"نيويورك تايمز": في ذكرى طوفان الأقصى.. غزة تتحول بعد عام لمقبرة للموت الجماعي
وكالات
أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، اليوم الاثنين، أن قطاع غزة تحول بعد مرور عام على أحداث السابع من أكتوبر، إلى ما أشبه بمقبرة موت جماعي لسكانه، الذين تقطعت بهم السبل للهروب من جحيم القصف المتواصل، ومُنع مئات الآلاف منهم من الفرار من الشريط الضيق الفاصل لحدود أرضهم حتى مع هطول القنابل، وظهور المجاعة وانتشار الأمراض.
واستهلت الصحيفة مقالًا لها في هذا الشأن، نشرته بمناسبة مرور عام على هجمات السابع من أكتوبر، بقول إنه من بين كل التمييزات القاتمة للحرب التي استمرت لمدة عام في غزة، قد تبرز واحدة بسبب تفردها المميت، فالمدنيون الفلسطينيون هناك ليس لديهم مكان يذهبون إليه. لقد سُجِنوا فعليًا لمدة 12 شهرًا في شريط من الأرض مساحته 141 ميلًا مربعًا، أصبح بالفعل منطقة قتل!.
وأكدت الصحيفة أن هذه الحقيقة التي لا يمكن اختزالها، وتعد نادرة حتى في أكثر الحروب كارثية، أدت إلى تضخيم حصيلة القتلى نتيجة للعدوان الإسرائيلي، الذي قالت إسرائيل إنه يهدف لاستئصال نشطاء حماس، وقالت إن هذه الحقيقة تحدت أيضًا ليس فقط جيش إسرائيل المنتقم، بل أيضًا الجيران العرب والقوى الغربية ومنظمات الإغاثة واللاجئين والمدافعين عن حقوق الإنسان .
وفي ظل غياب الدورة المألوفة، وإن كانت مأساوية، التي عادة ما نراها في صراعات مسلحة أخرى، حيث يتم تهجير المدنيين بعنف وفرارهم عبر الحدود بحثًا عن ملاذ، ذكرت الصحيفة أن العالم شاهد مذابح غزة بنوع من العجز المرعب. لقد قُتل أكثر من 41 ألف شخص، وفقًا لمسؤولي الصحة المحليين. وفي حين يشمل هذا العدد المقاتلين، فإن الأغلبية كانت من المدنيين، وكان معدل الضحايا في بعض الأحيان أسرع حتى من أكثر اللحظات دموية في الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة في العراق أو أفغانستان أو سوريا.
وقال زيد رعد الحسين، الدبلوماسي الأردني السابق، الذي شغل منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان من عام 2014 إلى عام 2018، في تصريح خاص لمراسل الصحيفة: "يبدو من غير المعقول أن هؤلاء الناس، الذين تحملوا بالفعل الكثير من المعاناة، غير قادرين على المغادرة. إن العالم ليس مكانًا طيبًا وكريمًا". ومع ذلك، وكما أشار الحسين، فإن كارثة غزة قد تكون صدى لما وقع في حوادث تاريخية أخرى. ففي الفترة من عام 1992 إلى عام 1995، حاصرت قوات صرب البوسنة مدينة سراييفو، وحاصرت مئات الآلاف من السكان وأخضعتهم للقصف ونيران القناصة من قمم الجبال المحيطة. وقُتِل أكثر من خمسة آلاف مدني، الأمر الذي جعل من سراييفو علامة فارقة في ما أسماه الحسين تصعيدًا مطردًا في فتك الصراعات المسلحة بالمدنيين منذ تسعينيات القرن العشرين.
ومع ذلك، حتى في حالة البلقان، كان العالم على استعداد لاستقبال اللاجئين البوسنيين، لذلك تظل حرب غزة، بهذا المعنى، فريدة من نوعها، فضحاياها ليسوا محاصرين بالأسوار والبنادق فحسب؛ بل إنهم سجناء التاريخ: تاريخ إسرائيل وفظائعها كما أن العالم عامل اللاجئين الفلسطينيين بشكل مختلف عن أي شخص آخر بسبب النضال الفلسطيني من أجل إقامة دولتهم على الأرض التي يتقاسمونها مع اليهود.
وأشارت الصحيفة في سردها إلى حقيقة أن الأمم المتحدة تبنت اتفاقية بشأن معاملة اللاجئين في عام 1951 لكنها لم تطبقها على الفلسطينيين، ولم يكن من المفترض أن تحميهم المنظمة الجديدة التي سُميت بالمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وبدلاً من ذلك، أنشأت الأمم المتحدة وكالة منفصلة مخصصة لهذا الغرض، وهي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، والمعروفة باسم الأونروا. وذكرت أن التفكير في جوهر القضية الفلسطينية كان يغلب عليه الحاجة إلى تسوية سياسية، من خلال إنشاء دولة فلسطينية من شأنها أن توفر للفلسطينيين ملاذًا آمنًا مثل إسرائيل التي أصبحت للشعب اليهودي بعد الحرب العالمية الثانية.
حتى ذلك الحين، كانت الأونروا تهتم بالفلسطينيين وذريتهم، الذين فقد العديد منهم منازلهم عند إنشاء إسرائيل في عام 1948 حيث فر في ذلك الوقت حوالي 700 ألف فلسطيني أو طردوا في نزوح قسري يعرفه الفلسطينيون باسم النكبة، أو "الكارثة". ونظرًا لأن اتفاق السلام أفلت من أيدي أجيال من الدبلوماسيين، حسبما اعتبرت الصحيفة الأمريكية، فإن ولاية الأونروا غالبًا ما كانت تستمر في التمديد خاصة بعدما رسخت إسرائيل جذورها داخل أراضي الشعب الفلسطيني، وأصبحت الإدارة الفعلية في أجزاء كبيرة من غزة وتتعايش بشكل غير مريح مع حماس.
بدورها، قالت ستيفاني شوارتز، وهي باحثة في سياسات الهجرة في كلية لندن للاقتصاد "بالنسبة للفلسطينيين، هذا أمر طبيعي، بطريقة أو بأخرى، عزل العالم أبناء الشعب الفلسطيني عن الطريقة التي نتعامل بها مع بقية اللاجئين في العالم". وأشارت بالفعل إلى عدم وجود مدن خيام مؤقتة مترامية الأطراف في إسرائيل لإيواء اللاجئين من حرب غزة، مثل المخيمات الشاسعة في بنجلاديش، التي تؤوي أكثر من 800 ألف من مسلمي الروهينجا من ميانمار أو في أوغندا، التي تؤوي حوالي 200 ألف ضحية للحروب في جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأكدت "نيويورك تايمز" أن هذه الحقيقة تعكس بشكل مرير محنة الفلسطينيين ، حيث لا تريد إسرائيل السماح لهم بالعودة لأن ذلك من شأنه أن يغير طابع وديموغرافية دولتها المرجوة، كما أن الدول العربية التي فر إليها كثيرون في الماضي لا تريدهم، إما لأنها تعتبر مثل هذه المجموعة الكبيرة من اللاجئين مزعزعة للاستقرار، أو لأنها تنظر إليها باعتبارها محاولة من جانب البعض في إسرائيل لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة.
وبالتالي، ففي حين تدير الأونروا مخيمات كبيرة للاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا، وكذلك في الضفة الغربية وغزة نفسها، فإن هذه المخيمات لا تضمن أي مصدر لراحة الفلسطينيين، خاصة أنه يعيش في غزة الآن نحو مليون شخص برغم استمرار الحرب. وتقدر منظمات الإغاثة أن 90% من الفلسطينيين في القطاع نزحوا، بعضهم عدة مرات، بسبب أوامر التهجير التي أصدرها الجيش الإسرائيلي.