عاجل
الخميس 17 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
ثورة 30 يونيو مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
12 عامًا على  ثورة الخلاص

12 عامًا على ثورة الخلاص

فى سير الشعوب أحداث تاريخية ومراحل مفصلية على مسار الزمن. 



بعض الأحداث تغير التاريخ، كما أن بعضها يقلبه ويعيده من حيث بدأ، وكما أن بعضها قد يخرج أممًا من التاريخ. 

صعود الإخوان إلى حكم مصر كان من تلك الوقائع التي تخرج البلدان من التاريخ.. ومن الجغرافيا أيضًا.  لكن فى 30 يونيو، استعادت مصر التاريخ، وأمسكت بالجغرافيا، واستعادت الوطن. 

لم تُحدث 30 يونيو تغييرًا فى مصر وحدها، إنما أحدثت بالفعل والبرهان تغييرًا واضحًا فى تاريخ المنطقة والإقليم أيضًا.

أحدثت 30 يونيو تغييرًا  فى خرائط السياسة، ووضعت خطوطًا جديدة لمعادلات كانت تحضر  فى الكواليس سيرًا نحو أبيار عميقة ليس لها قرار. لم تكن ثورة الشعب حجر عثرة فى مواجهة مشروع دموى لإخوان إرهاب صعدوا من المناور قفزًا على الحكم بدعم من شراذم ثورة ومدعي حقوق فقط، إنما لعبت محطة 30 يونيو دورًا أساسيًا فى استيقاف مخططات إفعوانية لأدلجة دين، فى منطقة كانت تتهافت عليها الكروب، وفى بلد كان يتقلب فيه المواجع، بينما فى الخلفية كان هناك من يرسم خرائط بدماء الدول.. ودماء شعوبها.

 

كانت يناير وما بعدها.. فتنة وقى الله شرها. لكن فى 30 يونيو كان أن نهض الشعب، مقررًا الأحداث، وواضعًا العناوين والهوامش والبراويز للخلاص. 

فى حياة الشعوب طفرات تاريخية ومراحل مفصلية. 

تُعرف المراحل المفصلية بأنها المحطات الحتمية التي تنهى عقودًا شارفت فيها الدولة على الانهيار، وتؤسس لصعود جديد على منحنى الحياة فى الطريق الصحيح لاستعادة الدولة.. والهوية.. والمكان والمكانة.

لو لم تستفق الشعوب فى المراحل الحاسمة، شديدة الحساسية، شديدة الخصوصية، وشديدة الخطورة، فإن تلك الشعوب بالضرورة تدخل إلى طريق «اللى يروح ما يرجعش». 

ثورة المصريين فى يونيو كانت استفاقة من العيار الثقيل. استفاقة أوقفت عجلة النار..  مسحت بالأستيكة كل ما كان يُدبّر بليل.  

استفاقة أوقفت خطوات شيطان دؤوب، سار ليلًا وانزوى نهارًا، بشعارات مزيفة، وملابس مزيفة، وأشكال ووجوه كانت هى الأخرى مزيفة.

لم تسقط 30 يونيو غول الإخوان وحده، إنما أوقفت عجلة نار ما سمى بالربيع العربى، وأجبرت عرّابيه على إغلاق  المعامل، ولملمة مهمات الهدم والحرق والتدمير واختطاف الأوطان.. ليرحلوا. 

-1- 

بدأ مخطط ما يسمى بالربيع العربى بتفاعلات شيطانية فى معامل انتشرت على رقعة العالم، من أقصى الغرب لأقصى الشرق.

فى تلك المعامل، كانوا قد أضافوا كثيرًا من السيانور السام على خلطاته، ووضعوا مزيدًا من غاز الخردل على وصفاته. 

 استهدفت المعادلة إعادة ترسيم خرائط الشرق الأوسط، باستعادة ترتيب مقاعد القيادة، عن طريق حروب ليست معروفة، ولا مسبوقة، ولا مجربة، لكنها تظهر فجأة وتنفجر فى وجه  الشرق الأوسط. 

الفكرة الجهنمية أساسها كان ابتكار تفجير الدول من الداخل، وتفجير الشعوب، وهدم الأوطان، وإسقاط الجيوش الوطنية، بأيدى الشعوب نفسها.

استغرقت معادلات الربيع العربي فى الإعداد فترات، طرأ عليها فيما بعد خطط  لإطلاق يد التيارات الإسلامية فى تجارب مقننة، تعتلى فيها قمم القيادة فى الشرق الأوسط.. لأكثر من هدف، ولأكثر من سبب.

الفكرة ساذجة؟ صحيح. 

وسطحية أيضًا؟ صحيح.  

بموضوعية شديدة، كانت أكثر من ساذجة، وأكبر من حمقاء، خصوصًا أنها قامت على أساس أن هناك فى أقصى الأرض  من اعتقد فى إمكانية نجاح التعاطى المقنن مع جماعات الإسلام الراديكالى، وفق استراتيجيات جديدة فى الشرق الأوسط . 

لظروف عدة، كانت جماعة إخوان الإرهاب قد استطاعت أن تتقدم خطوات، منذ تسعينيات القرن الماضى فى طرح نفسها بديلًا ممكنًا. 

وفى طور الإعداد وفقًا لجداول الربيع العربى، استطاعوا أن يعيدوا هذا الطرح بوصفهم فصيلًا إسلاميًا (وسطيًا) قادرًا على التعامل مع الجميع، ومنفتحًا على الجميع، ومستعدًا للتعاطى مع الجميع. 

«كان كله كذب». 

فلم يكن إخوان الإرهاب قادرين على التعاطى إلا مع أنفسهم، ولا كانوا قادرين على الانفتاح إلا على بعضهم. 

وبعدما دخلوا الاتحادية، شرعوا فورًا فى أخونة الدولة، وأخونة مؤسساتها، وأخونة القضاء، وأخونة الإعلام، وأخونة الحياة الحزبية. 

ولما دخلوا الاتحادية سرعان ما أظهروا السلاح الذي أخرجوه من العباءات، ورفعوه فى وجوه المصريين والمخالفين والمواطنين، وفجروا محطات أتوبيس النقل العام فى الأحياء الشعبية حيث الزحام ليموت عشرات الأبرياء. 

أولى مقومات نجاح مخطط الربيع العربي كان النجاح فى استهداف الجيوش الوطنية، بوصفه الطريق الأوحد والأهم لتمرير الخطة.

لذلك سارت فى الشارع المصري حمى شعارات الشيطان المزيفة، أطلقها بعضهم، وروّجها بعضهم، وتاجر بها بعضهم، واستغلها آخرون. 

دارت عجلة تثوير الشارع، تلاعبًا بمفردات جوفاء، وتأليبًا للرأى العام ضد الدولة، وضد مفهوم الدولة.. وتشويهًا لمفردات الدولة.

لم يكن هناك حيث تم رسم المخططات وتغليفها وتعليبها وتصديرها، من يتخيل أن هناك من هو قادر على منع الآثار أو الحد من التداعيات. 

 لذلك كان الحدث الجلل بخروج الزعيم الكاريزمى عبد الفتاح السيسي مستجيبًا لمطالب الاستدعاء الشعبى  فى 30 يونيو،  مشفوعًا بشرعية قرار شجاع، ليوقف عجلة النار عن الدوران. 

-2- 

فى 30 يونيو كانت أقنعة كثيرة قد سقطت، ووجوه توارت، وسوءات لا تعد قد ظهرت، بعدما نزل الملايين فى الشوارع والميادين فى صرخة خلاص من حكم فاشى.. كشف عن أنيابه بعدما اختطف الوطن، وعاونه بعض «رموز ثورة» تاجروا بالبلد وعرضوه للبيع فى فاترينات السياسة. 

هب المصريون فى واحدة من أكثر المراحل التي تعرضت فيها الدولة للخطر. 

فقد حاول الإخوان إدخال المصريين من بوابات تسييس الدين وأدلجة العقيدة، وصولًا إلى هدف تنفيذ سطو عام على رقعة من أعرق وأقدم الرقع فى التاريخ والجغرافيا.

عندما تدخل السياسة فى الدين، تكثر الفتن، وتكثر الفوضى. 

ولما يرفع هؤلاء علمًا برموز دينية، يلجأ آخرون إلى الاحتكام لأعلام أخرى برموز أخرى هى الأخرى دينية.

لم يفهم الإخوان المصريين.. ولا أرادوا حتى المحاولة. 

لم يثبت طوال التاريخ أن ارتضى المصريون حكمًا دينيًا. 

 وطوال تاريخ طويل، لم تتخل مصر عن روح كوزموبوليتانية منحت الحق فى الحياة للجميع. 

لم يرتض المصري فى تاريخه حكمًا يرفع راية فئة، أو يحكم سطوة مذهب. 

صحيح ظهرت فترات من الضعف السياسى والاجتماعى، فترات معينة على صفحات التاريخ، لكن تظل تلك الفترات قليلة على مر  العصور.

الأيديولوجية سياسة.. والدين روح وسمو.

لذلك، لم يؤمن المصريون طوال تاريخهم بأن للدين أبعادًا فى السياسة، وأن للسياسة أجزاء فى الدين. سقط إخوان الإرهاب، لأنهم لم يستطيعوا تغيير المعادلات. 

فلم يحدث أن نجحت فى مصر محاولات خلط السياسة بأقوال الصحابة، ولم تنجح تيارات التماحيك فى إقناع المصريين بتأويلات خاصة افترضت معاداة الآخر، والحجر على الرأى، والقتل على الهوية، رغبة فى الوصول للكرسى والاستحواذ على الحكم.

على مر التاريخ، لم تنجح محاولات التخريب فى مصر لأسباب لها علاقة بالشخصية المصرية.. وبطبيعة روح التدين لدى هذا الشعب.

كرس المصريون إسلامًا خاصًا على مر التاريخ.. إسلامًا وسطيًا صحيحًا صريحًا.

ولم يحدث أن طعن المصري يومًا فى عقيدة،  ولم يثبت فى التاريخ أن أقام المصريون تفرقة على الهوية، أو بحثًا فى الضمائر عن العقائد. 

لم يفهم إخوان الإرهاب معادلات الإيمان المصري.. ولا فهموا سيكولوجية شعب، لا فى السياسة.. ولا فى الاعتقاد.

لذلك كانت 30 يونيو نهاية حتمية لمرحلة اقتربت فيها الدولة والحضارة والثقافة من حواف الهاوية.

-3- 

تظل ذكرى 30 يونيو نموذجًا على قدرة الشعوب، إذا أرادت، على حماية مصيرها واستعادة هوياتها. 

تظل ثورة  يونيو نموذجًا على ما يمكن أن تحدثه الشعوب على الأرض من تغييرات جوهرية فى معادلات السياسة. 

وتظل أيضًا نموذجًا على قدرة الشعوب على فك تشابكات خيوط ثعبانية نسجت فى محاولة لفرض معادلات جرثومية، إذ سرعان ما يخرج المصري كاشفًا عن نفسه، متصديًا لجدلية آثمة كانت تساق بها البلد نحو الطريق إلى ستين داهية.

تظل 30 يونيو بوابة كبرى لإرادة شعب، كتب عليها أن استعادة الوطن فرض عين. 

وتظل ملحمة كتب فيها الجيش المصري الوطني سطورًا  وفاء وبر لأبناء البلد الذين هبوا على أبواب واحدة من أصعب مراحل تاريخهم. 

لم تكن خطة استيلاء الإخوان على مصر مجرد سطو مسلح على وطن ودمتم، إنما كانت أيضًا بداية لسلسلة تفتح بوابات واسعة لقوى الشر، تتسرب من خلالها كالماء فى جسد المنطقة، وتنساب فى أروقة الشرق الأوسط، ليعاد تشكيل التوازنات ومواقع القوى، ويعاد ترتيب الاستفادة من الثروات، ويعاد أيضًا رسم معادلات السلاح والهيمنة.

قطعت 30 يونيو الطريق على تجار الوطن.. ونزل عبد الفتاح السيسي استجابة لشعب.. لم ير أنه من الممكن أن يقيم على كرسى رئاسته جاسوس.. ولا أن يسلم دولته لحكم مرشد الإخوان.

أثبتت ثورة يونيو  أن إرادة الشعوب لا تجعل كل الرهانات قابلة للتحقيق.. ولا كل النبوءات قابلة للتنفيذ.

برهن المصريون فى يونيو 2013 على أن عجلة التاريخ كثيرًا ما تتوقف أمام الإرادة واليقين والإيمان بالوطن، وأنه كثيرًا ما يقف على رأس المراحل الفاصلة أبطال يديرون أقراص الزمن أو يوقفونها لإعادة ضبط اتجاهها حسب المقتضى والمصلحة. 

ستظل 30 يونيو علامة ضوء مبهرة فى تاريخ شعب.. انفجر فى وجه محاولات اختطاف وطن، واغتصابه، وعرضه للبيع فى صالات المزادات.

ببساطة شديدة.. سقط الإخوان فى مصر.. لأنه لم يكن لهم إلا أن يسقطوا. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز