

أ.د. رضا عوض
النور
سيدنا رسول الله محمد ﷺ سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجمِ، لقد امتدحه الله فى كتابه فسمَّاه نورًا، كما قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}. إن رسول الله -صلوات ربى وسلامه عليه- هو الأعظم خَلْقًا وخُلُقًا، وقد قال الله تعالى واصفًا خلقه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
إنه القدوة الحسنة التي يجب أن نسعى لاتباعها فى كل شؤوننا، كما قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا». (الأحزاب21) فقد كان النموذج الأسمى للأخلاق والفضائل، ولقد أُنزل عليه القرآن ليزكيه ويهذبه، فأصبح مطبقاً لأوامر ربه خير تطبيق.
ولد سيدنا رسول الله -ﷺ فى فجر يوم الاثنين الموافق الثانى عشر من ربيع الأول والثانى والعشرين من شهر أبريل عام 570 ميلادية، فى عام الفيل، وهو العام الذي حاول أبرهة الأشرم الحبشى غزو مكة وهدم الكعبة، ويقول ﷺ عن نسبه إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام: «إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بنى كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم. كان ﷺ قبل الإسلام يرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية التي كانت منتشرة فى مكة فلقد صانه الله وحماه منذ صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلقٍ جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالصادق الأمين. كُلّف ﷺ بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، عندما جاءه الحقّ وهو فى غار حراء، فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ, ويفسر علماء المسلمون ما ورد فى سفر التثنية بالتوراة بأنه نبوءة عن قصة نزول الوحى على محمد, وهذا ما ورد فى التوراة، ثم يُعطى الكتاب للأمى قائلاً: «الآن اقرأ هذا». فيقول: «لا أستطيع القراءة. سفر إشعيا ( 29) .
أٌمر بالدعوة سرًا لثلاث سنوات، قضى بعدهنّ عشر سنوات أُخَرى فى مكة مجاهرًا بدعوة أهلها، وقد أدى أمانة ربه أفضل ما يكون الأداء، فعندما قال له عمه أبوطالب (أكفف عن قومك ما يكرهون من قولك» طالبًا منه أن يوقف دعوته لأهل مكة، فقال محمد كلمته المشهورة «يا عمّ، لو وُضعت الشمس فى يميني، والقمر فى يسارى، ما تركتُ هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فى طلبه.
حدثت له ﷺ رحلة الإسراء والمعراج فقيل أنها كانت ليلة 27 رجب بعد البعثة بعشر سنين, فنزل فى المسجد الأقصى، وصلّى بجميع الأنبياء إمامًا، ثم عُرج به إلى فوق سبع سماوات وانتهى إلى سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار. وفُرضت عليه الصلوات الخمس.
هاجر ﷺ إلى المدينة، فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول، سنة 1 هجرية، وعمره يومئذ 53 سنة وعندما دخل المدينة مهاجرا من مكة قال فى أول خطبة له، «يا أيّها الناس، أفشوا السّلام وأطعموا الطعام وصلو الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام». داعيا الناس إلى نشر الرحمة بينهم. عاش النبى ﷺ فى المدينة عشر سنين أُخرى داعيًا إلى الإسلام، ومعجزة النبى محمد ﷺ الخالدة هو (القرآن الكريم) الذي لم يستطع أحد على مر العصور أن يأتى بمثله بالرغم من تحدّيه بذلك، حيث ورد فى القرآن ﴿قُل لَّئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأتُواْ بِمِثلِ هَـٰذَا القُرءَانِ لَا يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعض ظَهِيرا ﴾ [الإسراء:88].
أسس ﷺ بالجزيرة العربية نواة الحضارة الإسلامية، ووحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية ولنشر الرحمة بين الناس فقد كانت شبه الجزيرة العربية مفككة، لا توحّدها دولة ولا تديرها حكومة فكانت القبيلة هى الوحدة السياسية والاجتماعية وفى حالة نزاع دائم بينهم، ومن النّاحية الدينية كانت الوثنية تسود شبه جزيرة العرب بشكل غالب ومع ذلك بقى لديهم شعائر من بقايا دين إبراهيم مثل تعظيم الكعبة، والطواف بها، والحج.
وكان ﷺ أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعاً يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه, يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى, ويمشى فى الجنائز، وغزا وقاتل هو وأصحابه، فكان عدد غزواته التي خرج فيها بنفسه 27 غزوة، قاتل فى 9 منها بنفسه، وفى تلك الغزوات كلّها لم يقتل محمدٌ بيده قطّ أحدًا إلا أبى بن خلف وقال «اغزوا باسم الله فى سبيل الله، إغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدًا»، تُوفى ﷺ وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الاثنين ربيع الأول سنة 11 هـ، وقد تّم له 63عامًا.
نقلًا عن صحيفة روزاليوسف