
د. هويدا عزت تكتب: القيم في القيادة.. مفتاح نجاح المؤسسات واستدامتها

هل تساءلت يومًا عن السر وراء نجاح بعض المؤسسات واستمرارها في التفوق؟ الإجابة تكمن في القيم التي تتبناها وتجسدها في كل جانب من جوانب عملها.
فالقيم، كما تعرفها أدبيات الإدارة، هي مجموعة المبادئ والمُعتقدات التي توجه سلوك الأفراد وتحدد طريقة اتخاذ القرارات والتفاعل مع الآخرين، إنها بمثابة المعايير الأخلاقية التي تؤثر في تصرفاتنا وتوجه بوصلة العمل نحو تحقيق الأهداف بطريقة تتفق مع الأخلاق والإنسانية.
تخيل مؤسسة تتبنى قيمًا مثل الشفافية والنزاهة. كيف سيكون تأثير ذلك على علاقتها بالعملاء والموظفين؟ وكيف سينعكس ذلك على جودة منتجاتها وخدماتها؟
تُعتبر القيم أحد العوامل الأساسية التي تلعب دورًا محوريًا في تشكيل هوية المنظمة وضمان استمراريتها، فهي ليست مجرد شعارات تُروج لها المنظمات، بل هي القوة المحركة التي تؤثر في جميع جوانب العمل، من التخطيط إلى التنفيذ اليومي؛ فالقيم التي تتبناها المنظمات تشكل حجر الزاوية لبناء ثقافة تنظيمية قوية، توجه الاهتمام نحو الأولويات، وتُساهم في توجيه الجهود لتحقيق الأهداف بطريقة تتماشى مع المعايير الأخلاقية والإنسانية، مما يعزز الاستدامة والنجاح في عالم الأعمال.
تشير الأبحاث في مجال الإدارة إلى أن هناك ارتباطًا قويًا بين القيم وأداء المنظمات؛ فالمنظمات التي تعزز ثقافة تنظيمية قائمة على قيم استراتيجية كالابتكار والاستدامة، إلى جانب الشفافية والمسؤولية الاجتماعية، تحقق نجاحات ملحوظة على المدى البعيد.
تُعد القيم ركيزة أساسية لتوجيه المنظمات في مواجهة التحديات والتكيف مع المتغيرات؛ فهي تُساهم في تعزيز قدرة المنظمة على اتخاذ قرارات استراتيجية مستنيرة تُمكنها من التكيف مع التغيرات البيئية والاقتصادية، وهذا بدوره يضمن استدامتها ونموها في ظل الظروف المتقلبة.
في هذا السياق، أكدت دراسة حديثة أجرتها جامعة هارفارد عام 2020، أن المؤسسات التي تتبنى قيمًا أساسية مثل الابتكار والمسؤولية الاجتماعية قد حققت زيادة ملحوظة بنسبة 20% في أدائها المؤسسي خلال خمس سنوات، هذا يسلط الضوء على الدور المحوري للقيم في تعزيز نتائج الأعمال وتحسين الكفاءة التنظيمية.
وبالتوازي مع تأثير القيم في بيئة العمل، تُعد القيادة التي تعتمد على قيم واضحة عاملًا رئيسيًا في تحقيق التناغم والتنظيم داخل المؤسسات؛ القائد الذي يجسد قيمًا مثل الأمانة، الصدق، والعدالة، يظهر قدرة استثنائية على التأثير الإيجابي في فرق العمل، مما يجعله موضع احترام وثقة من فريقه، هذه القيم تُساهم في خلق بيئة عمل تشيع فيها التعاون والثقة، حيث يشعر الموظفون بالمسؤولية تجاه عملهم، مما يعزز قدرتهم على تقديم أفضل أداء.
في هذا الإطار، أظهرت الدراسات العلمية أن القيادة الواعية، التي تستند إلى رؤية واضحة وقيم ثابتة مثل الشفافية، والنزاهة، والمساواة، والاحترام، تلعب دورًا كبيرًا في خلق بيئة عمل مثالية؛ فهذه القيم تعزز السلوكيات الإيجابية لدى الموظفين، مما يُحفزهم على النمو الشخصي والتطور المهني، هذا التحفيز ينعكس بدوره في زيادة انتمائهم وولائهم للمؤسسة، مما يُسهم في تحسين إنتاجية العمل وأداء المنظمة بشكل عام.
وتدعم هذه الفكرة دراسة نُشرت في مجلةJournal of Business Ethics، والتي أظهرت أن القيم الأخلاقية في القيادة تُساهم في زيادة رضا الموظفين بنسبة تصل إلى 30%، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على تحسين نتائج الأعمال وأداء المؤسسة.
ومن هنا، يمكن القول إنه لا يمكن لأي مؤسسة أن تحقق نجاحًا طويل الأمد دون أن تضع القيم في قلب استراتيجياتها؛ فالقيم تُعد الأساس الذي يبنى عليه هيكل العمل داخل المؤسسة، حيث تؤثر بشكل كبير في اتخاذ القرارات، توجيه الموظفين، وبناء ثقافة العمل.
وعندما تكون هذه القيم مدعومة بأساس قوي ومتماسك، فإنها تُسهم في خلق بيئة عمل صحية ومُستدامة، وهذا يُساهم بشكل مباشر في ضمان النجاح المؤسسي على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، فإن القيم القوية تُمكن المنظمات من التكيف مع التحديات المتغيرة، وبالتالي تحقيق أهدافها بفعالية وكفاءة، كما تُمكنها أيضًا من مُواكبة التغيرات الاقتصادية والتنافسية في بيئة العمل.
لنرسخ القيم في حياتنا، ولنجعلها منهج حياة لا يقتصر فقط على بيئات أعمالنا، بل في جميع مناحي حياتنا؛ فحينما تكون القيم أساسًا لكل قرار وخُطوة نخطوها، تصبح القوة الدافعة التي تساهم في ارتقاء أنفسنا ومجتمعاتنا إلى أعلى مستويات النجاح والازدهار. إنها دعوة لبناء حياة ترتكز على النزاهة والتأثير الإيجابي، مما ينعكس بشكل مباشر على جودة حياتنا، وعلاقاتنا، وبيئاتنا المحيطة.
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة