
دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات..
ورقة الأقليات: إلى أي مدى يمكن توظيف البلوش في التصعيد الإسرائيلي-الإيراني؟

السيد علي
استعرضت منى قشطة – باحث أول بوحدة الإرهاب والصراعات المسلحة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في دراسة مهمة، ورقة الأقليات العرقية في الداخل الإيراني وتوظيفها كإحدى أدوات الضغط على إيران.
وقالت مني قشطة، انه منذ اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل في 13 يونيو 2025، تصدرت الأبعاد العسكرية والسياسية المباشرة المشهد التحليلي والإعلامي، في ظل الاهتمام الواسع بتأثيرات هذه المواجهة على معادلات الأمن الإقليمي والتوازنات الدولية. لكن في خضم هذا التركيز، برزت قضايا أخرى على هامش المشهد، لا تقل أهمية عن ساحات القتال التقليدية، وفي مقدمتها محاولات استثمار الأزمات الداخلية داخل إيران كأوراق ضغط موازية في هذه الحرب المفتوحة.
وتابعت : وتبرز إلى السطح قضية توظيف "ورقة الأقليات" كإحدى أدوات الضغط على إيران، خاصة في ظل محاولات أطراف إقليمية ودولية استغلال التوترات الداخلية في إيران لزيادة الضغط على النظام الإيراني، سواء عسكريًا أو سياسيًا أو نفسيًا، أو عبر آليات التوظيف الاستخباراتي للأزمات الداخلية.
وأشارت الباحثة، إلى أن "القضية البلوشية" تعد واحدةً من أبرز تلك الأوراق الممكن استخدامها في هذا الإطار، بالنظر إلى خصوصية موقع إقليم بلوشستان، وطبيعة سكانه، ووجود تنظيمات مسلحة معارضة للنظام الإيراني تنشط من هذا الإقليم، وعلى رأسها تنظيم “جيش العدل”، المصنف كتنظيم إرهابي.
ونوهت الى ان المشهد البلوشي لم يغب عن التفاعل تطورات التصعيد بين إسرائيل وإيران. فقد دخلت بعض القوى البلوشية على خط الأزمة، مستثمرة حالة التصعيد الراهن لتأكيد موقفها من النظام الإيراني، ومحاولة استثمار اللحظة لإعادة طرح قضيتها في إطار إقليمي أوسع.
وقد تباينت مستويات هذا التفاعل بين بيانات سياسية صادرة عن تنظيمات مسلحة مثل تنظيم “جيش العدل”، وتصريحات أيديولوجية من بعض رجال الدين البلوش، إلى جانب مواقف سياسية أكثر تنظيمًا صادرة عن القوى البلوشية في باكستان، في محاولة لربط القضية البلوشية بمسارات التوتر الإقليمي الراهن.
واضافت الباحثة فى دراستها، ان جيش العدل أصدر في 13 يونيو 2025 بيانًا مكونًا من صفحتين، حمل عنوان “حرب النظام لا علاقة لها بالمصالح الوطنية والإسلامية”، دعا فيه إلى استغلال التصعيد الراهن بين إيران وإسرائيل للانقلاب على ولاية الفقيه.
وذكر البيان نصًا أنه “من الواضح أن الهجوم الحالي ليس على إيران، بل على نظام ولاية الفقيه. إن إرادة الله أن تهيئ لنا، شعب إيران، الظروف المناسبة لاستغلال هذا الفراغ على أكمل وجه لتحرير أنفسنا وبلادنا، وكذلك إسلامنا الحبيب، من أسر نظام ولاية الفقيه، وبناء إيران أفضل ومستقبل أكثر أمنًا لأجيالنا القادمة.
وإن منظمة جيش العدل تمد يد الأخوة والصداقة لجميع أبناء الشعب الإيراني، وتدعوهم، وخاصةً شعب بلوشستان والقوات المسلحة، إلى الانضمام إلى صفوف المقاومة حتى يكون طريق الحرية والكرامة ممهدًا لنا جميعًا”.
واشارت مني قشطة، ان ثمة معطيات عديدة تجعل من مسألة توظيف ورقة الأقليات العرقية في الداخل الإيراني بشكل عام، والورقة البلوشية على وجه الخصوص، حاضرة ضمن أبعاد وسيناريوهات التصعيد الإسرائيلي الإيراني خلال المرحلة المقبلة:
أولها: امتلاك تنظيم “جيش العدل” سجلًا ممتدًا من العمليات المسلحة في شرق إيران؛ الأمر الذي أكسبه خبرة متراكمة في استهداف البنية الأمنية والعسكرية الإيرانية، خاصة في المناطق الطرفية ذات الطبيعة الجغرافية الوعرة الممتدة مع دول الجوار. وهو ما يجعله ورقة ضغط جاهزة للتفعيل ضمن خيارات استنزاف النظام الإيراني، خاصة في نقاط ضعفه الطرفية.
ثانيها: لا يمكن فصل دعوة جيش العدل الأخيرة لاستثمار التصعيد العسكري الراهن ضد إيران –خاصة في ضوء التهديدات الإسرائيلية والأمريكية المعلنة– عن السياق الأوسع لحالة السخط المتنامية بين القوميات والمكونات العرقية المهمشة داخل إيران؛ إذ يتلاقى خطاب التنظيم بشكل واضح مع دعوات مماثلة صدرت عن قوى قومية أخرى، لا سيما في الساحة الكردية.
حيث تفاعل المكون الكردي الإيراني مع التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن احتمال تغيير النظام الإيراني، واعتبره لحظة مناسبة لتجديد المطالبة بالانتفاضة ضده.
ثالثها: تأتي الأحداث في إيران في وقت يشهد فيه الإقليم البلوشي الموازي في باكستان تصعيدًا لافتًا في نشاط الجماعات البلوشية الانفصالية، وفي مقدمتها “جيش تحرير بلوشستان”.
وعليه، قد تمثل حالة الزخم المتصاعد في الحراك القومي البلوشي على مستوى الإقليم رافعة معنوية للبلوش في إيران، خاصةً في ظل الامتدادات العرقية والمذهبية العابرة للحدود، والتي تتيح للتنظيمات البلوشية هامشًا أكبر من الحركة والارتباط بشبكات الدعم اللوجستي.
بشكل عام، تبدو الورقة العرقية، وعلى رأسها الورقة البلوشية، من بين الأدوات المرشحة بقوة للتوظيف ضمن سيناريوهات الضغط على إيران خلال المرحلة الراهنة من التصعيد مع إسرائيل. ومع ذلك، سواء فُعلت هذه الورقة بشكل مباشر ومدروس من قوى خارجية، أو ظلت في إطار الحراك الذاتي للفصائل العرقية، فإن الأوضاع الحالية تشكل فرصة سانحة لهذه الجماعات لتكثيف تحركاتها وضرب مواقع النفوذ الإيراني في الداخل، بما يفاقم من حجم التهديدات الأمنية التي تواجهها طهران.
لأن الورقة العرقية غير قادرة وحدها على إسقاط النظام الإيراني بصورة مباشرة، لكنها قد تسهم بشكل فاعل في إرباك حساباته الداخلية، وتشتيت جهوده في إدارة التصعيد الإقليمي، وهو ما يشكل في حد ذاته مكسبًا لأي طرف خارجي يسعى إلى إضعاف طهران أو فرض مزيد من الضغوط عليها.
غير أن التطور الفعلي لهذا السيناريو يبقى مرهونًا بمسار الأحداث خلال المرحلة المقبلة، وبحجم الدعم أو التوظيف الخارجي الذي قد تحظى به هذه الورقة.
وتتزايد خطورة هذا المشهد في حال تزامن التصعيد العرقي مع تحركات موازية لتنظيم “داعش خراسان”، الذي يشكل بدوره مصدر تهديد آخر للأمن القومي الإيراني، خاصة في المناطق الحدودية الشرقية. وعليه، تبدو إيران مقبلة على تحدٍ داخلي مركب، قد لا يفضي بالضرورة إلى إسقاط النظام، لكنه قد يسهم في إرباكه وإضعاف تماسكه الداخلي، خاصة إذا ما تواصل الضغط الخارجي في أكثر من اتجاه خلال الفترة المقبلة.