
الطوارق: نساء كاشفات الوجه

فاطمة زيدان
في منطقة الساحل الأفريقي، الممتدة من مالي والنيجر حتى الجزائر وليبيا، ينتشر مجتمع الطوارق. وتجسد ظاهرة كشف الوجه عند نسائهم أحد مظاهر التنوع الثقافي والرمزي في البيئات الصحراوية الأفريقية. إذ تعكس هذه الظاهرة نظامًا اجتماعيًا يختلف في رمزيته ومعاييره عن المجتمعات العربية المجاورة، حيث يمنح المرأة مكانة بارزة في النسب والثقافة، ويسقط عنها قيود التلثم التي يلتزم بها رجالهم. ويمكن القول إن هذا التوزيع المغاير للخصوصية الجسدية يعيد تعريف أنماط الهيبة والسلطة داخل البناء الاجتماعي الطارقي.
ويكشف هذا النظام عن فلسفة اجتماعية متفردة في توزيع الرمزية الجندرية التقليدية في البيئات العربية والأفريقية، حيث تحتفظ النساء بحق كشف الوجه والمشاركة الحرة في الحياة العامة، بما يعكس خصوصية ثقافية واجتماعية تستحق التوقف عندها وفهم أبعادها.
تتمتع نساء الطوارق بمكانة مميزة مقارنة بغيرهن من النساء في المجتمعات المجاورة، وتُعد المرأة محور الأسرة وراعية الثقافة الشفوية، والمتحكمة في شؤون الإرث والنسب، فقد تُنسب الأنساب في الطوارق إلى الأم (نظام أمومي جزئي)، وتنتقل الممتلكات والخيام عبر الخط الأمومي. في حين يتلثم الرجال للحفاظ على الهيبة والوقار، تبقى النساء كاشفات الوجوه.
ويقوم هذا النظام على مبدأ واضح في تخصيص الرمزية الاجتماعية، حيث تحتفظ النساء؛ إذ تُبقي النساء على وجوههن مكشوفة باعتبارهن مصدر النسب والرحم والعائلة.
كشف الوجه يُعتبر دلالة على الثقة الاجتماعية وغياب التهديد، بعكس الرجل الذي يحمل السلاح ويمثل دور الحامي، ومشاركة النساء بحرية في الاحتفالات والأعراس وطقوس السمر، حيث لا يُفرض عليهن ستر الوجه.
تحضر المرأة الطارقية الأسواق والمجالس، وتمارس البيع والشراء بدون قيود على مظهرها.
ويُعيد هذا النمط توزيع مفاهيم الهيبة والخصوصية بشكل مغاير، حيث يحتفظ الرجال بالغموض والتخفي (اللثام)، بينما تمارس النساء حضورًا اجتماعيًا واضحًا.
هكذا، يتبيّن من خلال دراسة وضعية المرأة في مجتمع الطوارق أن كشف الوجه لا يرتبط كما هو شائع في كثير من المجتمعات العربية والأفريقية بغياب الحشمة أو انعدام الوقار، بل يعكس قيمة خاصة للمرأة الطارقية داخل البناء الاجتماعي، بوصفها حارسة للهوية الثقافية، ومؤثرة في المجال العام، وصاحبة سلطة رمزية واجتماعية واضحة.
وقد حاولتُ تقديم تحليلٍ لهذه الظاهرة، إذ إن المجتمع الطارقي يمارس عكس ما هو متوقع في توزيع رموز الخصوصية والسلطة بين الرجال والنساء؛ إذ يُفرض على الرجل ستر وجهه حمايةً لهيبته، بينما تظل المرأة الطارقية كاشفة لوجهها، محتفظة بقدرتها على إدارة العلاقات الاجتماعية والمجال العام دون قيود..
ويبقى السؤال الأهم: هل استطاعت المرأة الطارقية أن تصمد أمام رياح التحولات الاجتماعية والسياسية الحديثة، محافظةً على إرثها الاجتماعي والرمزي؟
باحثة دكتوراة في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية