

طارق مرسي
وصية الجنرال الراحل محمد عبدالمنعم الأخيرة لـروزاليوسف:
استمروا واكتبوا للناس إزاى نساعد بلدنا لاستكمال بناء دولة 30 يونيو
رحل عن عالمنا مَن عَلمنا السحر والخير والجمال والانضباط.. رحل الكاتب العملاق الجنرال الأستاذ والمُعلم «محمد عبدالمنعم» قائد ثورة التصحيح الكبرى فى «روزاليوسف» فى بدايات الألفية الجديدة قبل أيام من احتفالنا بثورة التصحيح الكبرى فى الـ30 من يونيو التي أنقذت مصر من الإرهابيين؛ تاركًا لنا وصيته الأخيرة منذ 5 سنوات فى آخر زيارة لمحبوبته «روزاليوسف»، وتنحصر الوصية فى رسالة محددة من أجل استكمال أركان دولة 30 يونيو والجمهورية الجديدة.
الأستاذ والمعلم والأب الروحى
الجنرال «محمد عبدالمنعم» ليس فقط رئيسًا لتحرير ولمجلس إدارة روزاليوسف لفترة امتدت إلى قرابة الـ 7 سنوات؛ بل كان الأب الروحى والمُعلم والموجّه لجيلين كاملين من الصحفيين؛ جيل تَسَلم منه عصا القيادة تحوّلوا إلى قيادات مؤثرة فى بلاط صاحبة الجلالة ونجوم معركة الوعى والتنوير فى كبرى المحطات الفضائية والمنصات الإعلامية؛ بل كان صاحب أيادٍ بيضاء على من أصغر إداري وموظف إلى أعلى الدرجات الصحفية، ولم يترك الجنرال اسمًا إلا وكان له معه قصة قصيرة مسكونة بالتفاصيل الإنسانية وبالذكريات الجميلة والمواقف التي لا تُنسَى.
كيان عملاق فى 7 سنوات
7سنوات فقط من تاريخ امتد إلى 100عام أحدث خلالها ثورة حقيقية على المستوى الصحفى والإداري والإنشائى، ترك فيها الأستاذ محمد عبدالمنعم بصمات بارزة على المستوى الصحفى والإنسانى، الجميع هنا مَدين لهذا الرجل بالكثير.
غاب الجنرال عن محبوبته «روزاليوسف» 15 عامًا، وجاء منذ 5سنوات فى تقليد فريد ابتدعه نجوم الجيل الخامس فى «روزاليوسف» مع تولى الكاتب أحمد الطاهرى المسؤولية، وكان صاحب المبادرة التي أسعدت الجميع هنا.. والجميل أن «الطاهرى» وهو من جيل لم يعاصر الكاتب الكبير؛ بل سمع عن سيرته وقيمته وتأثيره وعظمة إنجازاته، ولهذا بادر بتكريمه واستقباله، وكانت آخر زيارة للكاتب الكبير لـ«روزاليوسف»، هذا التأثير والحب استمر حتى فى الأسابيع الأولى من تولى الكاتب الصحفى أحمد إمبابى الذي أدخل فى هذا العدد التذكارى الخاص باحتفال كل المصريين بثورة 30 يونيو المجيدة؛ ملفًا خاصًا تقديرًا لجنرال روزاليوسف الذهبى وقائد مجلس قيادة ثورة التصحيح فيها والذي رحل عن عالمنا وترك سيرة عطرة.
استقبال وتكريم يليق بصاحب المقام
وفى مشهد غير مسبوق استقبل الجميع الجنرال محمد عبدالمنعم، وانقسم مشهد حضوره إلى قسمين؛ الأول احتفالاً بعيد ميلاده، أمّا الثانى فلتكريمه ومنحه درع المؤسّسة تقديرًا لبصماته وإنجازاته بعد لقاء طويل تحدّث فيه عن ذكريات كابن بار لمؤسّسة الأهرام فى مؤسّسة روزاليوسف الحب الثانى فى مشواره الإعلامى الحافل، وتحدّث عن إضافاته وقصة تحويل المؤسّسة إلى كيان عملاق بإضافة توسعات وأبنية شاهدة على إنجازاته، ومنها مبنى القصر الحالى الذي تحوّل إلى مركز عمليات مجلة روزاليوسف ومبنى المطابع العملاق.
صاحب حضور سياسى وثقافى
الكاتب العملاق محمد عبد المنعم أحد أبرز أعمدة الصحافة المصرية، وشغل مناصب رفيعة بمؤسّسة الأهرام، وتولى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف، وارتبط اسمه بالصحافة العسكرية والسياسية لعقود طويلة، وكان له حضور قوى فى المشهد السياسى والثقافى والإعلامى المصري والعربى.
ولخّص قيمته وتأثيره وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى فى نعى بصفحته قال فيه: «أنعى بمشاعر الحزن والأسَى، الصديق العزيز والكاتب الكبير الأستاذ محمد عبدالمنعم، رئيس مؤسسة روزاليوسف الأسبق وأحد أبرز رموز الصحافة المصرية. فقد عرفته صديقًا عزيزًا وكاتبًا مرموقًا، له بصمته المميزة فى الصحافة المصرية والعربية. أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يُلهم أسرته وأصدقاءه ومحبيه وتلامذته الصبر والسلوان».. والكاتب الراحل هو والد الفنان والمخرج تامر عبدالمنعم رئيس قطاع الفنون الشعبية والاســـتـــعــراضــيـــة، والكاتب الصحفى بـ«الأهرام» أشرف عبدالمنعم، وتخرّج جنرال الصحافة فى الكلية الجوية كضابط عمليات، وبعد تخرُّجه فى الكلية الجوية بدرجة ضابط عمليات، التحق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وتم اختياره من قِبَل الكاتب محمد حسنين هيكل ليعمل محرّرًا عسكريًا لجريدة الأهرام عام 1968.
ظل فى جريدة الأهرام كمحرر للشؤون العسكرية بعد انتهاء حرب أكتوبر، وكان صاحب فكرة إنشاء مجلة «الدفاع»، وتولى رئاسة تحريرها والتي كانت تصدر دائمًا من خلال مكتب فى مؤسّسة الأهرام، وتولى مسؤولية صياغة التصريحات الرئاسية بشكل صحفى، والقيام بإرسالها لجميع الوسائل الإعلامية المرئية والمقروءة، كما قدّم برنامجًا تليفزيونيًا بعنوان «العالم فى حرب»، واكتسب شهرة كبيرة ونجاحًا خلال الثمانينيات، وقام بكتابة قصة «ذئب فى قرص الشمس»، وهى مستوحاة من أحداث حقيقية، وكان آخر منصب إعلامى له هو رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير مؤسّسة روزاليوسف.
وصية الجنرال الأخيرة
فى الجلسة التاريخية مع أجيال روزاليوسف فى الزيارة الأخيرة قال الجنرال: «أشعر بالزهو كلما مررت على روزاليوسف، وسعيد بالطفرة الصحفية التي تشهدها وبالشكل الذي أكثر مما حققته فى الوقت الذي تتراجع فيه مؤسّسات كبيرة».. وكانت وصيته الأخيرة هنا: «الفرصة أمامكم أكبر لتحقيق نهضة جديدة، فما زال هناك الكثير يدمن قراءة روزاليوسف.. اكتبوا واشرحوا للناس ازاى نساعد بلدنا مصر لاستكمال بناء الجمهورية الجديدة، واستمروا، فالعمل الجيد يفرض نفسه، والمطبوعات الورقية لن تندثر، ومجلتكم محترمة بمعنى الكلمة، وتاريخها الوطني كبير، والسوق مفتوحة أمامكم».
برواز صاحب الجميل
فى «روزاليوسف» تعلمت من مدرستها العريقة أكثر مما تعلمته من الكتب، واكتحلت عيناى بسحرة القلم؛ بل صفوة رجال الفكر الصحفى الذين لم يبخلوا عليّ بالدعم والمساندة، فى مقدمة هؤلاء الجنرال والأستاذ والمعلم والأب الروحى الذي منحنى قبلة الحياة الصحفية ومن أعرق أبوابها وتعيينى بها، وسيظل محمد عبدالمنعم فى برواز «صانع الجَمِيل» وصاحب الفضل الأول فى مشوارى الصحفى وحتى آخر «نفَس فيّا» فى حب صاحبة الجلالة «روزا».. وداعًا ياجنرال العطاء والحب والخير والجمال.. «لو كانت الأيام ترجع ما تمنى القلب منها غير يوم لقاك».