
خبراء: إلغاء واشنطن لـ"النصرة" كجماعة إرهابية إعادة براجماتية لتعريف المصالح السياسية

مصطفى أمين عامر ومحمود محرم
خبراء: القرار سابقة خطيرة ويحول التنظيمات المصنفة إرهابية إلى سلطات شرعية بقوة السلاح لا بالتوافق الوطني.
الخرباوي: رفع جبهة النصرة من قائمة الإرهاب ليس غفرانا أخلاقيا و لا تبرئة تاريخية
فرغلي:خطوة طبيعية بعد أن أصبح الكيان غير موجود فعليًا على الأرض
النجار : جزء من التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة
مابين التحول البراجماتي والتغير الجيوسياسي والأمر الطبيعي شخص خبراء إعلان وزارة الخارجية الأمريكية "إلغاء تصنيف جبهة النصرة، كجماعة إرهابية وباعتبارها قد تحولت إلى المكون الرئيس في هيئة تحرير الشام وبعد أن استولت على الحكم في سوريا في ديسمبر ٢٠٢٣ ويتولى زعيمها السابق أبو محمد الجولاني والذي أصبح الآن احمد الشرع الرئاسة السورية.
كما أن هذا الإعلان يعد استكمالآ لدمج نظام الحكم الجديد في سوريا في المنظومة الدولية ومن غير المنطقي أن تبقى وأشنطن على تصنفها كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب المادة 219 "أ" "6" " أ " من قانون الهجرة والجنسية".
ليحمل هذا القرار دلالات هامة وفق الخبراء ستشكل محاور حاكمة لعلاقة النظام السوري الجديد مع المجتمع الدولي والذي ابدي على مدار ثماني شهور تعاونآ بارزآ ازال التخوفات ضده باعتباره المكون الرئيس في منظومة الحكم الجديدة.
واعتبر ثروت الخرباوي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن قرار رفع “جبهة النصرة” من قائمة الإرهاب ليس غفرانًا أخلاقيًا ولا تبرئةً تاريخية، بل هو إعادة تعريف للمصلحة فالولايات المتحدة تدرك أن الجولاني، بواقعيته الجديدة، وسلطته المستقرة، ونزعته البراجماتية، أصبح اللاعب الأهم في المعادلة السورية وبعد شهور من التعامل غير المباشر، اختارت واشنطن أن تتقدم خطوة إلى الأمام؛ فالقرار يمهد لحوارات سياسية مستقبلية، ويعفي المؤسسات الأمريكية من العوائق القانونية في التعامل مع جبهة النصرة وإدارة الجولاني.
لكن في الوقت نفسه، يخلق القرار سابقةً خطيرة: أن تتحول التنظيمات المصنفة إرهابية إلى سلطات شرعية بالممارسة لا بالمراجعة، وبقوة السلاح لا بالتوافق الوطني.
وأضاف الخرباوي أن واشنطن أصلًا لا تملك ترف المثالية، فالميدان السوري تغيّر، والثورة لم تعد ثورة، والنظام لم يعد نظامًا، والمعارضة التقليدية انتهت وبقي الجولاني، بحكم الأمر الواقع، وبخبرة من نجح في البقاء حين سقط الجميع.
لكن يبقى السؤال الأخطر - بحسب الخرباوي -: هل ترفع أمريكا التصنيف عن الماضي أم عن المستقبل؟ هل تراهن على تغيير حقيقي في مشروع الجولاني، أم أنها فقط تراهن على استقرار "هش" في لحظة إقليمية مشتعلة؟ الجواب، كما يراه، لا يكمن في البيان الأمريكي، بل في دمشق، وفي شكل الدولة التي يريدها أحمد الشرع… بعد أن أصبح الحاكم الذي لم ينتخبه أحد، ولم يعترف به أحد، لكنه في النهاية… هو من بقي.
قال ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن قرار الولايات المتحدة برفع "جبهة النصرة" من قوائم التنظيمات الإرهابية ليس مفاجئًا لمن يتابع تطورات المشهد السوري، بل هو خطوة طبيعية جاءت بعد أن أصبح هذا الكيان غير موجود فعليًا على الأرض، وتحول إلى جزء من تشكيلات أخرى ذات صبغة مغايرة.
وأوضح فرغلي أن "جبهة النصرة" لم تعد قائمة منذ سنوات، إذ تحولت أولًا إلى "جبهة فتح الشام"، ثم اندمجت لاحقًا ضمن كيان أكبر هو "هيئة تحرير الشام"، التي أصبحت القوة المسيطرة في شمال غرب سوريا كما أن النصرة كانت بالأصل فرعًا من تنظيم داعش قبل أن تنفصل عنه، وتغيّر اسمها وهويتها مرارًا، حتى اختفى الكيان الأول الذي صُنِّف إرهابيًا.
وأضاف فرغلي أن الشخصية المحورية في هذا التحول هو أحمد الشرع، المعروف باسم "أبو محمد الجولاني"، الذي كان قائدًا لجبهة النصرة، ثم أصبح زعيمًا لتحرير الشام، وتحوّل تدريجيًا إلى فاعل سياسي وأمني ضمن توافقات تخدم المصالح الأمريكية فقد التقى الجولاني بمسؤولين أمريكيين، وبات يُنظر إليه في واشنطن باعتباره طرفًا قادرًا على ضبط المشهد السوري، ومنع تفكك المنطقة التي يسيطر عليها.
وأشار فرغلي إلى أن بقاء الجولاني اليوم بات ضرورة أمريكية وإقليمية، لأن غيابه أو انهيار سلطته يعني تفكيك شمال سوريا، وانتشار المقاتلين الجهاديين في دول مجاورة مثل العراق ولبنان، وهو ما يشكل تهديدًا كبيرًا على الأمن الإقليمي والدولي.
وأكد الباحث أن الولايات المتحدة لم ترفع كيانًا حقيقيًا بقدر ما رفعت اسمًا قديمًا كان مرتبطًا بالجولاني حين كان زعيمًا لجبهة النصرة وبما أن النصرة لم تعد قائمة، وبما أن الجولاني يؤدي الآن أدوارًا في مكافحة داعش، واحتواء الفصائل المتطرفة، وضبط التوازنات فقد كان من الطبيعي أن يُرفع اسمه من القوائم، باعتبار أن رفع "جبهة النصرة" هو في حقيقته رفع لصيغة لم تعد موجودة، تمهيدًا لشرعنة الواقع الجديد في شمال سوريا.
وقال هشام النجار، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن قرار رفع جبهة النصرة من قائمة المنظمات الإرهابية لا يمكن قراءته إلا في سياق التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، لا سيما بعد حرب غزة، وتصاعد المواجهة بين إسرائيل وأذرع إيران، وتقويض النفوذ الإيراني في الإقليم.
وأوضح النجار أن المشهد السوري يشهد تحولا جذريا، حيث باتت سوريا – التي كانت في السابق إحدى أهم ساحات النفوذ الإيراني – تتحول تدريجيًا إلى ساحة محسوبة على النفوذ الأميركي والغربي، وذلك في إطار توافقات إقليمية ودولية جديدة.
وأضاف الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أن الدور المرسوم لسوريا الجديدة، تحت سيطرة من كانوا يُعرفون بالجهاديين المنبثقين عن "جبهة النصرة" المرتبطة سابقًا بتنظيم القاعدة، يتمثل في الوقوف بوجه النفوذ الإيراني، ومنع طهران من استعادة حضورها الإقليمي وتمددها الذي كانت تتمتع به سابقًا.
وأشار النجار إلى أن من يُوصفون بحكام سوريا الجدد باتت لهم أدوار متفق عليها ضمن ترتيبات إقليمية تخدم المصالح الأميركية، ومنها المشاركة في جهود مكافحة تنظيم "داعش"، وضمان عدم تهديد أمن إسرائيل، إلى جانب أدوار أخرى في ملفات إقليمية حساسة.
وأكد أن قرار حذف "جبهة النصرة" من قوائم الإرهاب يأتي على خلفية هذه التغيرات، وضمن مقاربة جديدة تتجاوز التصنيفات الأيديولوجية القديمة، وتعكس تحولات المصلحة الأميركية في الشرق الأوسط، والتي باتت تقوم على توظيف الفاعلين المحليين القادرين على فرض الاستقرار، ولو كانوا سابقًا في خانة الجماعات الجهادية.