عاجل
الجمعة 25 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

إيمان ممتاز تكتب: من يُربّي من؟ أزمة القدوة في زمن المؤثرين

إيمان ممتاز
إيمان ممتاز

‎في الزمن الذي أصبح فيه الطفل قبل أن ينطق الجمل الكاملة يتقن فتح اليوتيوب، وفي الوقت الذي أصبح فيه الشاب يقضي ساعات يوميًا يتابع مقاطع "الريلز" و"التيك توك"، لم تعد مسألة التربية كما كانت عليه من قبل. لقد تغيّر المشهد، وأصبحت الإجابة على سؤال: "من يربّي من؟" أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.



كان الأب في السابق هو من يزرع القيم بالقدوة، وكانت الأم تُغرس الأخلاق بحنانها، وكان المعلم هو النموذج، والشيخ هو المرجع، والكاتب هو الملهم. لكن اليوم، وبضغطة واحدة على الشاشة، أصبح المؤثرون هم الرفقاء والمُعلّمين والموجّهين، في غياب أو تراجع لدور القدوة التقليدية.

في عالم منصات التواصل الاجتماعي، لا يُشترط في "المؤثر" أن يكون عالِمًا أو خبيرًا أو حتى صاحب تجربة حقيقية، بل قد يكون مجرد شاب أو فتاة حصدوا ملايين المتابعين من خلال محتوى ترفيهي، أو مواقف جدلية، أو حتى مجرد مظهر خارجي. ومع الوقت، يتحول هؤلاء إلى قدوة غير مقصودة، ولكن ذات أثر بالغ على فكر وسلوك أجيال كاملة.

حين يتصدر "المحتوى السطحي" أو "المثير للجدل" ساحة التفاعل، تبدأ القيم في الانحراف. فالشاب الذي يتابع مؤثرًا يبني شهرته على البذاءة أو الاستعراض أو الاستهزاء، يبدأ لا شعوريًا في تبنّي أسلوبه. والطفلة التي تُبهرها مؤثرة تتباهى بعمليات التجميل والمظاهر الزائفة، تبدأ في احتقار ذاتها وتشك في جمالها الطبيعي.

والمخيف في الأمر أن هذا التأثير يحدث دون رقابة، ودون حوار، ودون تصحيح للمسار.

 

فنحن أمام جيل يتلقى رسائل متناقضة عن النجاح، القيم، الجمال، الطموح، والهوية، دون وجود مرجعية واضحة تساعده على التمييز.

لماذا ترك الشباب مساحة التأثير للمؤثرين؟ الإجابة ببساطة: لأنهم لم يجدوا من يملؤها من الكبار.

لأن بعض الآباء أصبحوا غائبين أو منشغلين، أو يربّون بأسلوب التسلط أو الخوف.  لأن بعض المعلمين تراجع دورهم تحت وطأة النظام التعليمي المرهق.  لأن الإعلام التقليدي لم يعد جذابًا أو مُقنعًا. ولأن المؤسسات التربوية والدينية لم تجدد خطابها بالشكل الكافي لمخاطبة هذا الجيل بلغته.

‎الأزمة لا تعني النهاية، لكنها تتطلب صحوة وتغييرًا في الأدوات.

يمكننا استعادة دور القدوة إذا:

1. استعدنا دور الأسرة للحوار والتواصل، لا كجهة رقابية فقط.

2. قدّمنا نماذج واقعية ملهمة من شباب وشابات ناجحين، يتحدثون بلغة العصر ويحملون قيمًا حقيقية.

3. شجعنا على التربية بالقدوة لا بالأوامر، لأن الجيل الحالي يرى ويسمع أكثر مما يطيع.

4. أعدنا الاعتبار للمعلم والمربي والإعلامي الذي يجمع بين العلم والقبول المجتمعي.

5. قمنا بإعادة توجيه منصات التواصل لصالح نشر محتوى يوازن بين الجاذبية والقيمة.

‎لم تعد معادلة التربية تُحسم داخل البيت فقط، بل باتت مرتبطة بمن يتصدر الشاشات، ومن يحصد الإعجابات، ومن يصنع "الترند". ولذا، فالواجب علينا جميعًا أن نسأل أنفسنا: هل نترك أبناءنا يُربَّون على يد من لا نعرفهم؟ أم حان الوقت لنستعيد نحن دور "القدوة"؟

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز