
أروع الحكايات من أفواه المقاتلين على طول جبهة القتال
قلب مصر.. مع الذين رفعوا العلم

عدلي فهيم
اشترك في هذا التحقيق: فاطمة العطار كريمة كمال ماجدة الجندي مدحت السباعي منير مطاوع بكل ما في هذه اللحظات من فرحة وإيمان بالنصر. وبكل ما في نفس المصري من إصرار على الكفاح ورفض لاستمرار ما كان، تقدم الجنود على جبهات القتال ليرفعوا العلم، ويعلنوا للعالم كله أن علم مصر الخفاق لن يكف عن أن يظلل كل شبر من أرض الوطن. وهنا في الجبهة الداخلية تقف مصر، كلها درعًا واقية صلبة، تحمي قلب الوطن، وتمد شبابه المقاتل بالروح والدم والعزم الأكيد. تغير نبض الحياة، تدفق الدم في العروق بسرعة أكثر، اختفت أشباح الكآبة والخمود، وأصبحت لحظات الانتظار بين البلاغ العسكرى والآخر، لحظات قلق حي، وبحثًا عن دور ومشاركة فعالة. مع الموسيقى العسكرية والأناشيد التي يذيعها الراديو ترتسم أمامنا صورة جميلة للوطن وللجنود.. للوطن الحر والجنود المنتصرين. نحس بالخطر الذي يواجهونه يهب علينا نسائم حرية وأمل، ويرتفع الدعاء لهم بالنصر حاملًا لهم حرارة الحب والاستعداد للتضحية بكل ما نملك. إننا نجد أنفسنا نقول: لهم من الله النصر، ولهم منا الدعم والحب والتأييد بلا حدود. > في ساحة الأزهر: الزمان: بعد الظهر يوم 6 أكتوبر. فى وسط الميدان والميكرفون المعلق يذيع ما يذيعه راديو القاهرة، قطع الراديو إرساله العادى وأذاع البلاغ الأول. وكأن التاريخ قد عاد إلى هذا المكان الجليل، عادت ساحة الأزهر مربض الأبطال الذين قاوموا الحملة الفرنسية، وعادت أصداء نداء القتال الذي ترددت أصداؤه في 1956 «سنقاتل.. سنقاتل.. ولن نستسلم» ومع آذان العصر: نزل الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، يصلي في المسجد ويؤم المصلين، ومن فوق منبر الأزهر الشريف ألقى فضيلته أول نداء للجهاد: «إن هذه الحرب التي نخوضها الآن هي حرب مقدسة، الجهاد فيها لا يجب على المصريين وحدهم، ولكنه واجب على كل مسلم». ويلقى فضيلته درسًا في الجهاد. وفى خارج المسجد تتوالى البلاغات، ويتلاقى الناس بالأحضان، وتنطلق زغرودة من بائعة فقيرة جالسة على الرصيف عندما تسمع البيان الرابع بيان العبور. تتصاعد في أجواء الميدان مشاعر الإيمان.. والقوة والاعتزاز. > ترتفع حرارة الموقف أقدام ثابتة قادرة تخترق الصحراء. نيران المدافع هناك، لها هنا وقع النداء. أنها تنادي للفداء، تنادي المصري والمصرية لكى يكون على استعداد. إنها الحرب.. وبشائر النصر ترويها عزائم الرجال. > تنظيم الحماس: المكان مستشفى الهلال الأحمر. الزمان يوم الثلاثاء ظهرًا. لقد انقلب المكان إلى خلية نحل، مئات النساء والفتيات يرابطن هنا، وقد تفجرت في نفوسهن طاقات الحماس وجئن إلى هنا ليشاركن في المعركة. قرينة الرئيس أنور السادات، وهي رئيسة شرف جمعية الهلال الأحمر في وسط الجميع تثير الحماس وتنظم المسؤوليات الجديدة. ونسمع طفلًا يبكى ويصرخ، وتسمعه قريبة السيد الرئيس فتسأل فيقول الصبي: - لا يريدون أن يأخذوا الدم مني، يقولون إنني صغير، إن لي أخًا على الجبهة، وأريد أن أهدى له ولإخوانه قطرات من دمى، وتطلب قرينة الرئىيس من الأطباء أن يأخذوا منه 2سم لإرضائه واحترامًا لشعوره. > كل شيء.. للمعركة: فى إشارة المرمور، والعربات واقفة تنتظر، كان الصبى الصغير يقفز بين السيارات، يرتدي جلبابًا ويحمل في يده إناءً صغيرًا من السفيح في يده. اقترب من إحدى السيارات يعرض على سائقها خدماته، إنه يحمل الطلاء الأزرق للمبات العربات. لقد كان يعمل من قبل بائعًا للفل ولكنه هو الآخر حول نشاطه لخدمة المعركة. > دماء من السودان.. وفرنسا منذ عام 1912 ومستشفى الهلال الأحمر يخدم هذا الشعب، في السلم والحرب يقدم خدماته الجليلة، ومنذ 67 قسم الهلال الأحمر خدماته إلى خمس لجان: لجان المراسلات، لجنة التبرع بالدم، لجنة المستشفيات، لجنة الإيواء والإغاثة، لجنة الشغال التي تتولى أعمال الملابس. ولجنة التبرع بالدم التي ترأسها زكية حمدى ومهمتها الحصول على الدم وتنظيم إرساله للمستشفيات، أما لجنة المراسلات وترأسها السيدة مكارم طبوزادة، فمهمتها تنظيم تبادل الرسائل بين الجنود الأسرى والمواطنين المحتجزين في الأرض المحتلة، ويقدر عدد الرسائل التي تم تبادلها عن طريق هذه اللجنة منذ عام 1967 أكثر من مليون رسالة. وفي لجنة التبرع بالدم قالت السيدة إيناس الزاهر: «إن المتطوع يقدم ما بين 300 إلى 400 سم من الدم حسب تدفق الدم في عروق المتطوع». الدم هنا يعني حياة لجريح أو مصاب. ويعني أكثر من هذا.. أنه رمز الفداء والاستعداد للتضحية حتى النصر. في غرفة التبرع بالدم كانت هناك السيدة عزيزة مكي رئيسة اتحاد نساء السودان وقد تبرعت بدمائها ومعها طالبات سودانيات من الدارسات في مصر أنهن هنا معنا يقدمن لمصر دمائهن تأكيدًا لوحدة وادي النيل. ونحن جالسات في نفس الغرفة تقدمت فتاة فرنسية رقيقة تقول: - أنا سائحة فرنسية، فوجئت بتوقف الطيران فجئت إلى هنا إلى جمعيتكم أقدم دمي تعبيرًا عما أشعر به من حب وصداقة. اسمى جان ديفيتا دومنيك، وأعمل أخصائية لأشعة أكس في مستشفى فرانكو الإسلامي الفرنسى وقالت: إن هذا واجب إنساني على كل فرد بصرف النظر عن جنسيته أو دينه أو موطنه، إنني أقدم دمي لشعب يحارب من أجل حرية أرضه. > الأمل في النصر كبير: فى وسط صخب غرفات الدم كانت هناك السيدة ماجدة الشافعي قرينة نائب الرئيس، وهي عضو عامل في الجمعية منذ سنوات ولها نشاط اجتماعي وخيري معروف وتعمل رئيسة لجعمية بلادى التي تشرف على نظافة القاهرة، وقد حولت نشاطها الآن لخدمة المعركة، تقول: إنني أرى بشائر النصر، وأحس بقدومه، ونحن في البيت جميعًا تربينا على الإحساس بضرورة هذه المعركة، ومن الغريب أن ابني الأكبر أحمد الطالب بنهائي الكلية البحرية كان يزورنا في يوم إجازته قبل المعركة بأيام وكان يقول لنا إنه يريد أن يسرع الزمن لكي ينهي دراسته ويستطيع أن يسهم في معركة الشرف.. وها هو الله قد حقق له حلمه فهو دون شك سوف يشارك مع إخوانه طلبة نهائي البحرية في تحقيق النصر وتحرير الأرض.
> الطلبة يوقفون الدراسة في الجامعة الأمريكية.. وحفل النادي الأهلي يتحول إلى مظاهرة: في الجامعة الأمريكية كان الاجتماع حاشدًا في قاعة إيوارت. كان الطلبة يلحون في أن تصدر الإدارة قرارًا بوقف الدراسة حتى يستطيع الطلبة والطالبات التفرغ للتدريب وللتطوع في المقاومة. ووسط انفعالات الطلبة المصريين والعرب اتخذ القرار وتوقفت الدراسة وانطلق الجميع لكي يملأوا استمارات التطوع وينظموا دورات التدريب. وفي النادي الأهلي كان هناك حفل معد من قبل للاحتفال بتوزيع الجوائز على الفائزين في الأسبوع الرياضي السنوي، وصادف أن كان يوم الحفل هو أول أيام العبور فتحول الحفل إلى مظاهرة سياسية وتبادل الحاضرون الخطب الحماسية والنهائي. > بطولات.. بطولات: الجرحى العائدون في عيون الوطن. إنهم طلائع الفداء. لقد دفعوا قبلنا ما لا نبخل به على مصر. وهم في مستشفياتنا أسود تتمنى أن تعود إلى الغاب. إنهم أبناء مصر.. وأخوة الشهداء. المقاتل سيد بسلاح المهندسين وهو واحد من صنعوا بأيديهم الجسور التي عبرنا بها بر الهزيمة إلى بر الشرف والبطولة، ونسأله عن هذه الجسور فيقول: «لقد وضعنا الجسور وعبرنا أكبر الموانع الحربية فقد كانت هذه العملية شيئًا عاديًا اعتدناه وتدربنا عليه كثيرًا في مشاريعنا القتالية، ولم يكن علينا وقت التنفيذ إلا تطبيق ما سبق أن قمنا به من قبل.. وهنا حقيقة شعرنا بمدى أهمية تلك التدريبات كما شعرنا بمدى دقة قوادنا الذين خططوا لهذه العملية تخطيطًا دقيقًا».
> حتى لا ننسى القضية بموجب وعد بلفور وافقت بريطانيا- التي لم تكن تملك فلسطين- على إقامة وطن قومي لليهود فيها. في تلك الفترة- 1918- كان عدد سكان فلسطين 700٫000 نسمة منهم 644٫000 عربي و56٫000 ألف من اليهود فقط لا غير. وكان اليهود في تلك الفترة يملكون 2٪ فقط من مجموع الأراضي. > القضية.. والإنسان بعد 1948 احتلت إسرائيل 80٪ من أرض فلسطين وتبع ذلك تشريد 750٫000 عربي من أراضيهم غادر منهم 400٫000 البلاد قبل 14 مايو 1948.. وبين هذا التاريخ وتوقيع اتفاقية الهدنة الأخيرة، غادر فلسطين 350٫000 عربي. وقد أرغموا جميعًا على مغادرة أراضيهم. أصبح عدد المشردين الذين أصابتهم المأساة «1٫750٫000» مليون وسبعمائة وخمسين ألف لاجئ موزعين على المخيمات والبلاد العربية، منهم 874٫594 يتلقون وجبات غذائية من الأمم المتحدة كمعونة. > القضية، واللص الثقيل اسرق.. اهدم.. اقتل.. احرق، تلك هي الفلسفة التي يسير عليها أبناء صهيون، فإذا ما حاولنا أن نتذكر بعض ما حدث في عام 1967 سنجد سرقة بترول سيناء، الاستيلاء على المتحف الفلسطينى بالقدس، نسف 135 منزلًا بالديناميت والجرارات أمام حائط المبكى، حريق المسجد الأقصى وسرقة تاج العذراء، نهب مستشفى نابلس، هدم 850 مسكنًا في مدينة قلقيلية من مجموع المنازل الكلى وعددها ألفان، إبادة مدينة القنيطرة. وكان لقاؤنا بعد ذلك بالمقاتل زكريا. ويتحدث زكريا عن الروح المعنوية للمقاتلين فيقول: «كان كل مقاتل منا وقت الحرب قد أصبح بعشرة رجال، فصندوق الذخيرة الذي يحمله اثنان كان وقت الضرب يحمله رجل واحد وهو لا يشعر بثقل وزينه بل لا يشعر بأى شيء سوق تفكيره في إصابة هدفه في الصميم». ويقول المقاتل بدر وهو أحد أفراد قوة الصاعقة: «لقد عبرت في دبابة برمائية، وعلى الشاطئ الشرقى رفعنا علم مصر الذي كتبنا عليه «لا إله إلا الله».. وتوجهنا إلى النقاط المرسومة لنا تبعًا للخطة وسقطت كلها في أيدينا، وقد أصيب العدو بذهول عندما واجهنا وراح معظمهم يفرون كالفئران، أما الباقي فكانوا يستسلمون دون مقاومة. ويضيف بدر قائلًا: "إننا لم نفعل إلا أقل القليل ولم نقدم لمصر شيئًا يذكر مقابل ما قدمته لنا". وعلى إحدى الأسرة شابًا أسمر مفتول الساعدين ضخم الجسد تمتزج في وجهه ملامح الطيبة بأمارات الغضب، وهو دائمًا في حركة وكثيرًا ما ينادي على الأطباء بلهجة صعيدية أنه المقاتل «ناجح» من سلاح المدفعية. - أنت منين يا ناجح؟ - من سوهاج. - ومالك زعلان ليه؟ - أنا مش جادر أسمع الراديو وأنا جاعد في السرير.. عايز أشفي غليلي في الكلاب إلى جاعد مستنيهم من خمس سنين. ويبتسم ناجح ثم يقول: «تصوروا العيال الجبناء كانوا بيجروا جدام منا أول ما يشوفونا ماكنش بيفضل منهم إلا الجريح، واللى كان بيلاجي في نفسه عافية كان بيرمح وإحنا وراه لحد ما نمسكه». وتركنا ناجح وهو لا يزال ينادي على الأطباء بصوته الجهوري وبلهجته الصعيدية ويطلب منهم السماح له بالخروج. ومع أحد أبطال دفاعنا الجوى المقاتل عيد يقول: «عندما كنت أرى طائرات العدو فوقنا كنت أطلق الصاروخ وأقول النصر يارب، وفي إحدى المرات وعندما أسقطت طائرة بإصابة مباشرة أخذت أرقص من الفرحة حتى أصبت بإحدى الشظايا، وكأني لم أشعر بها فأخذت أضحك وأضحك. ومع بطل آخر من أبطال دفاعنا الجوي المقاتل صدقي الذي يقول: «لقد صنع العدو هالة دعائية حول قوة طيرانه هدفها إضعاف ثقتنا في أنفسنا ولكن كان إيماننا بالله أكبر وكانت ثقتنا في سلاحنا وفي قوادنا أكبر من أن تهزمها دعاية الأعداء. وجاءت الحرب فماذا كانت النتيجة؟ لقد ظهر الجبن الحقيقي للمقاتل الإسرائيلي لدرجة أن طياريهم كانوا يلقون حمولتهم قبل أن يصلوا إلى الأهداف لذلك جاءت كل ضرباتهم مشتتة وغير مركزة. ويضيف صدقي قائلًا: «لقد حاربت من قبل في سنة 1967 وأستطيع أن أقول لك أننا الآن نعمل وكلنا ثقة في القيادة التي تخطط بمنتهى الدقة ولهذا فنحن في الميدان كنا نشعر باطمئنان كبير لأننا تأكدنا من أن قيادتنا واعية». > انكمشت الأحراف أمام ما نطقوا به وانحنت الكلمات لمعانٍ قالها رجال رفعوا العلم فوق سيناء. ويشدنا صوت.. و«النبي لنرجعوا لهم تاني». الوجه أسمر والإحساس مصري واللهجة تقول إنه مقاتل من أبناء الإسكندرية على ذراعه وسام انتصار وفي الأخرى راديو يتابع به ما يجري. «والنبى ماني عارف نقولوا إيه.. وإلا نحكوا عن إيه.. ربنا كان معانا في كل خطوة «بعد العبور كنت أحس أني لم أترك موقعي.. المكان كأننا «نعرفوه» من زمان كل ما فيه مألوف.. طول ما كنا بنعبرو كنا بنغنو بلادي بلادي ونكبر الله أكبر ساعتها يا ريت كان لينا ميت عين وألف أيد عشان كنا نضربوا أكثر». ويسرح البطل مع ذكريات النصر ليعود إلى حديثي. «أول ما وصلنا شربت من مية القناة ومضغت تراب سينا.. والله مضغته وبلعته كانت أحلى شربة ميه.. الميه ساعتها كان ليها قيمة.. قيمة الحياة والنصر أنا مش عارف احكي لك بالضبط إيه.. أصل اللي حصل الواحد يحسه ومايعرفش يقوله». الكلمات تبدو ضيقة صغيرة.. أقزام أمام انفعالات عملاقة جاشت بها صدور الرجال «عند صدور الأمر بالعبور كان الكل يريد أن يعبر أولًا.. كثيرون من الأفراد عبروا عومًا إلى الشاطئ الآخر فالانتظار كان قاسيًا. «لقد كنت من أوائل الذين عبروا للاستطلاع زحفت ومن معي على رمال سيناء وفجأة ظهرت إحدى دبابات العدو تتقدم طابور دبابات.. لم يكن معنا سوى سلاح يحمينا حتى نستطلع لنعطي الإشارة لبقية الرجال.. اختبأنا بين الحشائش وتصيدنا من كانوا في الدبابة الأولى بمدافعنا الرشاشة.. لم أكن أول مرة أعبر فيها بل كانت الثالثة وكانت التالتة تابتة». ونلتقي بضابط بالجيش برتبة ملازم. تخرج منذ عام ونصف فقط.. وكانت المعارك الأخيرة بالنسبة إليه أول حرب يشترك فيها.. وكانت تجري البطولة في دمائه فهو من المدينة الخالدة بورسعيد. «كنت أول فرد من فرقتي أعبر.. ساعة العبور أخذنا نكبر ونغني بصوت واحد». قال وابتسامة الاستهانة بجروحه تسبق كلماته.. هذه كلها إصابات سطحية.. بعد إصابتى لم يكن لدى أي إحساس بالألم وقمت بربط جروحي بنفسي.. لكن الذي شعرت بالحزن من أجله أنني حرمت من إكمال مهمتي. ومحمد صف ضابط.. قال وهو يصف دوره في المعركة.. «كان عملي يقوم على تأمين قوات العبور.. كنت أقاتل على ضفتنا ومنذ اللحظة الأولى شعرت باختلاف الأمر عما حدث في عام 1967. «بعد إصابتي مباشرة رأيت طائرة العدو تسقط أمامي وهي محترقة تمامًا.. كنا نصفق بأيدينا ونحن مجروحين.. عندما علمنا أن أعلامنا رفعت.. ارتفعت معها معنوياتنا إلى أقصى درجة». وحسنين.. جندي مجند بالجيش وكان يعمل قبل ذلك مدرسًا لمادة التربية الفنية.. يحكي عن بداية المعركة فيقول: كل طلقة كنا نطلقها كنا نطلق معها تكبيرة.. عندما توغلت اثنى عشر كيلو داخل سيناء أصبت ولكنني لم أشعر بشيء واستميت في القتال ولم أدرك أني أصبت إلا بعد ساعتين عندما قمت لأحضر ذخيرة فشعرت أنني لا أستطيع الحركة، لكن الحمد لله لم تأتِ دبابة من عندهم وعادت سليمة». وعبدالرازق، عريف مجند من قويسنا. >>>>>>>
> وكل شيء الكلمة والفعل القلم والسلاح كلها أسلحة، وجميعها متاحة ومشرعة حتى النصر. لقد غير القرار واقع الخريطة وواقع النفس. أحس الجند الذين عبروا إلى سيناء وأحسسنا معهم- أنهم مقاتلون أكفاء. وأكد الجند في الجولان وفي سيناء أن واقع الهزيمة كان صدءًا يعلو جوهر الأمة العربية. وأن الصور المشبوهة التي كانت تنشر عن مصر وعن الأمة العربية هي خطة تحالف عليها أعداء التقدم والإنسان، لكي نبقى أسرى للتخلف والاستغلال. محافظة المنوفية.. لم يكن قد مضى على وصوله إلى المستشفى أكثر من نصف ساعة قال: «لقد أصبت داخل سيناء.. أتمنى أن أعود مرة أخرى.. لو صدر قرار بعودتي للقتال فأنا على استعداد، الحمد لله الإصابات بسيطة وسطحية.. لقد رفعنا العلم وكتبنا عليه لا إله إلا الله.. الاحقيقة التخطيط كان حلو جدًا». جندي مجند.. سعيد.. كان يعمل ترزيًا بالقاهرة.. ودائمًا بداية الحديث عن العبور. قال: كنا أول من عبر القناة.. لم يكن هناك شك في أننا سننتصر.. كان لدينا إحساس أننا حنعدي وحناكلهم.. عندما كنا نتقدم شبرًا كنا نشعر أننا نريد عشرة.. ولم نكن نستمع إلى الأخبار لأننا كنا نصنعها بأيدينا. بدير: جندي مجند.. كان يعمل قبل ذلك ميكانيكيا في كفر الشيخ.. يحكي قصة الأسر لعدد من الإسرائيليين.. يقول.. بعد أن عبرنا القناة بمسافة.. رأيت مبنى كنا نظن أنه خال من العدو لكنني شعرت بخيال شخص يتحرك في إحدى النوافذ، بعد أن دخلنا المبنى وبحثنا كان هناك بالداخل ثلاثون إسرائيليًا ودارت معركة ألقى أحدهم في خلالها قنبلة أصابت أذنى فقط وبعض الشظايا.. وقتلنا واحدًا وعشرين وأسرنا التسعة الباقين منهم. >>>>>>>>>>>
> الموقف والسلوك
لقد جاء قرار الحرب ليعد الثقة في نفس والثقة في المستقبل ولكي يعيد ترتيب المعاني والقيم التي هزتها مرارة الانتظار. الآن وقد اتخذت الحركة اتجاهها الصحيح، وتوقفت الدوامة عن أن تدير الأشياء والرءوس، فإن سلوكًا جديدًا، وإدراكًا جديدًا يبزغ في قلوب الناس. إحساس المشاركة والترابط، إحساس الجد والإصرار. ليس هناك عيب فينا يحول دون الانتصار، التخلف الذي نعاني منه في بعض نواحي الحياة فرضته علينا الظروف وليس فيما نواجهه شيء مستحيل. لقد صنع هذا كله القرار الذي صدر، والعبور الذي تم والمدافع التي انطلقت في أجواء سيناء ومرتفعات الجولان. في الداخل تعدلت كثير من طرق التعامل والتفكير. وآن الأوان لكى تختفي صغائر كثيرة- في الواقع وفي النفس- تربت ونمت في سنوات الانكسار. آن للمصري أن يعرف عمله ويؤديه في دقة المسؤول وبراعة الخالق. آن للعربي أن يتخلص من أوهام شتى ومخاوف متوارثة. طريقنا واحد للنصر وللحرية وللتقدم. إرادة أمتنا واحدة لا تتجزأة ولا تهزم. .. كلام كثير، وتحليلات شتى، وتهاويم وأساطير نخلعها جميعًا كما يخلع المريض ثيابه ليرتدى ثياب العافية والشفاء. فرح.. وميلاد.. وحياة جديدة. ويعود للشيء معناه. للكلمة للفعل. للقلم للسلاح. .. وتعود جميعها أسلحة مشرعة خلفة العلم والقائد حتى النصر. «علاء الديب» >>>>>>>
> القضية.. والغرور وصدقت إسرائيل كذبتها.. وتصورت أسطورة قوتها التي لا تقهر.. فرفضت كل قرار أصدرته الأمم المتحدة منذ عام 1948، فرفضت 23 قرارًا خاصًا بمعاملة المدنيين داخل الأرض المحتلة وحقوق اللاجئين، ورفضت قرارًا خاصًا بإيفاد ممثل خاص إلى الأراضي المحتلة ليقدم تقريرًا عن حالة المدنيين هناك، ورفضت القرارات الخاصة بمدينة القدس وإلغاء جميع الإجراءات التي اتخذتها، ورفضت قرار مجلس الأمن الخاص بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة. ورفضت ثمانية قرارات خاصة بانتهاك وقف إطلاق النار منذ 1967 وحتى 1969، ثم جاء يوم 6 أكتوبر وبدأت طلائع الفجر الجديد. «نجاح عمر» >>>>>>>>>
> وكل شيء بأوانه ما أروعها لحظات الانتصار!.. انتصار مصر في هذه الأيام. وما أشقاها أيام الماضى بقسوتها ومرارتها على مصر. وأنا قد عشت مرارة الماضي منذ شهور قليلة.. تجسدت أمام عيني عندما زرت بورتوفيق على شاطئ القنال.. وشاهدت الدمار والخراب.. كما شاهدت أيضا الغرور الإسرائيلي على الضفة الشرقية، وفوق رأسه علم إسرائيل يرفرف. حينئذٍ خنقتني الدموع حتى أذابت الكلمات على شفتي.. وخيل إليّ أنني سجين خطواتي ومشاعري وكلماتي. وكان مرافقي أحد جنودنا البواسل على الجبهة.. هو الذي يصحبنى وعندما فاجأته مشاعرى ربت على كتفي مبتسمًا بكل ثقة.. وبكل اعتزاز قائلًا: - الصبر طيب يا صديقي.. الأرض بتاعتنا ولازم حنرجعها.. كل شيء بأوانه. عدت يومها من السويس تغمرني الثقة والتفاؤل والأمل بالرغم من كل ما شاهدته من تدمير وخراب بأيدي إسرائيل.. شيء واحد عدت به من الجبهة أن العدو فشل في تدمير ثقتنا وإرادتنا وصلابتنا وصمودنا. وبعد هذه الشهور القليلة من زيارتي إلى الجبهة تجسدت إرادة القتال باللحظة الحكيمة التي اختارها قائدنا الرئيس أنور السادات لصد اعتداءات إسرائيل. فعبر جنودنا البواسل القناة.. دمروا تحصينات خط بارليف.. هرب بعض جنود العدو الإسرائيلي.. واستسلم البعض الآخر.. وسقط علمهم.. ورفع جنودنا علم مصر خفاقًا مضيئًا. وعند سماع نبأ رفع العلم المصري على مواقعنا بسيناء.. خنقتني الدموع.. ولكن في هذه المرة كانت دموع الفرح.. دموع الانتصار على الظلم.. واسترداد الحق المغتصب بفضل قرار الرئيس السادات وشجاعة المقاتلين المصريين الذين لم يفقدوا ثقتهم لحظة واحدة.. ولن يفقدوها أبدًا.
مجلة صباح الخير 929 أكتوبر 1973