أيمن عبد المجيد
القرار وحكومة الأمل
قراءة تحليلية فى التغييرات الحكومية
ليس من قبيل الصدفة أن تشهد مصر أوسع حركة تغيير وزاري في حكومة جديدة ومحافظين، في اليوم ذاته الذي شهدت فيه إعلان القوات المسلحة المصرية محاطة بممثلي الشعب العظيم قرار إنقاذ الوطن في الثالث من يوليو ٢٠١٣.
في الثلاثين من يونيو قبل ١١ عامًا، ثار أكثر من ثلاثين مليون مصري لحماية الهوية الوطنية وإسقاط حكم المرشد، قابل تنظيم الإخوان الإرهابي محاولات إنقاذ الوطن، بموجة تدميرية.
كان بنيان الدولة المصرية على حافة الهاوية، وإرادة الشعب في مواجهة إرهاب وتهديد رسالته «إما نحكمكم أو نقتلكم».
بقدر التحديات والمخاطر التي تتطلب الحسم تأتي عظمة القرار، ففي غضون ثلاثة أيام، وبعد استنفاد محاولات رأب الصدع، قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة- برئاسة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي القائد العام للقوات المسلحة- الانحياز للإرادة الوطنية.
اجتمع السيسي؛ بعد تجاهل الإخوان الإنذار الأخير باحترام إرادة الشعب، بممثلي المؤسسات والشعب المصري، أحزاب سياسية بينها حزب النور، وقوى شبابية، وشيخ الأزهر فضيلة الإمام أحمد الطيب، والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، وممثل الحركة الوطنية للتغيير.
كان القرار حماية الوطن، وإعلان خارطة طريق تنتصر لإرادة الشعب وثوابت الدولة الوطنية، خوض معركة جديدة في مواجهة الإرهاب، وتحرر الإرادة الوطنية، وبناء دولة مدنية تُعلي من قيم المواطنة والقانون.
كانت قرارات ٣ يوليو ٢٠١٣، بداية لمعركة ممتدة لحماية الإرادة الشعبية، والهوية الوطنية، وتثبيت أركان الدولة، انطلاقًا لتعزيز قدرتها الشاملة في كل المجالات والقطاعات.
١١ عامًا بدأتها مصر سيرًا على الأشواك حافية القدمين، أشواك التهديدات الأمنية، التي دفعتها ثمنًا لمواجهتها أغلى ما يملكه الوطن، دماء شهداء معركة القضاء على الإرهاب، وعرق المخلصين في معارك التعمير والبناء، وأثمان اقتصادية تحمَّلها شعب مصر ناجمة عن تحديات داخلية وأزمات عالمية.
أشواك محاولات إثارة الفتنة الطائفية وإشعال حرب أهلية، قابلوا إعلان ٣ يوليو بعدوان على الكنائس وإحراقها، اغتيال النائب العام الشهيد هشام بركات، ومحاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، وقبلها كان حصار المحكمة الدستورية، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ثم استهداف السياحة ومصادر الدخل القومي، ولم تسلم المساجد من إرهابهم فتم استهداف مسجد الروضة.
كان هدفهم ومعاونيهم وداعميهم من قوى خارجية، إجهاض خريطة الطريق، لكن سرعان ما واصل الشعب المصري في تلاحم مع الجيش مواجهة المصاعب لعبور التحديات وبناء دولة عصرية جمهورية جديدة تتعاظم قوتها الشاملة تدريجيًا.
توالت الحكومات، والإنجازات، وإن كانت التحديات لم تنته بعد، قضت مصر على الإرهاب، وواصلت التنمية لإحباط أهداف مخططاتهم، وتحقيق ما يحقق طموح شعب مصر العظيم.
حكومة الأمل
بالأمس ٣ يوليو 2024، شهدت مصر أوسع حركة تعديل وزاري؛ بأداء وزراء الحكومة الجديدة والمحافظين الجدد اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائد معركة حماية الإرادة وتثبيت أركان الدولة وبناء الجمهورية الجديدة.
وبقراءة تحليلية لتشكيل الحكومة الجديدة نكتشف التالي:
1- الحكومة الجديدة شهدت نسبة تغيير 70%، بشغل 20 وزيرًا جديدًا حقائب وزارية من إجمالي 30 وزيرًا أدوا اليمين الدستورية أمس أمام الرئيس.
وهذا يعني تفعيلًا عمليًا لتوجيهات الرئيس إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الحكومة الجديدة، بأن تشمل حكومته الجديدة أصحاب الكفاءات والخبرات.
٢- تعيين اثنين من الوزراء بمنصب نائب رئيس الوزراء، الأول الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة نائبًا لرئيس الوزراء للتنمية البشرية، والمهندس كامل الوزير، وزير النقل والصناعة نائبًا لرئيس الوزراء للتنمية الصناعية، يعزز فكرة تبني الحكومة لسياسات جديدة تُعلي من هدف بناء الإنسان، وتعزيز القدرة الصناعية للدولة بانعكاساتها على سوق العمل وفرص الإنتاج المحلي، لتقليص فجوة الاستيراد وزيادة نسب التصدير، وهو من الأهداف التي وجه بها الرئيس الدكتور مدبولي بخطاب التكليف.
٣- دمج وزارات تحت قيادة موحدة، يعني تغييرًا في السياسات بالوزارة الجديدة، ويعالج تداخل الاختصاصات لتعظيم القدرة على تحقيق المستهدفات التي من أجلها تم استحداث وزارات جديدة، مثل وزارة الهجرة وشؤون العاملين بالخارج، تتداخل مهامها مع مهام قنصليات مصر بالخارج، ومن ثم ضمها لحقيبة وزير الخارجية يعزز من تحقيق أهدافها.
٤- الاستعانة بالخبرات الدولية بنسبة 35% من الوزراء مقارنة بالحكومة السابقة. 25%، من بينهم وزيرا الموارد المائية والبترول وغيرهما، يعكس انتهاج سياسة توسعة دائرة الكفاءات والخبرات الدولية لتعظيم قدرة الحكومة على مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية.
على سبيل المثال الإبقاء على الدكتور هاني سويلم، وهو من الخبرات الدولية وزيرًا للموارد المائية والري، يستهدف مواصلة برامج وخطط تعظيم قيمة الموارد المائية المصرية بالانتقال بسياسات الري من الغمر إلى التنقيط والاستثمار الأمثل للموارد المائية الذي يمثل أخطر التحديات المصيرية.
٥- انخفاض متوسط العمر إلى ٥٦ عامًا، مقارنة بالحكومة السابقة ٦٤ عامًا، مع تنوع في الخبرات والكفاءات يسرع من معدلات الأداء المحقق للأهداف، وفي القلب ملف الاقتصاد وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين.
٦- استحداث مهام وزارية جديدة، تهدف لتعزيز القدرة على تحقيق المستهدفات وتكليفات الرئيس السيسي، خاصة ملف الإصلاح والمشاركة السياسية.
مثال.. المستشار محمود فوزي، وزير شؤون المجالس النيابية والقانونية والاتصال السياسي، وهو كفاءة ممتازة، في السابق كانت مهام الحقيبة التي شغلها من سبقه، شؤون المجالس النيابية، أضيف لها القانونية والاتصال السياسي، فقد جاء من رئاسة الأمانة الفنية للحوار الوطني.
وللحوار الوطني توصيات تتطلب تشريعات وجّه الرئيس بإنفاذها، كما أن الحوار الوطني منصة مشاركة واتصال سياسي بين كل القوى لوضع خريطة أولويات وطنية، ومن ثم تحمله مسؤولية حقيبة شؤون المجالس النيابية والقانونية والاتصال السياسي، يجعله أكثر قدرة على تعزيز تحقيق مستهدفات الحوار الوطني وثماره والمشاركة السياسية، وفق توجيهات الرئيس السيسي في خطاب تكليف رئيس الوزراء.
٧- تزامُن التغيير الواسع في الحكومة والمحافظين مع يوم انتصار الهوية الوطنية؛ رسالة تبعث على الأمل في حكومة تسعى لأن تكون أكثر قدرة على تحقيق طموح شعب مصر وتكليفات الرئيس السيسي التي كان في مقدمتها الحفاظ على ثوابت الأمن القومي المصري وبناء الإنسان، والإصلاح السياسي، والعدالة الاجتماعية وتحقيق حياة أفضل للمواطنين والحد من ارتفاع الأسعار ومضاعفة الاستثمار المحلي والأجنبي.
8- إصدار الرئيس السيسي قرارات تعيين كفاءات الحكومة والمواقع القيادية السابقة في مهام جديدة؛ مساعدين ومستشارين، يعكس توسعة الاستفادة من القيادات الوطنية في مهام تسهم في تعزيز القدرة الشاملة للدولة المصرية في ظل تعاظم التحديات على جميع المحاور الاستراتيجية، فقد عيّن الفريق أول محمد زكي مساعدًا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع، والفريق أسامة عسكر مستشارًا لرئيس الجمهورية للشؤون العسكرية، والمستشار عمر مروان وزير العدل السابق مديرًا لمكتب رئيس الجمهورية واللواء محسن عبد النبي مستشارًا لرئيس الجمهورية للإعلام والدكتورة هالة السعيد صاحبة الإنجازات في وزارة التخطيط مستشارًا لرئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية.
كل الشكر والتقدير لحكومات ٣ يوليو منذ بداية خارطة الطريق في ٢٠١٣ وحتى اليوم، فجميعهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، بذلوا جهدًا كبيرًا في ظل تحديات تتعاظم، وكل الأمنيات للحكومة الجديدة والمحافظين بالتوفيق في تعزيز القدرة الشاملة للوطن، وتحقيق طموحات شعب مصر العظيم.
حفظ الله مصر