
فى مواجهة الشمس والعرق
مصر تتبنى استراتيجية لحماية العمال من آثار المناخ

كتبت - هاجر كمال
فى ظل التسارع الحاد فى تغير المناخ عالميًا، باتت درجات الحرارة المرتفعة تمثل تحديًا خطيرًا يتجاوز حدود البيئة، ليهدد الصحة العامة وكفاءة العمل، خاصة فى القطاعات التي تعتمد على العمل فى الهواء الطلق.
فى مصر، حيث تسود فصول الصيف الطويلة والحارة، بدأت ملامح الأزمة فى الظهور بشكل واضح على قدرات العمال، لا سيما فى الزراعة والبناء والنقل، ما دفع الجهات المعنية لإطلاق تحركات استباقية لمحاصرة التداعيات وحماية العمال، فى سباق بين الإنتاج وسلامة الإنسان.
إنتاجية العمال فى خطر
وفقًا لتقارير منظمة العمل الدولية، فإن «الإجهاد الحرارى» الناتج عن التعرض لدرجات حرارة مرتفعة، يؤدى إلى انخفاض القدرة الإنتاجية للعاملين بنسبة تتراوح بين 5% و20%، وقد تتجاوز هذه النسب فى المناطق الأكثر سخونة.
ومع تكرار موجات الحر الشديد، تزداد احتمالات تعرض العمال لحالات الجفاف، وضربات الشمس، والإعياء الحرارى، ما يؤثر سلبًا على الصحة الجسدية وساعات التشغيل، بل ويزيد من معدلات الحوادث فى مواقع العمل.
القطاعات الأكثر تأثرًا
القطاع الزراعي فى مصر، أحد أكثر القطاعات تأثرًا، يُمثل خط المواجهة الأول مع حرارة الشمس، ويقضى المزارعون ساعات طويلة فى الحقول تحت أشعة الشمس المباشرة، ما يهدد قدرتهم البدنية ويقلل من جودة العمل.
أما فى قطاع البناء والإنشاءات، فإن العمال يواجهون تحديات مماثلة، حيث المواقع المكشوفة والمواد الإنشائية الساخنة تضاعف من الإجهاد البدنى. وهو ما يدفع العديد من الشركات إلى تقليص ساعات العمل خلال فترات الذروة، مما يؤثر على تقدم المشروعات والتكلفة التشغيلية.
ولم تسلم الصناعة من التأثير، فالمصانع غير المزودة بأنظمة تبريد مناسبة تتحول إلى بيئات عمل خانقة، ترتفع فيها درجات الحرارة الداخلية إلى مستويات تفوق الخارجية، مما يقلل من التركيز ويزيد من احتمالات وقوع الحوادث المهنية.
فرص للتكيف والابتكار
رغم حدة التحدى، تفتح هذه الأزمة بابًا واسعًا أمام التغيير والابتكار، ويكمن الحل فى تفعيل آليات التكيف الذكى، من خلال إعادة جدولة ساعات العمل لتجنب ذروة الحرارة، واستخدام معدات مريحة للعاملين، والتوسع فى تصميم مبانٍ ذكية تراعى التهوية والعزل الحرارى.
كما أن تدريب العمال على الإسعافات الأولية وسبل الوقاية من الإجهاد الحرارى أصبح ضرورة، إلى جانب تعزيز التوعية المجتمعية حول حقوق العمال فى بيئة عمل آمنة وصحية.
النساء فى قلب التأثر
وفى سياق متصل، ألقت هبة ممتاز، مؤسسة شبكة «نواة النسوية البيئية» للنساء المزارعات فى مصر، الضوء على وجه آخر من أوجه الأزمة، مؤكدة أن النساء، خاصة فى الريف، هن الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية وتحديدًا من التلوث بالبلاستيك.
وأوضحت ممتاز فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف» أن اعتماد النساء المزارعات على مياه النيل فى الرى والغسيل، وأحيانًا فى الشرب، يجعلهن عرضة مباشرة لمخاطر جزيئات الميكروبلاستيك، التي تدخل الجسم دون أن تُرى، وتؤدى إلى أضرار صحية جسيمة.
كما أكدت أن التلوث لا يهدد فقط الصحة، بل يمتد أثره إلى الدخل اليومى للنساء العاملات فى قطاعات الصيد أو تجارة الأسماك، إذ يؤثر انخفاض أعداد الأسماك أو تلوثها سلبًا على سلاسل الإنتاج والمعيشة، ما يفاقم من هشاشة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمرأة الريفية.
ورغم هذا التأثر الكبير، شددت ممتاز على أن النساء لا يملكن فقط معاناة الأزمة، بل أدوات التغيير أيضًا. فبفضل دورهن المحورى فى إدارة البيوت والمجتمعات الريفية، يمكن للنساء أن يصبحن قوة حقيقية لنشر الوعى وتغيير السلوكيات اليومية نحو بيئة أكثر أمانًا واستدامة.
استراتيجية وطنية للسلامة المهنية
من جانبه، شدد خالد عبدالله، مستشار وزير العمل للسلامة والصحة المهنية، فى تصريحات خاصة على أن بناء ثقافة شاملة للسلامة المهنية أصبح ضرورة وطنية، خاصة فى ظل تحديات المناخ المتزايدة.
وأكد عبدالله أن الوزارة تمضى قدمًا فى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسلامة والصحة المهنية، التي تأتى بتوجيهات مباشرة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتعتمد على أسس علمية معترف بها دوليًا، وبالتعاون مع منظمة العمل الدولية.. وكشف عبدالله عن إعداد «الملف الوطني للسلامة»، الذي شبهه بالأشعة التشخيصية التي توضح مواطن القوة والضعف فى واقع السلامة داخل مصر.