عاجل
الجمعة 27 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

بين العبور والاغتراب: قراءة نقدية في قصيدة "ستمر يومًا" للشاعرة أمل صالح

عماد خالد رحمة ـ برلين
عماد خالد رحمة ـ برلين

أعد الكاتب عماد خالد رحمة، دراسة نقدية تحت عنوان "بين العبور والاغتراب: قراءة نقدية في قصيدة "ستمر يومًا" للشاعرة أمل صالح. 



 

الشاعرة أمل صالح
الشاعرة أمل صالح

 

 

 

وقال "رحمة" إن القصيدة "ستمر يومًا" للشاعرة أمل صالح تقف عند تخوم الشعر الحداثي حيث يمتزج الشعور بالزمن والاغتراب، والحنين، والانفصال عن الذات والعالم في آنٍ واحد. 

وأضاف الكاتب عماد خالد رحمة، الذي يقيم في العاصمة الألمانية برلين، أن قصيدة الشاعرة أمل صالح كتبت على حافة الانتظار، بلغة حلمية مواربة، تُكثر من التلميح وتقلّ فيه المباشرة، وتستبطن قلق الإنسان المعاصر وتوقه العميق إلى السكينة والانسجام الوجودي.

وأوضح "رحمة" أن القصيدة تستدعي في بنيتها خطاباً داخلياً يتوسّل التأمل والتبئير النفسي، حيث يصبح المشهد المكاني المسوَّر رمزاً لحدود داخلية أكثر من كونه جغرافيا خارجية.

وأوضح أن  المستوى الموضوعاتي: الذات وقلق العبور ـ تيمة العبور والانتظار: "ستمر من هنا ذات لحظة غريبة، كأنها خارجة عن الترقيم الزمني" يشكّل العبور الثيمة المركزية في القصيدة، لكنه ليس عبوراً مادياً، بل عبورٌ وجوديّ – لحظة تتحرر من الزمن، تتجاوز التقويم والخط الزمني التقليدي. 

وأشار الكاتب عماد خالد رحمة إلى أن هذا التوصيف الزمني اللاخطّي يكشف عن رغبة الذات في اختراق رتابة الواقع، والعبور نحو خلاص شخصي يتجاوز حدود الزمن والمكان.

 ـ الاغتراب الوجودي: "لا تلتقي الأشياء في رأسك بانسجام / تتحرك في الاتجاه المعاكس" القصيدة تعكس حالة اغتراب داخلي، تشظٍ معرفيّ وذهنيّ، حيث الأشياء لا تتناغم في وعي الذات، بل تتنافر وتتناقض.

وقال رحمه إنّ الفوضى الإدراكية التي تعيشها المتكلمة تحيل إلى اضطراب عميق بين الذات والعالم، بين الداخل والخارج، وهو ما يتّسق مع الخطاب الشعري المعاصر الذي يعكس تشظّي الإنسان في العصر الحديث. ... المستوى الرمزي/السيميائي: ـ الظل كرمز للصبر والزمن: "الظل يبتسم / ويمتد إلى آخر قطرة من الصبر" في استخدام الشاعرة للظل هنا رمز متعدد الأبعاد؛ فهو ليس مجرّد انعكاس، بل كائن له فاعلية وجدانية "يبتسم" ويتمدد عبر الزمن.

وأوضح الكاتب عماد خالد رحمة أن الابتسام في هذا السياق ليس فرحاً، بل ابتسامة متعبة، ابتسامة من يعرف المعاناة ويمتد معها. ـ الكرمة كرمز للحياة والخصوبة: "كرمة / تغمز لك بأجمل ما عندها من أيام" الكرمة هنا تحمل صورة الأمل المستتر في قلب المشهد الرمادي. وهي غمزت له، أي أنها قدّمت إغواءً جمالياً، عرضاً لحياة أفضل، لكنها تبقى كامنة في الهامش، في حاجة لمن يرى خلف الغمز ما هو أعمق من الإشارة. ... المستوى الأسلوبي: ـ اللغة الشفافة والتكثيف الحلمي: القصيدة تميل إلى اقتصاد لغويّ، تحرص فيه الشاعرة على الشفافية والتكثيف الشعري. فهي لا تسرد، بل تومض. وفي هذا الأسلوب تقترب من الشعر الصوفي الحديث، حيث الكلمات تصبح ومضات، وإيحاءات، لا حقائق مكتملة. ـ الإيقاع الداخلي واللازمنية: على الرغم من غياب الوزن الكلاسيكي، تتسم القصيدة بإيقاع داخلي متأتٍ من تكرار صور مثل "أريد أن أهرب" و"الصمت"، بالإضافة إلى الأسلوب التساؤلي التأملي الذي يمنح النصّ نبرة حوارية مع الذات. "كم عمق المكان الآن؟" هذا السؤال المفاجئ في منتصف النص يشكّل انقطاعاً إدراكياً يؤسس لتحوّل شعوري في القصيدة، ويجعل المكان ذاته قابلاً للقياس العاطفي والنفسي، لا الجغرافي. .... البنية النفسية للقصيدة: القصيدة تشتغل على بناء مشهد داخلي لشخصية تشعر بالضيق من عالم سريع، مسرِف في الاستهلاك، مفتقد إلى السكينة. 

تتجلّى هنا مفردات دالّة مثل: -    الأشياء المعلبة.

-     "الساعات تمر.

-     أريد أن أهرب.

-     "الخطى المسرعة" هذه المفردات تمثل لغة الكائن المستنزَف الذي يهرب إلى داخل حلمه، بحثاً عن ذاته المتلاشية في الضجيج... خاتمة نقدية: "ستمر يوماً" قصيدة تقف في ملتقى الشعر، والفلسفة، والتحليل النفسي.

-    ووصف القصيدة  بأنها نصّ شعري مشبع بالتأمل الوجودي والحنين إلى الوحدة الصافية، وهي تتعامل مع مفاهيم العبور، الانتظار، الزمن، الاغتراب، والحلم بطريقة رمزية ناعمة، لا مباشرة. نجحت الشاعرة أمل صالح في تحويل مشهد بسيط إلى قصيدة شعرية تنطوي على عمقٍ وجودي ونفسي، تعبّر فيه الذات عن حاجتها للخلاص، للسكينة، وللتماهي مع العالم من جديد، لكن دون تنازل عن الحلم أو استسلام للوتيرة المستهلكة للعالم المعاصر.

نص القصيدة:

من هنا مكانٌ مسيج غريب وانت هناك تراقب طيورا تناشد الفضاء ستمر من هنا ذات لحظة غريبة كأنها خارجة عن الترقيم الزمني فقط لأنك هناك لا تلتقي الأشياء في رأسك بانسجام تتحرك في الاتجاه المعاكس.

وأنت تشاهد الساعات تمر مثل الأشياء المعلبة تستهلك بسرعة وأنت تطيل النظر في كرمة تغمز لك بأجمل ما عندها من أيام وظلها يترك الأشياء تبتسم نعم أيها العابرون الكرام الظل يبتسم ويمتد إلى آخر قطرة من الصبر على جبين المدينة الحلوة بقدر مرارتها كم عمق المكان الآن ؟ أبسط يدي لكي ألتقط أنفاسي منه أريد أن أهرب حين لا أرى سوى الخطى المسرعة حولي أريد أن أهرب إلى سكون حلمي لألتقي بذاتي المشرئبة إلى غزوات وانتصارات وهتافات من بين الصمت والصمت تحكى.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز