عاجل
الجمعة 5 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي

التجار العمانيون والتجارة الأفريقية القديمة

أرشيفية
أرشيفية

يمكن القولُ بأن تلك الرياح الموسمية هي التي شكلت بدورها ما يُمكن أن يكون سراً من الأسرار الكُبرى التي احتفظ بها البحارة والتجار العرب خاصة العمانيين أكثر من غيرهم من البحارة والتجار الآخرين في بلاد جنوب شرق آسيا، وهو ما جعل التجار العرب (العُمانيين) قادرين على السيطرة على العديد المراكز التجارة الكبرى عبر سواحل بحر الهند لاسيما الأسواق في بلاد الزنج  وبلاد الهند والصين من جانبٍ آخر، وهو ما يُعرف بـالوساطة التجـارية التي كان العمانيون العرب لهم المهارة فيها بين الأسواق الأفريقية والآسيوية .



  من جانب آخر، يقال إن الرحلة البحرية التي تقطعها السفن والمراكب التجارية فيما بين كل من سواحل الصين وأرض عُمان على سبيل المثال ذهاباً وإياباً كانت تستغرق قرابة العام . وثمة إشارةٌ مهمة إلى أن "التجارة البحرية"، وانتظامها بين الساحل الآسيوي وشرق أفريقيا شهدت حالة من الازدهار مع بدايات القرن 4هـ/10م، وهو ما يبدو بشكل واضح من خلال رواية المسعودي. 

تجدرُ الإشارة إلى أن النشاط التجاري للدولة الإسلامية انتقل خلال حقبة القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي من الشرق إلى سواحل البحر الأحمر . ولعب التجار العُمانيون، أو عرب البحرين بحسب بعض المصادر، أكثر من غيرهم من التجار العرب، الـدور الأهم في ازدهار حركة التجارة ورواجها بين شرق أفريقيا والأسواق الآسيوية، وهذا ما يبدو جلياً من خلال المصادر العصر الوسيط، فـالمسعودي يذكر أنه كان قد أبحر أكثر من مرة مع السفن التجارية التي يقودها البحارة العُمانيون، وأنه أبحر إلى شرق أفريقيا وجنوب شرق آسيا . 

من الراجح أنه ذهب إلى سواحل الصين أيضاً، وهو ما يبدو من كثرة حديثه عن أرض الصين، وتاريخهـا، وأخبار حكامهـا: "وقد ركبتُ عدة من البحار كبحر الصين، والروم، والخزر، والقلزم (البحر الأحمر)، واليمن (خليج عدن)، وأصابنـي فيها من الأهوال ما لاأُحصيه كثرة، فلم أُشاهد أهوال من بحر الـزنج.." . 

من المعتقد أن المسعودي كان قد مكث مع التُجار العُمانيين قرابة ثلاث سنوات عند ساحل شرق أفريقيا في إحدى المرات . على هذا فمن المؤكد أن التجار العُمانيين كانوا يعرفون الأخطار والتحديات التي كانت تُحيط بهم خلال أسفارهم الطويلة في عُباب بحر الهند وأمواجه الهائجة. وتُعد رواية السيرافي عن التاجر سليمان من بين المصادر النفيسة حول الدور العربي (العُماني) في نمو وازدهار التجارة البحرية عبر سواحل بحر الهند. 

  تلك روايةٌ تؤكد في ذات الـوقت قِدم العلاقات التجارية بين التجار العرب، وسكان شرق أفريقيا، وكان السيرافي معاصراً لأيام المسعودي . ولعل من أطرف ما أورده السيرافي في روايته عن المهاجرين العرب في هذه البلاد، أنه كان للعرب هيبةٌ في قلوب سكان شرق أفريقيا، حتى يقال إنهم إذا رأوا العربي كانوا يسجدون له، وكانوا يقولون إنه قدم من مملكة ينبت بها شجر التمر (ويقصد بها بالطبع بلاد شبه جزيرة العرب)، وكان للتمر جلال في قلوبهم . 

ويحدثنا المسعودي، من جانب آخر، عن أسماء بعض البحارة خلال آخر رحلة  قام بها  في بحر الهند في سنة 304هـ/916م، وكانت هذه الرحلة قد بدأت من سواحل عُمان، وكان الهدف منها الوصول إلى جزيرة يقال لها قنبلو (مدغشقر ؟) عند ساحل شرق أفريقيا (بلاد الزنج) . على هذا، تعتبر رواية المسعودي عن هذه الرحلة البحرية التي قام بها على قدرٍ كبير من الأهمية لكل من جاء بعده من المؤرخين وكذلك الجغرافيين. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز