
مهندس حسام محرم يكتب: الأطروحات الدولية لمستقبل غزة.. وانتهاك روح القانون الدولي الحديث

تسبب العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة ردا على عملية طوفان الأقصي في إعادة تحريك الجدل حول مستقبل ومصير القطاع خلال الفترة المقبلة، حيث إن بعض الرؤى الدولية المطروحة حاليا بشأن مصير القطاع تنطوي على مكونات تتعارض تماما مع القواعد التي غلبت على ممارسات المجتمع الدولي بعد انتهاء الجزء الأكبر من الحقبة الاستعمارية بشكلها التقليدي واتجاه النزعة الاستعمارية إلى صياغات جديدة للسيطرة على المستعمرات القديمة بأساليب تحترم القانون الدولي في ظاهرها، وتنتهك روحه في باطنها، وهو الحد الأدني الذي لم تراعه الأفكار المثارة بشأن مستقبل قطاع غزة، رغم أنه مرفوض في كل الأحوال.
لقد أصبح تأسيس وتمدد الدول في العصر الحديث بشكل متزايد يخضع لقواعد القانون الدولي والأعراف التي توافق عليها المجتمع الدولي الحديث، وتراجع دور القوة المسلحة والحروب والفعل القسري كوسائل لتمدد الدول والاستيلاء على أراض جديدة بالمخالفة للقانون الدولي، على نحو ماكان سائدا قبل نشأة القانون الدولي، علي الرغم من بعض الانتهاكات لهذه القواعد والتي لم يتبق منها الآن إلا حالات محدودة أبرزها الكيان الصهيوني الذي يعد وجوده وتمدده وطموحاته في التوسع بالقوة والاستيطان غير الشرعي بمثابة أكبر تحد للقواعد الحاكمة والتي تحفظ سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
ويعد فتح المجال أمام الدول لاقتطاع أراضٕ تقع تحت سيادة دول أخرى بالقوة المسلحة أو بأي وسيلة جبرية أخرى يعد من قبيل الانتهاك الصارخ للقانون الدولي وتغليب لشريعة الغاب التي يفترض أنها تتراجع تدريجيا في محور إنشاء وتوسع الدولة الحديثة.
ولا شك أن الكيان الصهيوني منذ نشأته يتمتع بوضع استثنائي ورعاية غير محدودة من بعض القوى الدولية بداية من قرار عصبة الأمم بتأسيس الكيان على أراضٕ فلسطينية دون سند قانوني حقيقي، وفرض الأمر الواقع بإنشاء المستوطنات واحتلال الأراضي واستغلال كل فرصة لحدوث أزمات سياسية أو عسكرية أو أمنية أو حتى ثورية للتمدد والاستيلاء على أراضٕ عربية جديدة في محيط الكيان الصهيوني، كما حدث مؤخرا بعد هروب بشار الأسد.
ويرى الكيان الصهيوني وداعموه أن الظرف الحالي مهيأ لجني مكاسب أخرى على صعيد بسط السيادة على أراضٕ عربية وتنفيذ مخطط الترحيل والإخلاء القسري للسكان العرب بالقوة الغاشمة والضغوط السياسية والصفقات مع من يمكن إجباره على قبولها في ظل التمزق الصف العربي المؤسف الحادث منذ عقود طويلة، وإن كان هذا لا يمنع من وجود مقاومة رسمية وشعبية لهذا المخطط رغم ماقام به الجيش الصهيوني من تدمير هائل في قطاع غزة خلال فترة خلال الحرب الأخيرة، ولكن البسالة التي أبداها أهالي غزة في مواجهة مجزرة العدوان الصهيوني أدت إلى تعطيل تنفيذ مخطط التهجير خاصة في ظل الرفض المصري المعلن لتهجير سكان غزة الى سيناء والذي قد يصب في خانة تصفية القضية الفلسطينية إلي غير رجعة ومن بعدها الضفة الغربية لتكون نهاية القضية إلي أجل غير مسمى.
وقد أدى الصمود الغزاوي والرفض المصري المستميت الي إفشال مخطط الإخلاء القسري للقطاع، وهو ما دعا داعمي الكيان الصهيوني إلى محاولة تسويق بدائل أخرى لتفريغ قطاع غزة من السكان آملين أن يؤدي استمرار الضغط وتدمير الموارد والبيئة الأساسية والمناطق السكنية إلى دفع سكان غزة تدريجيا إلى التجاوب مع مخطط التهجير القسري التدريجي تحت الضغوط المعيشية والصحية والإنسانية مراهنين على نفاد صبر وصمود الغزاويين تدريجيا مع إطالة أمد المحنة، وهو ما يفرض على العالم العربي القوة الداعمة للفلسطينيين في العالم العربي والإسلامي وفي العالم كله إلى ضرورة دعم القضية بحزمة من الأساليب السياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية والجماهيرية حتى لا يترك قطاع غزة والضفة الغربية وحيدة أمام البطش والقوة الغاشمة للكيان الصهيوني وينبغي تحريك دعاوى قضائية دولية شعبية ورسمية في العالم كله ضد الكيان الصهيوني وأيضا ضد الشخصيات الفاعلة في حملة العدوان الصهيوني الراهن على غزة بصفاتهم الشخصية كمجرمي حرب.
وأنصح الولايات المتحدة الأمريكية إلى عدم دعم أو تشجيع الكيان الصهيوني في عملية التمدد والاستيلاء على أراضٕ عربية جديدة لخطورة ذلك على استقرار المنطقة ومن ثم على الأمن والسلم الدوليين، وهو ما سيضر ضمنيا مصالح الولايات المتحدة ويدمر صورتها الذهنية لدي شعوب العالم التي تزايد دعمها للقضية الفلسطينية بشكل دراماتيكي خلال معركة طوفان الأقصى في مقابل انهيار كثير من الأساطير الصهيونية التي ترسخت خلال عقود طويلة بغسيل الأمخاخ، وبالتالي فإن الدعم الأمريكي للتوسع الصهيوني سيضر أمريكا أكثر من غيرها حاليا ومستقبلا.
وسيظل مصير القطاع معلقا بصراع الإرادات وفي مقدمتها إرادة الطرف الفلسطيني في غزة والمتعاطفين معهم وهم كثر، وكذلك تفاعل رؤى ومصالح الأطراف الدولية والإقليمية والفلسطينية المؤثرة علي مجريات الأمور. وهنا يكمن التساؤل.. هل تنتهي هذه التفاعلات بخطوة نحو تعزيز الإرادة الفلسطينية لتحقيق الحلم المشروع والأكيد لتحرير الأراضي المحتلة، أم تكون إنتكاسة جديدة في مسار طويل بدءا بنكبة ١٩٤٨ ولا يزال مستمرا حتى الآن بسبب التمزق العربي وتغليب المصالح الضيقة وضيق الأفق والنفس، وهي العناصر التي يجيد الطرف الصهيوني وداعموه اللعب عليها لكسب مزيد من النقاط في هذا الصراع الطويل الذي حتما سينتهي يوما ما لصالح الشعب الفلسطيني صاحب الحق المشروع في السيادة على أرضه وحقه في وطن يستوعب كل الديانات السماوية الثلاث دون العنصرية التي يتسم بها المشروع الصهيوني.
مستشار حكومي سابق ونقابي وسياسي مصري