
د. إيناس عبد الهادي أحمد تكتب: الجيوسياحة.. طريق واعد لتعزيز الاقتصاد القومي المصري

في ظل التحديات الاقتصادية والسعي العالمي نحو نماذج سياحية مستدامة، تبرز الجيوسياحة كحل استراتيجي مبتكر مستدام ليس لتعزيز الاقتصاد فحسب، بل لترسيخ الهوية الثقافية والطبيعه الفريدة لمصر، بتراثها المادي وغير المادي المتنوِّع، فتراث مصر قادر على تحويلها إلى وجهة عالمية شاملة، تجذب السائحين من كل الأنماط، بدءًا من عشاق التاريخ وحتى مُحبّي المغامرات الصحراوية والتنوع الحيوي والثقافى والفلك والطعام المحلي.
تمتلك مصر 30 محمية طبيعية ثروة غير مستغلة بالكامل لتعكس تراثها الفريد من التراث المادي وغير المادي ومواقع جيولوجية فريدة مثل واحة سيوة والفرافره والداخلة والخارجة ورأس محمد ووادي الريان ووادي الحيتان ومحمية الأحراش وجبل علبة ونيزك جبل كامل والصحراء البيضاء وسانت كاترين وجبال البحر الأحمر ومحمية نبق وأبو جالوم وطابا والجلف الكبير وكهف سنور وكهف الصيادين وجبل الدموع وجبل الكريستال والبحيرة المسحورة والشواطئ على البحرين الأحمر والمتوسط والبحيرات والجزر، بالإضافة إلى التراث الثقافي من الرقصات الشعبية (كالبمبوطية السويسية والتحطيب ورقصة الفروسية والدان والزير والتهليلية)، والحرف اليدوية (مثل السجاد البدوي والسعفيات)، والمهرجانات التراثية (كمهرجان سيناء ومهرجان التمور بسيوة) وغيرها الكثير والكثير.
فدور الجيوسياحة هو دمج هذه العناصر في حزمة سياحية متكاملة، تخرج من مصر من السياحة التقليدية (الآثار والشواطئ) إلى فضاءات أوسع من السياحة غير التقليدية والتي تشمل سياحة المغامرات كرحلات السفاري وتسلق الجبال واستكشاف الكهوف وسياحة الفلك لرصد النجوم في الصحراء وسياحة الطبيعة من مشاهدة ومراقبة التنوع الحيوي من نبات وحيوان، كما في جبل علبة بحلايب وشلاتين او التنوع الحيوي في بحار وبحيرات وجزر مصر ومراقبة الطيور المهاجرة، حيث تمثل مصر طريق رئيسي لطرق الهجرة من أوروبا لأفريقيا والعكس لنصل إلى سياحة الثقافة لنتعرف على العادات والتقاليد للمجتمعات المحليه بجانب تذوق المأكولات المحلية، والمشاركة في المهرجانات الشعبية.
لا تقتصر فوائد الجيوسياحة على الجانب الاقتصادي فحسب فهي قلب الرؤية للتنمية المستدامة، حيث تعتمد على الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي من الاندثار وتمتد إلى تمكين المجتمعات المحلية، خاصة المرأة، عبر إشراكها في الحرف اليدوية والأنشطة السياحية ومكافحة الفقر، حيث ستخلق الجيوسياحة أسواقا جديدة وأنشطة سياحية لا حصر لها ستجذب سياحا جُددا، مما يزيد من متوسط إنفاق السائح ويُعزز التنوع في مصادر الدخل مما سيخلق فرص عمل في تلك المناطق النائية وستصبح مناطق جذب وليس طرد.
ورغم كل تلك الفرص المتاحه فإن تحقيق الحلم يواجه بعض التحديات التي تم التغلب على بعضها حيث إننى اؤمن بان رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة فمن خلال مبادرتى الفرديه " جيوسياحه للجميع " بدء التوعيه من خلال محاضرات وورش عامه تطوعيه بان الجيوسياحة ليست خيارًا فحسب، بل ضرورة لمصر في ظل المنافسة العالمية. فهي تمثل جسرًا بين الماضي والمستقبل، بين الاقتصاد والهوية، بين السياح والمجتمعات المحلية.
والاستثمار فيها اليوم يعني ضمانًا لمستقبل أكثر تنوعًا واستدامة للأجيال القادمة، وقد تم تغطيه الحاجة إلى تدريب الكوادر المحلية على مفاهيم السياحة المستدامة من خلال تدريب كوادرمن المرشدين السياحين بجانب تقيم المواقع وتحديد الانشطه السياحيه المستدامه المناسبه لكل موقع ووضع البرامج السياحية المناسبة للأطفال والشباب وكبار السن مع مراعاة الخلفيات الثقافيه من خلال نفس المبادرة لتغطية عدم وجود خطط تسويقية مُبتكرة للترويج لهذه الأنماط السياحية.
لكن الطموح الأكبر هو إنشاء "منتجعات بيئية مستدامة"، ومسارات سياحية ذكية، تعتمد على التكنولوجيا لربط مواقع التراث المادى والغير مادى ، مع ضمان مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدني.
"مصر ليست أهرامات ومعابد فقط.. بل هي صحاري ذهبية وشبه جزيره تربط قارتين ونيل يجرى بين ضفتيها وبحران زاخران، وتراث مادي وغير مادي حي ينبض بالقصص".