د. حسام عطا
مهرجان المسرح القومي 2024.. قراءة في الرؤيا والتنظيم
قوة جديدة تتشكل في المسرح المصري، هذا ما يؤكده عرض افتتاح المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السابعة عشرة.
فبعد غياب ملحوظ للمواسم المسرحية المنتظمة، وتوقف مثير للانتباه عن الدعاية الاحترافية في مسرح الدولة أطلق قطاع الإنتاج الثقافي مع موسم عيد الأضحى الماضي عدداً محدوداً من العروض منها عامل قلق على مسرح البالون و "مش روميو وجولييت" على المسرح القومي وعدداً من العروض في مسرح الطليعة وعرضاً لافتاً للانتباه، وهو ذات الرداء الأحمر على مسرح القاهرة للعرائس. وبينما يذهب نجوم الصف الأول للحضور الواضح في مهرجان العلمين في إطار التعاون مع موسم الرياض، يخالف المهرجان القومي للمسرح لائحته التنفيذية للعام الثاني على التوالي بأن يقوم فنان قدير خارج الوظيفة الحكومية بالقطاع بدور المدير، وهو الدور الذي تنص اللائحة على أن رئيس البيت الفني للمسرح، وهو المنوط به القيام بالإدارة لأنه يترأس العمل التنفيذي الحكومي، ولكن كيف يحدث ذلك في ظل الاهتمامات المتعددة وكيف يحدث ذلك بينما الاهتمامات المتعددة وعدد من المناصب التي هي نصف إنتاج وزارة الثقافة على كاهل المخرج خالد جلال، الذي هو رئيس قطاع الإنتاج الثقافي ورئيس مراكز الإبداع بما فيها المركز الرئيس بأرض الأوبرا، ورئيس البيت الفني للمسرح، ومخرجاً فاعلاً في عروض موسم الرياض وامتدادها، ووسط كل هذه المسؤولية الكبيرة يمارس الإخراج المسرحي، ولذلك فمدير المهرجان جاء من خبرة الفنان ياسر صادق. والذي اعتذر لظروف صحية ولأنه بذل جهداً كبيراً في الرد على منتقدي اختيارات المهرجان في مسألة التكريم، ولسبب منطقى أدى لصعوبة مهمته وهو صعوبة الإدارة من الخارج. مما أدى إلى ارتباك ومؤتمر صحفي شديد العصبية لا يصلح في خطاب الرأي العام ثم حفل الافتتاح الذي جاء بعد اعتذار المخرجة بتول عرفة عنه، وهو ما لم يعلنه المهرجان، ثم تم إسناد الافتتاح للمخرج نادر صلاح الدين، وقدم سريعاً استعراضاً راقصاً يتحدث عن المسرح كبهجة وتضحية ولحظات مبهرة وما إلى ذلك، دون الإشارة لدوره المهم في صنع الوعي والتعبير عن آلام وأحلام المصريين، وهو حقاً ما صنع مفارقة ما بين خطاب الاستعراض ومحتواه الشعري المحايد وبين الإشارة بالغة الأهمية. للمسرح باعتباره معبراً ومكوناً للهوية الثقافية المصرية كما أشار أ.د. أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة المصري الجديد في كلمته، والذي جاء ليتمم ما بقى متاحاً من إجراءات ظهور المهرجان للنور بعد تأجيله من منتصف هذا الشهر إلى افتتاحه في الثلاثين من يوليو الجاري 2024. وكانت مهرجانات المسرح الكبرى في مصر لا تعرف السجادة الحمراء، فهي في معظمها تقوم على الفنون المسرحية التعبيرية رفيعة المستوى مسرحياً، دون الاحتياج لاستعراض الملابس والأفعال اللافتة للنظر في مشاهد السجادة الحمراء والتي حظيت هذا العام بفستان لافت وضجة تشبه ضجة مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الشهيرة، في محاولة لإعادة إطلاق ضجة مماثلة لملابس أخرى في مهرجان القاهرة السينمائي. بينما بقي المسرح المصري عمره كله بعيداً تماماً عن مثل هذه المشاهد. وضع المهرجان بوابة خارجية عند مدخل الصالة الكبرى بدار الأوبرا بدت بالغة الصدمة ومتنافرة مع الصياغة المعمارية للدار وغير ذات أهمية جمالية، ثم تحول الحفل إلى لحظات التكريم والأسماء المختارة، والتي أثارت ضجة وجدل، وأبرز ما أثار الجدل هو غياب إعلان المهرجان للأسباب وماذا يقف وراء التكريم، فعلى سبيل المثال يأتي تكريم المخرج الأوبرالي عبدالله سعد والفنان الشامل ويسبقه لقب لم يمنحه لنفسه ولم نعرفه به وهو لقب المخرج المسرحي. وبرغم سعادتي بتكريمه لأني أعطى عمراً مبدعاً كممثل ومخرج أوبرا وأستاذاً للدراما الموسيقية بأكاديمية الفنون، فإن التعريف كان غامضاً، بينما يبقى د. عبدالله سعد المحترم والمبدع مستحقاً لكل تكريم. ولكن وفي هذا الجيل هناك أسماء مبدعة تم إخراجها من المعادلة المسرحية بدون أسباب واضحة مثل المخرج المسرحي محمد عمر والمخرج المسرحي حسام الدين صلاح وغيرهما، كما أن التكريم الثاني للباحثة والمترجمة وصاحبة الدراسات المسرحية الهامة في المسرح المقارن الأستاذة الدكتورة نجوى عانوس، جاء في الإعلان عنها بصفة لم تمارسها وهي الناقدة المسرحية وهذه الصفة غير مناسبة، فهي حقاً باحثة كبيرة وجادة وحارسة للتراث المسرحي المصري ومحققة له، وتعبير الباحثة المسرحية والكاتبة والأستاذة كان ممكناً ومعبراً ومتسقاً مع مشروعها في النقد المسرحي، وفي هذا الجيل فكان الممكن العودة للناقدة الكبيرة منحة البطراوي، أو الناقدة الكبيرة المستمرة في دورها للآن د. وفاء حامد كمالو. ويبقى الاتجاه الآخر لتكريم النجوم أحمد آدم وأحمد بدير وأسامة عباس، وهو ما أثار تساؤلات حول فهم المهرجان للنوع المسرحي، فأراه تكريماً متسقاً مع ذاته، إذ إن ذلك النوع المسرحي القائم على الضحك للضحك، وعلى فنون المسرح الجماهيرية كان رافداً احترافياً للمسرح المصري وكان النقد يهاجه كثيراً، ولكنه صنع للمسرح المصري رافداً محترفاً وكان يسانده كقوة اقتصادية ثقافية، أضاءت مسارح القاهرة والإسكندرية لسنوات طويلة. ولذلك فهؤلاء النجوم وهذا النوع المسرحي نفتقده الآن، ولعل المنتج المغامر والكاتب المسرحي أحمد الأبياري تبقى مغامراته المسرحية بعيداً عن المؤسسة الرسمية هي حضور لنوع مسرحي ولفرق خاصة مثل "الأبياري" ظلت سنوات طويلة منذ 1930 عندما أسسها أبو السعود الإبياري تقدم لنا وللجمهور المصري كل هذه البهجة، ولعل قراءة الكاتب الصحفي الصديق رشدي الدقن لمسيرته في الكتاب الصادر عنه أضاءت حقاً هذا البعد الإنساني المغامر، وهذا الإخلاص النادر المعتمد على الذات لهذا النوع المسرحي، وربما يكون تكريمه وتكريم نجوم هذا النوع المسرحي إشارة هامة، لأننا نفتقده الآن في مسرحنا المصري، رغم كل العنف النقدي تجاه هذا النوع. كان الأمر فقط يحتاج للشرح والإيضاح وليس الغضب والرد العنيف على كل من أبدى رأيه في نجوم القطاع الخاص الضاحك المكرمين في هذه الدورة. إلا أننا يمكن أن نلحظ ظهور قوة جديدة في المسرح المصري تهرب من النصوص الكبرى والعلامات الهامة في التأليف المسرحي المصري والعربي المعاصر وتغادر بعيداً عن مسرح الكلمة والصورة والحداثة وما بعدها لتذهب نحو طاقات الشباب الحرة الممزوجة بالنجوم وفي مراكز إنتاج جديدة، لا تذهب بالمسرح كمعبر عن الهوية الوطنية، ولا عن آلام وآمال المصريين، تذهب به لقضايا الهامش في معظمه، وهو هامش يحاول أن يبدو معاصراً، وهو في حقيقته يخلو من المغامرة ويبتعد عن الواقع كما حدث في مسرحية "مش روميو وجولييت" بالمسرح القومي. قوة جديدة تبرز إذ يذهب المهرجان أيضاً إلى تغييب ملحوظ للمعهد العالي للفنون المسرحية، وهو المركز العلمي الأول والمعاصر للعلوم المسرحية، عن مجاله الحيوي، في دعوات الافتتاح وفي لجان المهرجان وفي ندواته ومحاوره الفكرية، إذ يظهر بوضوح هذا الغياب. كما أن تراجع ظاهرة الفرق المستقبلة ذات المنحى الجمالي الإبداعي أشارت إليها النجمة المبدعة سلوى محمد علي والتي ذكرتنا بتيار الاستقلال في المسرح المصري وأشارت لغياب رموزه عن التكريم في حفل الافتتاح. تبقى دورة سميحة أيوب سيدة المسرح العربي تعبر عن رمزية أسم سميحة أيوب والمسرح بمعناه المعرفي والجمالي، فمصر التي نثق في قدرتها على العطاء، تؤكد برمزية سميحة أيوب ضرورة استعادة معنى وجوهر المسرح المصري، وحقاً هناك قوة جديدة تتشكل في المسرح المصري، نتمنى أن يخرج من قلبها المتمردون المبدعون الذين هم أمل المستقبل الذي يليق بالمسرح المصري الرائد، ويبقى مهرجان المسرح القومي علامة هامة تثير التأمل والجدل وتطرح أسئلة المستقبل.
وفي انتظار أن يعبر الفنان القدير محمد رياض والنجوم المكرمين والأسماء البارزة في لجان التحكيم وغيرها عن حبهم للمسرح بأعمال مسرحية جديدة تضيء مسرحنا المصري، لأن غيابهم عن العمل الإبداعي المسرحي علامة استفهام كبرى تشير إلى ضرورة استعادة مساري مسرح الدولة المحترف ومسرح القطاع الخاص معاً، مع خالص أمنياتي بدورة ناجحة وموفقة. هكذا نحلم، وهكذا نتمنى.