عاجل
الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مجموعة تكوين.. والثقافة الوطنية المصرية ملاحظات أولية

مجموعة تكوين.. والثقافة الوطنية المصرية ملاحظات أولية

إنهم هؤلاء الذين تكونوا، إنني هنا أتحدث عن الذين تم تكوينهم عبر الليل والتأمل والقراءة والإبداع والسهر والصخب والبحث العلمي والكتابة والسفر والمحبة والنجاح والفشل ووفاء الصديق وغدر يليق بمن غدر. 



هؤلاء الذين تكونوا ووجدتهم مصر عند اللحظة الحاسمة، هؤلاء الذين هم أبناء تكوين مصر العظيمة والذين يدركون جيداً أن الخيال أهم من المعلومات، وأن الولاء لمصر هو الأصل مهما حدث من أحداث، هؤلاء الذين يعرفون مصر، لأن مصر تعرف الأبناء المخلصين.

يحلمون لها وبها ويعرفون كيف تفكر، يتحدثون عن المستحيل ويمارسون فقه الواقع كي تستمر مصر. 

هؤلاء يعودون لفقه الواقع في السياسة والكتابة والعلوم والفنون ووحدة النسيج المجتمعي. 

هؤلاء الذين يحلمون، ولكنهم يحققون الأحلام دون حرق للمراحل، وكما تحب مصر وكما يحب أهل مصر.

وفي تاريخ الثقافة وعمليات التفاعل الثقافي يحتاج الشعب إلى نخبة، وفي تاريخ تقدم الأمم كم أسهمت النخب التقليدية في تطوير الثقافة العامة وصنع الرأي العام، وتعزيز كفاءة المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني.

وتاريخ الثقافة وحركتها يؤكد لنا أن الصدمة الثقافية هي الوسيلة والأداة الصحيحة لتغيير الوعي. ولكن أي صدمة ثقافية؟ وممن تصدر؟ وكيف تعمل؟ جدير بالذكر أن النخبة الثقافية المصرية مارست الصدمة مع المجتمع، هكذا فعل طه حسين ومحمد مندور وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهم. ولكن هذه العلامات من النخبة المصرية كانت تعرف مدى المواءمة بين الجديد الصادم وبين الثقافة المصرية العامة، كانت تصدم المصريين، لكن صدمتها كانت تتصل بالمكون الرئيس في ثقافة المصريين. ولذلك وإن اشتبك المصريون مع كل هؤلاء، إلا أنهم قد دخلوا تاريخ الثقافة الوطنية وبقوا وسيظلون في ضمير ووجدان الأمة. وهل نسى المصريون مقالات الحكيم في حديثه مع الله عز وجل؟ صدمة لكن جاء لها ألف وألف رفض وألف وألف قبول وشرح وتفهم. هل نسى المصريون معركة طه حسين في الشعر الجاهلي، وكيف شرحها وكيف أعاد فهم ذاته مرة أخرى؟ هل نسى المصريون أزمة أولاد حارتنا لنجيب محفوظ؟ وكيف أدارها وكيف شرح خياله الإبداعي الجامح؟  وكيف أنهى مشواره الإبداعي بمناجاة صوفية في كتابه أصداء السيرة الذاتية، وفيه تظهر رؤية نجيب محفوظ للحياة وهي المعبرة عن القاسم المشترك الأعظم للثقافة المصرية، وهو قاسم يأتي فيه الإيمان بالله عز وجل في القلب مع تسامح كبير مع الحياة والآخر.  فمن هذا الذي يتصور أننا نحتاج في مصر لأن نتعلم التسامح؟ لاحظ معي أن هؤلاء الذين ذكرتهم من رموز التنوير المصري، لم يكن مشروعهم الوحيد هو مناقشة الأديان والقضايا الخلافية. لم يبدأ رمز منهم مسيرته الصحفية بمهاجمة شيخ كبير من شيوخ الإسلام، ولم يقدم نفسه للحياة العامة عبر ضجة ازدراء الأديان وشبهتها، ولم يغازل أحدهم الكيان الصهيوني عبر إعادة تعريف هوية القدس.

ولم يختبئ رمز كبير منهم خلف مظلومية الاضطهاد بحجة الأفكار المستنيرة، وكانوا جميعهم يعيشون من عمل أيديهم ولم يعمل أحدهم لصالح دولة أخرى، ولا إعلام دولة أخرى ولم يرتزق أحدهم من عمله الصحفي الإعلامي أو عمله الإبداعي خارج حدود مصر.

وقد حصدوا الاعتراف حول العالم وعبر الأجيال، ولم يغادر أحدهم مفهوم الثقافة الوطنية الشعبية المصرية، رغم أنهم صنعوا تغيرات كمية وكيفية في الوعي العام المصري وفي الثقافة المصرية عبر الصدمة الثقافية وعبر التراكم الإبداعي الغزير، وعبر الانتماء لقيم الثقافة الوطنية.

في القلب يقف صلاح عبد الصبور صاحب الناس في بلادي منارة للتنوير في الشعر والمسرح، وفي أقصى يسار الثقافة الوطنية يبقى أمل دنقل ليصدر في إبداعاته عن الأهرام المصرية ذات الطابع الرسمي.

لم يذهب بعيداً خارج الحدود وفتحت مصر له ولليسار الثقافي الباب على مصراعيه ليصبح أيقونة مصرية لا تتكرر.

عن هؤلاء المتكونين بمصر ولمصر أتحدث، دعني أعود قليلاً إلى محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر، خطوة للوراء بألف خطوة للمستقبل، وأحدثك أنه رفض أن يوقع على شهادة حسن السير والسلوك كي يعمل بالجامعة. 

إنه مختار صاحب الإذن الجمهوري النادر بأن يدفن في متحفه خارج كل المقابر، هكذا تقدر مصر أهل التنوير. من أشهر المأثورات عنه، أنه أشار إلى لحيته الصغيرة المميزة، وقال هذه اللحية لا يمكن أن تكون لشخص حسن السير والسلوك، بالطبع كان يمارس الإبداع رفضاً لأن يفتش أحد في خياله الحر وطمأنينة حريته الشخصية.

ومع ذلك بقي محمود مختار وسيظل رمزاً مصريا لا يتكرر.  ومن هؤلاء أيضا وبوضوح دال أتذكر هيبة يوسف شاهين وبصمته واحترام الدولة له مع حريته الشخصية وحرية أفكاره التي منحها لنفسه، فمنحنا فنا جميلا خالداً.

ومنهم أيضاً فاروق حسني الثقافي صاحب المشروعات الإبداعية اليسارية المنتمية لليسار الثقافي، رغم موقعه المتميز جداً في قلب السلطة السياسية والتنفيذية، وكثيراً ما كان يمارس تناقضا حاد في السلوك بين الوزير والفنان، لكنه كان تناقضا فاعلا أدى لتجديد حيوية الثقافة المصرية نسبياً، عبر ربع قرن تقريباً في وزارة الثقافة أنظر إلى رجاله فستجد كرم مطاوع عبد الغفار عودة د. فوزي فهمي محمد غنيم د. سمير سرحان وغيرهم.

وأنظر إلى أثرهم ومعاركهم وخلافاتنا معهم وأنظر إليهم في سجل مصر في باب الثقافة الوطنية. دعني أقول بوضوح إن مسألة تجديد الخطاب الديني هي جزء من مسألة أكبر هي تجديد الخطاب الثقافي، وأن الشعب المصري قام بتكوين قادة الرأي والإبداع الذين يتابعهم من كل الاتجاهات. 

وأن مجموعة تكوين هي مسؤولية وزارة الثقافة المصرية، فما هي تكوين؟ ولماذا تصمت وزارة الثقافة وهي الجهة المنوط بها التصدي لهؤلاء؟

ولماذا عطلت وزارة الثقافة قدرتها وقدرة مؤسساتها في التأثير الفعال في المجتمع؟ ثم ذهبت لصناعة المهرجانات.

إن مهرجان تكوين يحتاج إلى إجابات، ويجب أن يرد على أسئلة المتكونين منذ زمن بعيد في الثقافة المصرية، والسؤال الأول ما هي صفتكم كمؤسسة في المجتمع المدني؟ من يدفع ومن يقوم بالتمويل؟ فكلنا نعرف أن السلطة الاقتصادية هي التي تصنع الخطاب الثقافي. 

أسئلة مشروعة تحتاج لمن يجيب عنها، أما مجموعة تكوين فعليها أن تتأمل رموز مصر المستنيرة ، وكيف كانوا ينتجون النور؟  نور كان ولا يزال وسيبقى معبراً عن الثقافة المصرية الوطنية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز