
محمد دياب يكتب: اختلال الأولويات في رمضان

مع حلول شهر رمضان تتجه أنظار المشاهدين نحو الشاشات التي تتنافس على تقديم محتوى متنوع ما بين الدراما والبرامج الترفيهية في حين تتصاعد حملات الإعلانات التي تستنجد بكرم الجمهور لدعم المستشفيات ورعاية المحتاجين وفي هذا التناقض الصارخ يبدو أن الأولويات قد اختلطت بين ما هو ضروري وما هو استعراضي.
لا جدال في أن الترفيه جزء أساسي من الصناعة الإعلامية لكن عندما نجد برامج تُنفق عليها ميزانيات خيالية مثل برامج المقالب التي أصبحت ساحة لاستعراض التكاليف الباهظة يبدأ التساؤل: كيف يمكن أن يتجاور الفقر المدقع مع هذا الإنفاق الضخم؟ تكلفة إنتاج بعض هذه البرامج تتجاوز مئات الملايين من الجنيهات في الوقت الذي تكافح فيه المستشفيات الخيرية من أجل توفير أبسط الإمكانيات لإنقاذ المرضى.
فهل من المنطقي أن تُصرف هذه الأموال الطائلة على مشاهد إثارة الذعر المفتعل بين المشاهير بينما هناك من يتألمون بشده تحت وطأة الحاجة؟
لم يقتصر البذخ الإعلامي على البرامج الترفيهية فقط بل امتد إلى سيلٍ من إعلانات الكومباندات الفاخرة التي تعد سكانها بحياة مترفة داخل أسوار مغلقة حيث الفيلات الواسعة وحمامات السباحة والرفاهية المطلقة وكأنها عالم منفصل عن واقع الملايين الذين يعانون لتأمين احتياجاتهم الأساسية. والمفارقة أن هذه الإعلانات تُعرض في الفواصل ذاتها التي تستجدي المشاهدين بالتبرع لإنقاذ مريض أو إطعام فقير. فكيف يتجاور هذا البذخ الاستفزازي مع هذا البؤس المدقع على نفس الشاشة؟ وأي رسالة تُوجه للمجتمع حين يُدفع بالملايين للترويج لحياة النخبة بينما يُترك الفقراء ليعتمدوا على إحسان الآخرين؟
المفارقة أن الإعلام نفسه يخلق هذه الفجوة بين البذخ والمعاناة. في إعلان واحد يظهر طفل يعاني من مرض خطير بحاجة إلى علاج مُكلف ثم في الفقرة التالية نشاهد برنامجاً يُنفق فيه الملايين على خدع وإعدادات لا هدف منها سوى إضحاك الجمهور على ردود فعل الضيوف. وهنا نجد أن المشاهد نفسه الذي يُطلب منه التبرع لإنقاذ طفل هو ذاته الذي يمنح هذه البرامج نسب مشاهدة مرتفعة تُبرر استمرار هذا الإسراف.
القضية لا تكمن في رفض الترفيه بل في إعادة ترتيب الأولويات. لا أحد يطالب بوقف الإنتاج الإعلامي لكن هل يمكن توجيه هذه الميزانيات الضخمة نحو مشروعات أكثر نفعاً؟ هل يمكن تقديم محتوى هادف يجمع بين التسلية والفائدة؟
في النهاية يبقى السؤال الأهم: كيف تحوّل رمضان من شهر الرحمة والتكافل إلى موسم للاستعراض والبذخ الإعلامي؟ كيف يُطلب من الفقراء التبرع بينما تُهدر الملايين على برامج تافهة لا تقدم أي قيمة؟
رمضان ليس مجرد موسم للإعلانات والمحتوى الترفيهي المبالغ فيه بل هو فرصة لمراجعة كيفية استخدام مواردنا بطريقة أكثر عدالة وإنسانية. وبين مشاهد الفقر القاسية على أرض الواقع واستعراض الرفاهية المفرطة على الشاشات يظل السؤال الأهم: إلى متى سيستمر هذا التناقض الصارخ؟