صامتةً، بل هوَ بوابةٌ منَ النورِ، فُتحتْ على مصراعيها في قلبِ "بوابةِ روزِ اليوسفِ"، لِتُعلنَ عنْ قيامةٍ فنيةٍ، حيثُ الزمانُ ينحني أمامَ عظمةِ الإبداعِ، والأمسُ يُصافحُ الغدَ في رقصةٍ أبديةٍ. هذا الصرحُ، هوَ تجسيدٌ لحُلمٍ طالما راودَ أرواحَ العشاقِ، وصارَ الآنَ واقعًا يُلامسُ الخيالَ.
على مساحةٍ تُضاهي ألفي مترٍ مربعٍ، كبساطٍ سحريٍّ يمتدُ في فضاءِ الإبداعِ، وتتسامقُ بثلاثةِ طوابقَ تُعانقُ سماءَ الفنِّ، يقفُ هذا المتحفُ الشامخُ.
إنهُ ليسَ حصيلةَ جهدٍ عادٍ، بل ملحمةٌ وطنيةٌ كُبرى، تُوجتْ بافتتاحٍ يليقُ بِمقامِ "أبو الفنون" وبعمالقتهِ. كلُّ زاويةٍ فيهِ، وكلُّ قطعةٍ مُعروضةٍ، هيَ شاهدٌ حيٌّ على نبضِ الروحِ المصريةِ التي أبدعتْ، وألهمتْ، وخلّدتْ.
ادخلْ معنا، إلى هذا الصرحِ الذي يُحاكي قصصَ ألفِ ليلةٍ وليلةٍ منَ الفنِّ. هنا، لا تُعرضُ المقتنياتُ جامدةً، بل تتنفسُ الأرواحُ، وتتراقصُ الذكرياتُ، ويُصبحُ التاريخُ حكاياتٍ تُروى بألفي لسانٍ منَ الجمالِ الخالدِ. كلُّ قطعةٍ هنا ليستْ مجردَ غرضٍ، بل هيَ ومضةٌ منْ روحِ فنانٍ، خيطٌ منْ نسيجِ الزمنِ، وقصيدةٌ صامتةٌ تُرتلُ عظمةَ الإبداعِ.
في هذا المتحفِ الخفيِّ لِـ "السينما تحتَ الرمالِ"، تتشابكُ خيوطُ الزمنِ، وتُصبحُ حكاياتُ الأمسِ مرآةً لِتحدياتِ اليومِ. فمصيرُ فيلمٍ لمْ يُعرضْ في زمنِ يوسف وهبي، "عميدِ المسرحِ والسينما"، قد يُشبهُ مصيرَ فكرةٍ لَمْ تكتملْ لِـ يحيى الفخراني، "فارسِ الشاشةِ والخشبةِ اليومَ". إنها "لعنةُ الإبداعِ" التي تُطاردُ الفنانَ عبرَ الأزمانِ، أو ربما "سحرُ التحدي" الذي يُلهمُهُ لِلاستمرارِ.
هنا، قد نجدُ "روبَ الفنانِ توفيق الذقن" من مسرحية "الفرافير" يُجاورُ "ملابسَ الفنانِ يحيى الفخراني" من مسرحية "الملك لير"، لِتُخبرنا هذهِ المقتنياتُ الصامتةُ أنَّ الشغفَ المسرحيَّ لا يعرفُ جيلًا، وأنَّ روحَ الأداءِ تتناقلُ عبرَ الأزمانِ، حتى لو اختفتْ بعضُ أعمالها. إنَّ "دفترَ يوسف وهبي"، الذي يحملُ أحلامًا لمْ تتحققْ، يُشبهُ في رمزيتهِ "ملفاتِ مشاريعَ مُعاصرةٍ" لمْ ترَ النورَ بعدُ. إنها "أوجاعُ الإبداعِ الخالدةُ"، التي تُوحّدُ الفنانينَ عبرَ العصورِ.
دفترُ يوسف وهبي: ليسَ مجردَ ورقٍ وحبرٍ، بل هوَ مصدرُ الإلهامِ الأولِ، نبعٌ تُروى منهُ عبقريةُ "برنسِ المسرحِ"، كلماتٌ خطّتها يدُ الخلودِ لِتُشكّلَ دراما الحياةِ.
هنا، يلتقي هوسُ "راسبوتين" بعمقِ "كرسي الاعتراف"، لتُدركَ أنَّ كلَّ خطٍّ فيهِ هوَ ميلادُ شخصيةٍ أسطوريةٍ.
فستانُ أمينة رزق: لا تُشاهدُ قطعةَ قماشٍ، بل تُلامسُ هيبةَ "سيدةِ المسرحِ"، التي ارتدتْ هذا الفستانَ لتُجسّدَ آلافَ النساءٍ، وتُبكي وتُضحكُ الملايينَ. إنهُ مرآةٌ تعكسُ عمقَ المشاعرِ، وصندوقٌ لأسرارِ التقمّصِ الفنيِّ الأبديِّ.
بطاقةُ علوية جميل: إنها تذكرةٌ إلى قلبِ الشموخِ المسرحيِّ، ومفتاحٌ لعالمِ فنانةٍ جمعتْ بينَ قوةِ الحضورِ وجمالِ الأداءِ، ليُصبحَ اسمها عنوانًا للعراقةِ.
بالطو توفيق الذقن: هذا ليسَ مجردَ معطفٍ، بل هوَ رداءُ الهيبةِ والوقارِ، شارةُ الشرِّ الجميلِ الذي أتقنهُ "ساحرُ الأداءِ"، ليُعيدَ إلى الأذهانِ أدوارَهُ الخالدةَ في "الفرافير" و"سكة السلامة"، مُثبتًا أنَّ الجمالَ الفنيَّ قد يسكنُ في أدقِّ التفاصيلِ.
عودُ سيد درويش: هنا، ليسَ مجردَ آلةٍ موسيقيةٍ، بل هوَ وترٌ ينبضُ بـ "فنانِ الشعبِ"، قلبٌ يُردّدُ أنغامَ الوطنِ وصرخاتِ الثورةِ، لِتُسمعَ فيهِ أصداءُ "يا أنا يا أنا" و"زوروني كل سنة"، مُؤكدًا أنَّ الفنَّ قادرٌ على تغييرِ وجهِ الزمانِ.
المتحفُ ليسَ كيانًا مُنعزلًا، بل هوَ شبكةٌ كونيةٌ للذاكرةِ الفنيةِ، تتصلُ بثمانيةِ أجنحةٍ مُضيئةٍ في مسارحَ عريقةٍ بالقاهرةِ، منها "مسرحُ السلامِ الذي شهدَ أجيالًا منَ الضحكِ"، و"الطليعةُ التي احتضنتْ التجاربَ الجريئةَ"، و"متروبول الذي استقبلَ أساطيرَ الفنِّ"، و"العائمُ الذي رقصَ على أمواجِ النيلِ"، و"الغدُ الذي يحملُ بشائرَ الأملِ"، و"البالونُ الذي حلقَ بالخيالِ"، و"السيركُ القوميُّ الذي يُقدمُ سحرَ الأداءِ." كلُّ جناحٍ هوَ مرآةٌ تُعكسُ جزءًا منْ تاريخِ المسرحِ، تُعيدُ للأذهانِ عروضًا لا تُنسى.
سترى هنا بوستراتٍ أصليةً لروادِ المسرحِ تُشبهُ لوحاتِ الشرفِ، مثلَ توفيق الحكيم، "فيلسوفِ المسرحِ"، ونجيب الريحاني، "ملكِ الكوميديا"، وإسماعيل ياسين، "ضابطِ الإيقاعِ الضاحكِ"، وعلي الكسار، "مُبتكرِ الشخصيةِ الخالدةِ".
المتحفُ يحتضنُ إعلاناتٍ أصليةً وصورًا نادرةً نادرةً للمسرحياتِ التي عُرضتْ في مصرَ منذُ ولادةِ المسرحِ المصريِّ عامَ 1870. إنها رحلةٌ عبرَ الزمنِ، تُسجلُ تاريخَ المسرحِ الغنائيِّ الذي قدّمهُ سيد درويش وسلامة حجازي وكامل الخلعي، لتصلَ إلى مسرحِ أحمد شوقي الشعريِّ، ثمَّ تُبحرُ بكَ في الزمنِ لِتُشاهدَ إعلانَ مسرحيةِ "أهل الكهف" عامَ 1933، وصورًا لعروضِ الفرقةِ القوميةِ للمسرحِ التي تأسستْ عامَ 1953. هنا، تُضيءُ صورةُ زكي طليمات، "أبو المسرحِ الحديثِ"، الذي أسسَ المعهدَ العالي للفنونِ المسرحيةِ وفرقةَ المسرحِ المصريِّ الحديثِ، لِتُصبحَ لاحقًا المسرحَ القوميَّ.
سترى صورًا لعروضِ المسرحِ في الستيناتِ، "العصرِ الذهبيِّ"، حيثُ التقتْ عبقريةُ نعمان عاشور وسعد الدين وهبة وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي ورشاد رشدي ونجيب سرور وعلي سالم وميخائيل رومان وألفريد فرج وكرم مطاوع وعبد الرحيم الزرقاني. إنها بانوراما مُذهلةٌ تُجسّدُ ثورةَ الوعيِ والإبداعِ.
يُقدمُ المتحفُ مقتنياتٍ منْ حياةِ ومسيرةِ المخرجِ المسرحيِّ العظيمِ السيد راضي، "مؤسسِ مسرحِ الطفلِ المصريِّ"، الذي أثرى الحركةَ المسرحيةَ بعروضٍ خالدةٍ مثلَ "البرنسيسة" و"دلع الهوانم" و"الصعايدة وصلوا". إنها دعوةٌ لِتُشاهدَ كيفَ تُصنعُ الأساطيرُ، وكيفَ يُبنى المستقبلُ على أكتافِ العمالقةِ.
ستتوقفُ أمامَ عديدٍ منْ ماكيتاتِ المسارحِ التي أنشئتْ في مصرَ عبرَ التاريخِ، منها مسارحُ دارِ الأوبرا المصريةِ بجمالها الخالدِ، والمسرحِ القوميِّ قبلَ تجديدهِ، ومسرحِ سيد درويش بالإسكندريةِ الذي شهدَ ميلادَ روائعِ الفنِّ، ومسرحِ الارتجالِ في أوائلِ عصرِ النهضةِ، وحتى "مسرحِ القهوةِ" الذي وُلِدَ في بدايةِ القرنِ التاسعِ عشرَ، ليُثبتَ لكَ أنَّ المسرحَ وُلِدَ منْ قلبِ الشعبِ ومنْ بيئتهِ الأصيلةِ.
وتضمُّ الجولةُ مقتنياتٍ نادرةً أخرى، مثلَ صورٍ أصليةٍ لكبارِ النجومِ والروادِ، منهمْ جورج أبيض، الذي قدمتْ فرقتُهُ أكثرَ منْ 130 مسرحيةً متُرجمةً ومُؤلفةً، وزوجتهُ الفنانةُ دولت أبيض، التي بدأتْ مسيرتها بدورٍ في "أوديب ملكًا" عامَ 1920، وتألقتْ في "شمشون ودليلة" و"الملك لير". إلى جانبِ صورِ نجيب الريحاني وعلي الكسار وعادل خيري وماري منيب، لتُدركَ أنَّ كلَّ صورةٍ هيَ بابٌ لِقصةٍ، ونافذةٌ على زمنٍ منَ السحرِ.
وحتى اللقطاتُ الطريفةُ لها مكانٌ هنا، فصورةُ نجمِ الكوميديا فؤاد المهندس وهوَ يحتسي فنجانَ قهوةٍ مرتديا الفانلة الداخليةَ تُعيدُ إلى الأذهانِ بساطةَ العمالقةِ، وتُبرزُ كيفَ أثرى المسرحَ المصريَّ بمسرحياتٍ مثلَ "سيدتي الجميلة" و"سك على بناتك" و"إنها حقًا عائلة محترمة".
منْ وهبي إلى الفخراني، !
المتحفُ لا يتوقفُ عندَ الماضي، بل يمدُّ جسورَهُ إلى الحاضرِ، ليُبرهنَ أنَّ الفنَّ نهرٌ متدفقٌ لا يجفُّ. هنا، يلتقيَ روبُ الفنانِ توفيق الذقن من مسرحية "الفرافير" بـ ملابسِ الفنانِ يحيى الفخراني من مسرحية "الملك لير". التي يعاد عرضها مجددا الان على خشبة المسرح القومي إنها لحظةٌ تُجسّدُ التقاءَ الأجيالِ، وتواصلَ العبقريةِ، حيثُ روحُ الأداءِ والفن تتناقلُ منْ زمنٍ إلى زمنٍ.
سترى ايضا ضمن مقتنيات المتحف بذلةَ الفنانِ عمر الحريري من مسرحية "شاهد ماشفش حاجة"، وملابسَ مسرحيةِ "سفير جهنم" لِفنانِ العبقريةِ يوسف وهبي، لتُدركَ أنَّ كلَّ زيٍّ هوَ شاهدٌ على دورٍ، وسردٌ لِقصةٍ. ولا ننسى العودَ النادرَ الذي كانَ يعزفُ عليهِ فنانُ الشعبِ سيد درويش، وخطابًا أرسلتهُ الفنانةُ زوزو ماضي يحملُ العديدَ منَ الأسرارِ، وعقدَ زواجِ الفنانينَ نجيب الريحاني وسيد درويش وزوزو نبيل، وبطاقاتِ الهويةِ الشخصيةِ لعمالقةٍ مثلَ علوية جميل وزوزو ماضي، وصورةَ الفنانِ الكوميديِّ محمد عوض من مسرحية "نمرة اتنين يكسب".
ولكي يُثبتَ المتحفُ أنَّ الفنَّ لا يزالُ حيًا يُرزقُ، يعرضُ ملابسَ سيدةِ المسرحِ المصريِّ سميحة أيوب رحمه الله من مسرحية "كوبري الناموس" ومسرحياتٍ أخرى، لتُشيرَ إلى أنَّ الأسطورةَ لا تزالُ تُبهرُ وتُبدعُ.
هذا المتحفُ ليسَ فقط لِجمعِ وحفظِ المقتنياتِ، بل هوَ مركزٌ بحثيٌّ مُتكاملٌ، يضمُّ شاشاتٍ للتأريخِ الرقميِّ، وصورًا متحركةً لأهمِّ العروضِ، وقاعدةَ بحثيةً شاملةً عنِ الحركةِ المسرحيةِ المصريةِ عبرَ العصورِ. إنهُ يُعدُّ إضافةً حيويةً للباحثينَ والدارسينَ، ويُقدمُ رؤيةً عميقةً للأجيالِ الجديدةِ، ليُعلمهمْ أنَّ الفنَّ ليسَ ترفًا، بل هوَ روحُ أمةٍ، ومرآةُ حضارةٍ، ونبضُ شعبٍ يُقاومُ النسيانَ ويُبنى على الإبداعِ المُتجدّدِ.