
«الجبهة الداخلية».. كلمة السر فى الفوز بالحرب

كتبت ابتهال مخلوف
تعكس الحرب التي فجرها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ضد إيران، بهدف تدمير قلب البرنامج النووى الإيرانى واغتيال كبار القادة العسكريين، واقعًا قد يغفل عنه البعض وهو أن لعبة الحروب وقودها الأخطر هو الحروب النفسية والدعاية المضادة، مستهدفة تدمير صمود المجتمعات والبشر للاستسلام والسقوط.
وتتعرض الجبهات الداخلية لدى الطرفين لحرب نفسية شرسة متنوعة الأدوات، فقد حرصت إسرائيل على التأكيد أن ضرب إيران واغتيال قيادات عسكرية لم يكن وليد اللحظة بل هى قمة جبل الجليد لعملية مخابراتية وجاسوسية عميقة، كشفت درجة اختراق شبكات الموساد والجواسيس للداخل الإيرانى.
ولم تنف إيران وجود جواسيس للموساد وعناصر تخريبية فى الداخل، آخرها، أفادت وكالة أنباء مهر الإيرانية شبه الرسمية بوقوع اشتباكات صباح الأربعاء بين قوات الأمن ومسلحين مجهولين فى مدينة الري، جنوب طهران، يعتزمون تنفيذ عمليات إرهابية فى مناطق مكتظة بالسكان فى العاصمة طهران، كما اعتقلت السلطات أجنبيًا لتصويره مناطق «حساسة» قرب محطة «بوشهر النووية» لصالح إسرائيل.
نسيج غير متجانس
ومن أبرز التفسيرات لحجم اختراق إيران هو درجة تماسك نسيج المجتمع، حيث تراهن إسرائيل وأمريكا على حقيقة أن المجتمع الإيرانى ليس نسيجًا واحدًا، لتركيبته المتنوعة المعقدة من مسلمين «شيعة وسنة» وهناك مذاهب عدة مثل البهائيين واليهود والمسيحيين والزرادشتيين وايضًا لتنوع أعراقه مابين فرس وعرب وأكراد وترك وقوميات أخرى مثل الآرايين والبلوش والأزاريين.
والأخطر أن هذه التركيبة العرقية ليست منصهرة جغرافيًا، فكل جماعة عرقية منهم تتكتل فى مناطق خاصة بها ، فالأكراد مثلا يسكنون أقاليم كردستان وكرمانشاه وايلام، والقسم الجنوبى لإقليم آذربيجان الغربية، ولهم جيوب فى خراسان، والعرب السنة ينتشرون فى الساحل الشرقى والجزر، ويتمركز الترك فى شمال شرق إيران على تخوم جمهورية تركمنستان، والبلوش بمحاذاة إقليم بلوشستان الباكستاني.
فى المقابل تنخر عوامل العنصرية والتمييز الطبقى المستفحلة فى الداخل الاسرائيلى، فى تنافض صارخ مع الشعارات التي يتغنى بها رجال السياسة أنه واحة للديمقراطية بالشرق الأوسط.
فمنذ قيام الكيان الصهيونى عام 1948، ويذور العنصرية ضد اليهود من أصول أفريقية أو غير أوروبية وأمريكية تعصف بتماسك المجتمع، الذي ينقسم بين اليهود الاشكيناز والسفارديم واليهود الفلاشا وعرب إسرائيل.
ولعل المشهد الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعى بعد الهجوم على إيران لشاب يهودى أبيض يمنع عمال من تايلاند من الدخول لمخبأ معهم هربًا من غارة لصواريخ إيرانية تجسيدًا صارخًا لهذه الحقيقة.
مذيعة فى ساحة المعركة
ومن أبرز وسائل الحرب الدعائية إخراس الأصوات الإعلامية، وتابع العالم على الهواء مشهد فرار مذيعة التلفزيون الحكومى الإيرانى سحر إمامى من الاستديو، جراء تعرض مبنى القناة لغارة إسرائيلية.
ولجأت آلة الدعاية المضادة فى طهران لتعليق صورة المذيعة وهى ترفع إصبعها فى تحدٍّ واضح، على لوحة إعلانية ضخمة على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية فى الساحات العامة بطهران، وتظهر «إمامي» على اللافتة مصحوبة ببيت من الشاعر الفارسي، يحتفى بشجاعة النساء «فى ساحة المعركة».
فرار من الصواريخ
وتركز وسائل الإعلام لإبراز حجم هروب المواطنين من الحرب، فقد دعا موقع ديلى ميل مواطنى إيران إلى إرسال تجاربهم فى الفرار أو الخروج من البلاد بسبب القصف الإسرائيلى.
فيما نقلت قناة «بى بى سى» الفارسية تعبير مواطنين إيرانيين عن الصدمة والارتباك ودعوتهم: «لا تدعوا طهران الجميلة تصبح غزة»، ونقلت عن مراسليها أن طهران تشهد طوابير طويلة فى محطات الوقود والمخابز، وطوابير طويلة من السيارات تحاول الفرار منها، لكن رغم ذلك تسيطر على المواطنين مشاعر متضاربة .
أما بالنسبة لدعوة نتنياهو للإيرانيين للثورة على قيادتهم الدينية، فقد نقلت القناة عن إيرانية قولها»لا نريد أن تنقذنا إسرائيل.. لم تهتم أى دولة أجنبية بإيران قط».
وأيضًا، ما كشفته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أنه يوجد موجة هروب لمئات الإسرائيليين والأجانب من الموانئ الإسرائيلية إلى قبرص، باستخدام يخوت خاصة يديرها مدنيون، فى محاولة لتجنب القصف الصاروخى الإيرانى المستمر.
ولجأ الإسرائيليون لمواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا «فيسبوك»، للبحث عن طرق لمغادرة البلاد بحرًا عبر موانئ هرتسيليا على ساحل البحر المتوسط، خاصة مع إغلاق المجال الجوى الإسرائيلى منذ بداية الحرب، ونقل عشرات الطائرات المدنية إلى الخارج سرًا.
ولا تقتصر عمليات المغادرة على هرتسيليا، إذ يُسجَّل نشاط مشابه فى مراسى حيفا شمال إسرائيل وعسقلان جنوبها، حيث ينظم أصحاب يخوت صغيرة رحلات تنقل ما بين 6 و10 أشخاص فى كل مرة، مقابل آلاف الدولارات.
تهديدات صارخة
ولزعزعة الأمان فى نفوس الإيرانيين هدد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مباشرة على خامنئى المرشد الأعلى الإيرانى «هدف سهل» ونشر ترامب على موقع «تروث سوشيال» أنه يعرف مكان اختباء خامنئي، لكنه لن يشن هجومًا «بعد»، ثم أضاف: «استسلام غير مشروط»! فى إشارة إلى أن سماوات طهران مفتوحة ومخترقة للولايات المتحدة واسرائيل.. وعلى الفور رد خامنئي، بسلسلة من التحذيرات المروعة بما فى ذلك صورة تُظهر كرات نارية تمطر مدينة قديمة بينما يقتحم رجل يحمل سيفًا البوابة.
مشهد قاذفات القنابل
صواريخ فتاح هى صواريخ باليستية فرط صوتية، سرعتها أكثر من 5 أضعاف سرعة الصوت ما يجعله أكثر قدرة على المناورة ويصعب كشفه وتتبعه لأنه يعمل بالوقود الصلب ، وتصل لمسافة 400 كيلومتر.
بينما يثير قلق الإيرانيين، تمركز الآن أربع قاذفات قنابل أمريكية من طراز بي-52 ستراتوفورتريس فى قاعدة دييجو غارسيا فى المحيط الهندي، على مسافة قريبة من إيران.
وتنضم هذه القاذفات إلى ست قاذفات شبح من طراز بي-2 حلقت فوق القاعدة مع تصاعد التوترات بشأن المحادثات النووية مع إيران فى أبريل.. وتبلغ المسافة بين القاعدة وإيران حوالى 3500 ميل، لكن الولايات المتحدة بدأت هذا الأسبوع بنقل المزيد من طائرات التزود بالوقود شرقًا، تحسبًا على ما يبدو لنشوب صراع محتمل.
والأهم من ذلك، ستتمكن القاذفات من إطلاق قنابل خارقة للتحصينات مثل القنبلة الخارقة للذخائر الضخمة (GBU-57)، القادرة على اختراق ما يصل إلى 200 قدم، مما يعرض المواقع النووية الإيرانية المتبقية للخطر.
عودة الإمبراطورية
تأجيج العناصر الداخلية والخارجية التي تتوق لعودة الإمبراطورية الإيرانية وتتعاطف مع أسرة شاه إيران محمد رضا بهلوى الذي أطاحت به الثورة الإسلامية فى 1979، فقد دعا رضا بهلوي، ولى عهد إيران السابق والنجل الأكبر لشاه إيران، الشعب الإيرانى إلى القيام بـ»انتفاضة شاملة» ضد النظام.
وقال بهلوي، فى مقطع فيديو نشره عبر منصة «إكس»: «الجمهورية الإسلامية انتهت وهى فى طريقها إلى السقوط».
ويرتبط رضا بهلوى بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، حيث أعرب عن دعمه للكيان الصهيونى وزار حائط المبكى وسط عدد من اليهود الإيرانيين.
دعاية سوداء
ويهز من صمود الطرفين الدعاية السوداء عبر انتشار قنابل دخان وتسريب شائعات فى وسائل التواصل الاجتماعى ومواقع مشبوهة، أبرزها فبركة خبر تعرض الرئيس الإيرانى الأسبق أحمدى نجاد وزوجته واثنين من أبنائه للاغتيال رميًا بالرصاص وسط العاصمة طهران على يد رجال مسلحين.. وتضاربت وسائل الإعلام العربية فى نسب الخبر المفبرك، ففى حين نسبتها فى البداية لمصادر إيرانية، عادت لتنسبها للتلفزيون الأذربيجاني، وهو ما نفاه مكتب نجاد والحكومة الإيرانية.
حرب القراصنة
وأعلنت مجموعة قراصنة مؤيدة لإسرائيل تطلق على نفسها اسم «العصفور المفترس» مسؤوليتها عن تعطل أجهزة الصراف الآلى الإيرانية، وتباهت المجموعة على تطبيقى X وTelegram بحذفها ملفات رئيسية من بنك سبه بعد أن أبلغ سكان محليون عن تعطل أجهزة الصراف الآلى الخاصة بهم يوم الثلاثاء الماضى.
وفيما، حذرت شركات الأغذية والتكنولوجيا الأمريكية من احتمال اختراق أنظمتها من قِبَل إيرانيين، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال.