
النساء وادوات الزينة في أفريقيا جنوب الصحراء"

أ.د إبراهيم محمد مرجونة
منذ دخول الإسلام إلى أفريقيا جنوب الصحراء في القرون الوسطى، وخاصة عبر الطرق التجارية العابرة للصحراء، بدأ تأثيره يظهر في مختلف مناحي الحياة، لا سيما في عادات الزينة لدى النساء. وقد احتفظت مجتمعات غرب أفريقيا، مثل الفولاني، الهوسا، السونغاي، والماندينغ، بعناصر تقليدية للزينة، مع إعادة تفسيرها ضمن القيم الإسلامية. تشير الروايات التاريخية، والسجلات الأوروبية، والحفريات الأثرية إلى وجود ثراء كبير في أدوات الزينة واستخدامها الاجتماعي والديني، فكانت الزينة لدى النساء جزء أصيل من العادات والتقاليد ولا يمكن الاستغناء عنه.
أما عن أدوات التجميل التقليدية ذات البعد الإسلامي فهناك:
1. الكحل (الآثمد) :الكحل مادة سوداء تُستخدم لتزيين العيون، وقد دخلت إلى غرب أفريقيا مع انتشار الإسلام والتأثر بالمشرق. في تمبكتو وغاو، كانت نساء النخبة يضعن الكحل المصنوع من الإثمد أو الفحم النباتي المحروق.
فقد وصف الرحالة ليون الأفريقي (الحسن الوزان) في القرن السادس عشر نساء تمبكتو بأنهن «يضعن الكحل بكثافة، في تقليد واضح لنساء المغرب والقاهرة».
وقد استُخدم الكحل أيضًا لاعتقادهم بفوائده الصحية، مثل مقاومة التهابات العين. ويظهر ذلك في ارتباطه بالحديث النبوي: "عليكم بالإثمد، فإنه يجلو البصر..." (أبو داود، 3878).
2. الحناء:استخدمت النساء الحناء في صبغ اليدين والقدمين والشعر، خاصة في حفلات الزواج والولادة والختان. كانت الحناء تُزرع محليًا أو تُستورد عبر القوافل من السودان الغربي.
ففي مملكة سونغاي، كانت العروس تُزين بالحناء لمدة 3 أيام قبل الزفاف، ويترافق ذلك مع أناشيد دينية وصوفية (Shinnie, 1968).
وفي الغالب الزخارف غالبًا ما تكون هندسية أو نباتية، وتعكس التصور الجمالي الإسلامي الممزوج بالروح الأفريقية.
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل كان هناك الحُلي والزينة المعدنية منها على سبيل المثال:
1. الذهب والفضة
كانت الحُلي المصنوعة من الذهب والفضة رمزًا للثروة والمكانة، خاصة في ممالك مالي وسونغاي، المعروفة بثروتها من الذهب.
وجدت بعثة تنقيب بريطانية في موقع جيني-جنو (Djenné-Djenno) خواتم وأقراطًا فضية يعود تاريخها إلى القرن 12م، مما يدل على وجود تقاليد حِرَفية رفيعة مرتبطة بالزينة (McIntosh, 1998).
كانت النساء يلبسن قلائد مزخرفة بآيات قرآنية أو زخارف طينية تشبه أشكال المساجد.
يفهم مما سبق عشق النساء للزينة والتنوع في استخدامها والحرص الشديد على أن تبدوا المرأة في أحسن صورة، وأيضا كان هناك
2. الخرز والعاج
استخدم خزر الزجاج المستورد من شمال أفريقيا، والعاج المحلي، في صناعة القلائد والأساور. في بعض المناطق، اعتُبر الخرز الأزرق رمزًا للحماية من العين الشريرة.
ففي دراسات ميدانية حول نساء قبائل الفولاني، ذُكر أن الفتاة تُعطى أول عقد من العاج عند بلوغها، دلالة على الأنوثة (Meek, 1931).
أما عن البُعد الديني والاجتماعي للزينة في أفريقيا جنوب الصحراء فإنه رغم التنوّع الثقافي، فإن الإسلام أدخل مبادئ جديدة لتنظيم الزينة، مثل: الخصوصية: كانت الزينة تقتصر غالبًا على المحيط الأسري أو المناسبات النسائية عند معظم النساء .
نية التزين للزوج: شُجعت المرأة على التزين لزوجها ضمن إطار الحياء الإسلامي، كما أُشير إليه في كتب الفقه المالكي المنتشرة في تمبكتو وجاو، ففي مخطوطات مكتبة أحمد بابا في تمبكتو، توجد فتاوى حول حدود الزينة المباحة، تتعلق بالحناء والطيب والكحل (Hunwick, 2003).
في الأخير تُظهر أدوات الزينة للنساء في أفريقيا جنوب الصحراء خلال العصر الإسلامي اندماجًا رائعًا بين العادات الأفريقية والإرشادات الإسلامية. كانت هذه الزينة أكثر من مجرد أدوات تجميل، بل أدوات تعبير عن الهوية، والمكانة، والانتماء الديني. كما أن التقاليد المرتبطة بالزينة كانت غنية بالمعاني الرمزية والاجتماعية، مما يجعلها مجالًا خصبًا للدراسة الأنتروبولوجية والتاريخية.
