عاجل
الخميس 3 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. عثمان عبدالقادر يكتب: حول إعادة النظر في تنظيم طريق الطعن.. بالتماس إعادة النظر في المواد الجنائية

في ظل الجمهورية الجديدة بقيادة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي تتفتح آفاق جديدة نحو تحقيق مزيد من حماية حقوق الإنسان، وعلى رأسها تحقيق الحق الدستوري فى محاكمة منصفة، وعادلة؛ فبعد تنظيم مبدأ التقاضي على درجتين في مواد الجنايات من خلال القانون رقم 1 لسنة 2024- منذ أيام قليلة مضت- رفع الحوار الوطني توصياته الي سيادة الرئيس؛ بشأن إعادة تنظيم الحبس الاحتياطي على نحو فيه تحديد لمدته، وترشيد استخدامه؛ ليستخدم فقط في تحقيق الغرض منه، وهو مصلحة التحقيق، وإقرار بدائل احتياطية له كلما أمكن ذلك، بالإضافة لإقرار مبدأ التعويض عن الحبس الاحتياطي، وغير ذلك من الضمانات القانونية؛ بما يمثل طفرة تشريعية نرحب بها، ونثمنها كثيرا. 



إلا أننا نتوق إلى استكمال إصلاح منظومة العدالة الجنائية برمتها، وهذا ما حاولت اللجنة الفرعية - التي شكلها مجلس النواب لتقديم مشروع قانون الإجراءات الجنائية- تحقيقه خلال الأشهر المنصرمة، والآن فقد قدمت هذه اللجنة مسودة لهذا المشروع إلى لجنة الشؤون الدستورية، والتشريعية، ولا يتسع المقام هنا؛ لتناول ملامح هذا المشروع، إلا أن أول ما جذب انتباهي عدم تناول مواد الطعن بالتماس إعادة النظر بالتعديل، بالرغم من ضرورة إعادة النظر فيه على ضوء ما أفرزه العمل القضائي من إشكاليات، وتطور التشريعات المقارنة، خاصة القانون الفرنسي.   

 إن طريق الطعن بإعادة النظر في الحكم الجنائي البات؛ يهدف إلى إصلاح الخطأ القضائي المتعلق بالوقائع الذي قد يعتري الحكم، ويفترض أن هذا الخطأ قد تمثل فى ظلم نزل ببرئ، وترتيباً على ذلك فإن هدفه الرئيس إرضاء الشعور العام بالعدالة الذي يؤذيه أن يدان برئ. ويقوم تنظيم طريق الطعن بالتماس إعادة النظر على فلسفة مؤداها؛ التوازن بين حجية الأحكام الجنائية، وعدم المساس بها إلا فى أضيق الحدود، وحق المحكوم عليه في إعادة النظر في هذا الحكم إذا ظهرت ظروف من شأنها إظهار عدم عدالة هذا الحكم، ولم تكن معلومة وقت صدور الحكم؛ فقد رأى المشرع المساس بحجية الأحكام فى حالات صارخة من حيث اتصالها بالعدالة، وبسلامة العمل القضائي، وبهيبة القضاء، وبالثقة العامة في الدولة، وبالنظام القانوني برمته، وقد رأى المشرع فى حالات التماس إعادة النظر؛ تغليب الحقيقة الواقعية التي سمح المشرع بكشفها على الحقيقة القانونية المفترضة في الحكم القضائي البات، أو بمعنى أدق؛ تغليب الحقيقة الواقعية المكتشفة على الحقيقة الإجرائية المستفادة من قوة الشيء المحكوم فيه؛ حيث توجب مقتضيات العدالة الجنائية هذا التغليب، والترجيح. ونظم المشرع المصري التماس إعادة النظر في المواد من 441 إلى 453 تحت عنوان: الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون الإجراءات الجنائية. 

وجاءت أهم مواده على النحو الآتي:     نصت المادة 441 في قانون الإجراءات الجنائية، على تلك الحالات؛ حيث نصت على: أنه يجوز طلب إعادة النظر في الأحكام النهائية الصادرة بالعقوبة في مواد الجنايات، والجنح؛ في الأحوال الآتية: 1- إذا حكم على المتهم في جريمة قتل، ثم وجد المدعي قتله حياً. 2- إذا صدر حكم على شخص من أجل واقعة، ثم صدر حكم على شخص آخر من أجل الواقعة عينها, وكان بين الحكمين تناقض؛ بحيث يستنتج منه براءة أحد المحكوم عليهما.  3- إذا حكم على أحد الشهود، أو الخبراء؛ بالعقوبة لشهادة الزور وفقاً لأحكام الباب السادس من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، أو إذا حكم بتزوير ورقة قدمت أثناء نظر الدعوى، وكان للشهادة، أو تقرير الخبير، أو الورقة تأثير في الحكم. 4- إذا كان الحكم مبنياً على حكم صادر من محكمة مدنية، أو من إحدى محاكم الأحوال الشخصية، وألغي هذا الحكم. 5- إذا حدثت، أو ظهرت بعد الحكم وقائع، أو إذا قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة، وكان من شأن هذه الوقائع، أو الأوراق؛ ثبوت براءة المحكوم عليه. وتنص المادة 442 من القانون ذاته؛ على أنه: (في الأحوال الأربع الأولى من المادة السابقة، يكون لكل من النائب العام، والمحكوم عليه، أو من يمثله قانونا إذا كان عديم الأهلية، أو مفقوداً، أو لأقاربه، أو زوجه بعد موته؛ حق طلب إعادة النظر. وإذا كان الطالب غير النيابة العامة، فعليه تقديم الطلب إلى النائب العام؛ بعريضة يبين فيها الحكم المطلوب إعادة النظر فيه، والوجه الذي يستند عليه، ويشفعه بالمستندات المؤيدة له. ويرفع النائب العام الطلب سواء أكان مقدماً منه، أو من غيره مع التحقيقات التي يكون قد رأى إجراءها إلى محكمة النقض بتقرير يبين فيه رأيه،والأسباب التي يستند عليها. ويجب أن يرفع الطلب إلى المحكمة في الثلاثة الأشهر التالية لتقديمه. ونصت المادة (443) من القانون ذاته على أنه: في الحالة الخامسة من المادة 441 يكون حق طلب إعادة النظر للنائب العام وحده سواء من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب أصحاب الشأن.

وإذا رأى له محلاً، يرفعه مع التحقيقات التي يكون قد رأى لزومها إلى لجنة مشكلة من أحد مستشاري محكمة النقض، واثنين من مستشاري محكمة الاستئناف تعين كلاً منهم الجمعية العامة بالمحكمة التابع لها.

ويجب أن يبين في الطلب الواقعة، أو الورقة التي يستند عليها. وتفصل اللجنة في الطلب بعد الاطلاع على الأوراق، واستيفاء ما تراه من التحقيق، وتأمر بإحالته إلى محكمة النقض إذا رأت قبوله. ولا يقبل الطعن في الأمر الصادر منها بقبول الطلب، أو عدم قبوله.

ولا شك أن الممارسة العملية، وتطور القانون الفرنسي، خاصة بموجب تعديل 23 يونيو 1989م، والذي حدد فيه مناط قبول التماس إعادة النظر في حالة عامة واحدة، وألغى الحالات الثلاث الأخرى التي تشابه الحالات الأربع الأولى من المادة 441 إجراءات جنائية مصري. 

وقد نظم قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي؛ أسباب الطعن بالتماس إعادة النظر، ومن له الحق في طلبه، واجراءات نظره، بطريقة سهلة، وواضحة؛ تحقق ضمانات حقيقية للمحكوم عليه في التمتع بهذا الطريق من طرق الطعن.  فقد نصت المادة 622 من التقنين الفرنسي على أنه: يجوز طلب إعادة النظر في الحكم الجنائي النهائي لصالح أي شخص محكوم عليه بجريمة، أو جنحة عندما تحدث، بعد الإدانة، واقعة جديدة، أو ينشأ عنصر غير معروف لدى المحكمة في يوم القضية من شأنه؛ إثباته براءة المحكوم عليه، أو إثارة الشك حول إدانته.

 

 

 

وكذلك نصت المادة 622/3 من التقنين ذاته: على أن يتم طلب المراجعة، وإعادة النظر من قبل كل من:1° من قبل وزير العدل؛2° من قبل المدعي العام لدى محكمة النقض. 3. من قبل الشخص المحكوم عليه، أو من قبل ممثله القانوني في حالة عدم الأهلية؛3° بعد وفاة الشخص المدان، أو تقرير غيابه، من قبل زوجه، أو الشريك المرتبط بميثاق تضامن مدني، أو شريكه، أو أبنائه، أو والديه، أو أحفاده إلخ... ويجوز- أيضًا- للمحامين العامين لدى محاكم الاستئناف أن يطلبوا مراجعة الحكم.

وكذلك تنص المادة 623 من التقنين ذاته على: أن يوجه طلب المراجعة، أو طلب إعادة الفحص إلى محكمة التماس إعادة النظر، وإعادة الفحص بمحكمة النقض. وذلك وفق تشكيل خاص برئاسة رئيس الدائرة الجنائية بالمحكمة ذاتها، وعضوية عدد خاص.  وتنظم المادة 624 من التقنين ذاته؛ إجراءات نظر طلب إعادة النظر؛ فيقدم طلب إعادة النظر أمام لجنة لتحقيقه،  وإصدار قرار مسبب بشأنه غير قابل للطعن عليه. ويجوز لمقدم الطلب، أو محاميه؛ طلب إصدار القرار في جلسة علنية. وغير ذلك من المسائل التي لا يتسع المقام لذكرها.   ومن هنا يمكن القول بأنه قد آن الآوان ليراجع المشرع المصري موقفه من تنظيم الطعن بالتماس إعادة النظر، فإذا تمعنا النظر في فلسفة القانون الفرنسي نجدها الأكثر عدالة، ودقة، وكفالة لحق المحكوم عليه؛ في إعادة النظر في الحكم الصادر ضده. 

ذلك أن القانون الفرنسي قد تميز عن نظيره المصري؛ فى تحديد مناط قبول التماس إعادة النظر في الحكم الجنائي النهائي، فلم يفرق بين الحالات قبول التماس إعادة النظر من حيث قوتها، فجعل مناط ذلك كما سبق الإشارة في حالة موسعة مؤداها؛ ظهور واقع جديد، أو اكتشاف عنصر لم يكن معلوما لدى المحكمة عند إصدارها الحكم في القضية من شأنه ثبوت براءة المحكوم عليه، بل من شأنه إثارة الشك حول إدانته. فلا شك أن ذلك التنظيم به انتصار كبير للحريات، وقرينة البراءة ذات الطبيعة الدستورية، فهذه الحالة من العموم لتشمل كل حالة يوجد فيها واقع، أو دليل من شأنه ؛ إثبات براءة المحكوم عليه أو التشكيك فى الإدانة. فلا شك أن عمومية هذه الحالة، وشموليتها، واتساعها؛ يمثل ضمانة حقيقية في تحقيق العدالة الجنائية وفق مفهومها الأكثر ملموسية. 

كما أنه من ناحية أخرى يمكن القول: إن القانون الفرنسي قد تميز من ناحية الصفة في مباشرة الطعن بالتماس إعادة النظر، فقد وسع من صاحب الصفة في طلب إعادة النظر، وخاصة أطرافاً مثل: وزير العدل، والمحامي العام لدى محكمة النقض، والمحكوم عليه، أو من يمثله، وورثته في حالة وفاته، وغير ذلك مما نصت عليه المادة 622/3 السابق الإشارة إليها.  

فلم يجعل الأمر موكولاً إلي تقدير النيابة العامة مثلما فعل المشرع المصري خاصة في الحالة العامة (الفقرة الخامسة من المادة 441 اجراءات جنائية)، فقد أتاح المشرع الفرنسي للمحكوم عليه طلب التماس إعادة النظر مباشرة أمام اللجنة المختصة بنظر الطلب. فلا يعقل أن يترك الأمر لتقدير النيابة العامة، وهي خصم المحكوم عليه في الدعوي الجنائية، ولو كانت خصماً شريفاً، فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون النيابة خصماً، وحكماً، خاصة أن قرار النيابة العامة في صدد الحالة العامة (الفقرة الخامسة) لا يقبل الطعن عليه بأي وجه من الوجوه؛ مما يولد شبهة عدم الدستورية، وانتهاكاً للحق في المحاكمة المنصفة، والعادلة، خاصة أنه من الناحية العملية فإن الحالة الخامسة هي الأكثر شيوعا وحدوثا، ومن غير المقبول ترك الأمر للنيابة العامة وحدها تقدير الحالة، مما يستتبع ضرورة اعادة النظر فى تنظيم المسألة برمتها.   كما أن المشرع الفرنسي قد وحد إجراءات نظر طلب إعادة النظر، وجعل المدعي العام، والمحكوم عليه؛ من حقهم أن يطلبوا إعادة النظر، ولم يجعل سلطة للادعاء العام في هذا الشأن، وإنما نص على: لجنة لتحقيق الطلب ليس من بينها من باشروا الإجراءات في الخصومة التي صدر فيها الحكم الملتمس فيه؛ لذا ندعو المشرع المصري إلى إعادة تنظيم الطعن بالتماس إعادة النظر، من خلال التوسع في مناط قبوله كما أسلفنا، وإتاحة تقديم طلب إعادة النظر للنيابة العامة، والمحكوم عليه، أو من يقوم مقامه، وجعل الاختصاص بتحقيق الطلب إلى لجنة ثلاثية قضائية محايدة، المنصوص عليها في المادة 443 من قانون الإجراءات القضائية.   

نتطلع في الأيام المقبلة؛ أن يتم إعادة النظر في تنظيم الطعن بالتماس إعادة النظر في المواد الجنائية أثناء صياغة المشروع الجديد لقانون الإجراءات الجنائية، ونحن في ظل جمهورية جديدة يتسم نظامها الإجرائي بمزيد من العدالة، والفاعلية وكفالة للحقوق، والحريات للمواطنين والأفراد؛ فى ظل قيادة حكيمة لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي. 

أ.د عثمان عبدالقادر  أستاذ القانون بجامعة أسيوط والمحامي بالنقض

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز