
فن الدبلوماسية ..
إتيكيت فن إدارة الحديث وفن المجاملة ولغة الجسد
يُعَدُّ كُلٌّ من إتيكيت إدارة الحديث والتَّعامل مع الآخرين ولُغة الجسد صفات متلاصقة مع بعضهما البعض، وهما من أهمِّ مُكوِّنات كاريزما الشَّخص القيادي على المستوى الرَّسمي أو الاجتماعي؛ لأنَّهم يعكسون شخصيَّة وثقافة وتربية وكاريزما الشَّخص. فالحديث من أهمِّ ميزاته هو لُغة الجسد الَّتي سوف توصل الفكرة إلى المستقبِل أو المُرسِل إِلَيْه، وأنَّ التَّعامل مع الآخرين يُعَدُّ مرآة واضحة وناصعة لنَا جميعًا بعيدًا عن التَّعنُّت بالمنصب أو كرسي الوظيفة.
تعتمد لُغة الجسد على مفاهيم كيفيَّة التَّعامل مع الآخرين وفنِّ إدارة الحديث وهي باختصار:
ـ عِلم المعنى والنَّحْوِ: كُلُّ حديث يحتاج إلى مقدِّمة وبداية ونهاية، مستندًا إلى عِلم المعنى وفيه انتقالات واضحة في لُغة الجسد استنادًا إلى أنماط الشَّخصيَّة؛ لأنَّ الانتقال من نقطة إلى أخرى مطلوب لغرض التَّشويق والاسترسال بالأفكار حتَّى يتابعك الطَّرف الثَّاني ولا ينصرف عَنْك من خلال عَيْنَيْه وهذا يعتمد اعتمادًا كُليًّا على الحدَث والمناسبة والوقت والمكان.
ـ فنُّ الكلمة: يتميَّز المُحدِّثون المَهرَة بأنَّهم على درجة عالية من الوعي بالكلمات المهنيَّة ولُغة الجسد الَّتي يستخدمونها ومدَى تأثيرها على المتلقِّي، وبالتَّالي يُحدِّد كيفيَّة التَّعامل مع الآخرين وكيفيَّة ونَوعيَّة المجاملة ومصداقيَّة الكلمة والحديث، فَهُم يتحدثون بقوَّة الكلمة وانفعالات الفكرة تجسِّدها معالم الوَجْه وحركة اليدَيْنِ، وهذا ما نلاحظه في سباق الانتخابات الرِّئاسيَّة في مختلف دوَل العالَم، ولذلك فنحن نصف دائمًا الشَّخص الَّذي يتمتع بهذه الميزات بأنَّه (دبلوماسي) أي أنَّه لدَيْه قوَّة وعِلم الكلمة المؤثِّرة ولُغة الجسد، حتَّى وإن كان إنسانًا بسيطًا.
ـ تسلسل وتنظيم الأفكار: على القيادي المتميِّز، سواء على مستوى ومنصب المدير أو من أعلى ذلك عدم القفز في الأفكار من موضوع لآخر، وكذلك عدم الانفعال غير المحسوب، بل يَجِبُ أن يكُونَ الحديث متسلسلًا بكلمات راقية ورقيقة التَّعبير وبلباقة اللِّسان ولُغة الجسد المتواضعة البسيطة الَّتي تعكس رُقيَّ ومثاليَّة المتكلم الَّتي تجلبُ المستمع إِلَيْه ويكُونُ فنَّانًا في كيفيَّة التَّعامل مع جميع شرائح المُجتمع. ـ لُغة الجسد ومهاراتها: استخدام لُغة الجسد وهي إحدى نظريَّات ثلاثيَّة الشَّخصيَّة (المعنى، الكلمة، الصوت) بالإضافة إلى الاعتماد على أنماط الشَّخصيَّة، وهي تساعدنا على الوصول إلى غايتنا بحُسن استخدامها والتَّحكُّم فيها وعدم المبالغة في استخدام اليدَيْنِ وفتحِ العَيْنَيْنِ أو حركة الرموش؛ لكَيْ يصلَ المقصود من الكلمة إلى آذان المستمع بكُلِّ مُقوِّمات النَّجاح وهي لباقة اللِّسان والكلمة والحديث الشيِّق البسط والواضح؛ لكَيْ يبقَى المستمع منجذبًا لجَماليَّة الحديث. المدارس والمعاهد الدبلوماسيَّة البريطانيَّة تركِّز بصورة خاصَّة على الاهتمام كثيرًا بفنِّ الحديث ولُغة الجسد؛ لأنَّها هي الطَّريقة الأمثل لإيصال الرَّسائل الإيجابيَّة أو السَّلبيَّة بِدُونِ التَّفوُّه ولو بحرفٍ؛ وهذه هي من أهمِّ سِمات الشَّخصيَّة المثاليَّة العصريَّة المُتحضِّرة والخروج من البوتقة المتحجِّرة الَّتي أثَّرتْ على منهجيَّة التَّعامل مع الآخرين، وهنا تؤدِّي بيولوجيَّة المخ والأوامر الصَّادرة مِنْه باختيار الأنسَب للتَّعامل الأمثل مع الحالة الَّتي تصدفنا لتندمجَ كُلُّ هذه المفردات مع بعضها البعض لِتشكِّلَ لنَا رسالة يَجِبُ إيصالها إلى المتلقِّي، وهنا تكمن حرفيَّة وكفاءة الدبلوماسي بالتَّواصُل مع الجميع بمهارة إدارة الحديث وفنِّ المجاملة وكيفيَّة التَّعامل مع الآخرين.
فنَّ المجاملة وهو ما تركِّز عَلَيْه المدارس الدبلوماسيَّة مصحوبًا بلُغة الجسد والَّذي يُعَدُّ الحجر الجوهري بالإتيكيت الاجتماعي والحكومي أيضًا؛ لتهيئة الأرضيَّة المناسبة لتحقيقِ كفاءة عالية في مجال العمل اليومي من خلال مهارة التَّخطيط والتَّنفيذ والمتابعة بأدوات وسِمات القيادة الرَّشيقة، وبعيدًا عن التَّباهي والتَّكبُّر والإسراف، فنحن عِندَما نتكلم مع عُلماء ورِجال الدِّين يختلف اختلافًا كُليًّا أُسلوب المجاملة وإدارة الحديث مع أصدقائنا أو أقاربنا أو حتَّى مع شرائح المُجتمع الأخرى، سواء الأكاديميون أو الباحثون عن عمل، كما توضِّح المدارس المُتخصِّصة بفنِّ الدبلوماسيَّة بأنَّ المهارة في استخدام نبرة الصَّوت ولُغة الجسد والكاريزما هي من أهمِّ مُقوِّمات فنِّ المجاملة، وهي تختلف اختلافًا جوهريًّا بَيْنَ العنصر النّسوي وكذلك الرِّجالي، سواء كبار الشَّخصيَّات من الوفود الرَّسميَّة أو الاجتماعيَّة أو الضُّيوف الحاضرة من مختلف المناصب والوظائف في المناسبات والفعاليَّات ذات طابع وطني.
وفي الختام، قال تعالى:(وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ? إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (الإسراء ـ 37) وهي درس ربَّاني بلُغة الجسد، يحثُّنا فيه سبحانه وتعالى على التَّواضُع في المشي، وفي كُلِّ مفردات الأخلاق والحياة اليوميَّة، لذلك عَلَيْنا الالتزام بالمشي البطيء، والوقوف باستقامة مع قلَّة حركة اليدَيْنِ وعدم الانفعال، والسَّيطرة على انفعالات عضلات الوَجْه والعَيْنَيْنِ والرُّموش لغرض الظُّهور بمظهرٍ يَليقُ بثقافتنا وتربيَّتنا الإسلاميَّة الرَّاقية الَّتي ندعو للالتزام بها.
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي
للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت