

جمال عبدالصمد
سرق الأيدي الحرفية .. واغتال المهن التراثية
"الصنايعي أو الأسطى" هو العامل الذي يمتهن حرفة يعتمد من خلالها على يده وخبراته السابقة التي اكتسبها منذ بداية عمله كمساعد مبتدئ، مرورًا بمساعد حرفي، وصولًا إلى صنايعي يؤدي مهنته بحرفية وتميز، بالإضافة إلى أنه يبدع ويظهر لمساته الفنية ومهاراته المختلفة في بعض الأعمال المكلف بها.
أصحاب الحرف "المعمارية" لهم مكانة وقيمة وأهمية في مجتمعاتنا، خاصةً بقطاع البناء والتشييد والتعمير، وهذا يعود إلى أن مهنتهم ذات أصول تاريخية تتوارثها الأجيال منذ القدم، حيث يعتمد هؤلاء المعماريون على ما لديهم من مهارات وخبرات السنين التي تؤهلهم إلى تحمل مسؤولية تنفيذ الأعمال التي تسند إليهم بالشكل الذي يرضي صاحب العمل.
إلا أن الركود في سوق المعمار أدى إلى هروب الكثير من الأيدي العاملة "الصنايعية" إلى وظائف أخرى، حيث لجأ العديد منهم إلى مهنة سائق التوك توك التي أغرتهم بكثرة أموالها، حيث أصبحت يومية سائق التوكتوك أعلى من يومية الصنايعي، الأمر الذي جعل العديد من أصحاب المهن الحرفية يعزفون عن عملهم الأساسي ويذهبون إلى وظيفة مربحة، لا تحتاج إلى مجهود بدني مثل الذي يقوم به أثناء العمل بالمعمار، لهذا لجئوا إلى تلك المهنة بهدف جني المال على حساب الصنعة التي تعلموها على مدار سنوات حياتهم.
استغل عالم التكاتك رفض العديد من الصنايعية العمل بالمدن الجديدة التي تستحوذ على نصيب الأسد من الوظائف في مختلف المهن والأعمال الحرفية، وقاموا بإغراء الكبير والصغير بالمال الذي يتقاضونه خلال اليوم الواحد، بالإضافة إلى أن مهنة سائق التوكتوك مستمرة على مدار العام، وكانت النتيجة تطبيقًا للمثل القائل "الزن على الودان أمر من السحر"، واستسلم العديد من الأسطوات وأصحاب المهن الحرفية والمعمارية إلى الإغراءات المالية التي فرضها عالم التكاتك عليهم.
بعد استعراض دور وقيمة الصنايعي والأسطى من أصحاب الحرف اليدوية، وبعد أن تم الكشف عن أسباب عزوف العديد منهم عن مهنتهم بهدف جني أموال أكثر وبأقل مجهود، نجد أن أصابع الاتهام تشير إلى التوك توك كمتهم أساسي ورئيسي في قضية تهديده الحرف اليدوية والتراثية، بالاندثار وطمس معالم الصنايعي والحرفي، والتي تشكل جزءًا مهمًا لا يستهان به من الهوية المصرية.
الجدير بالإشارة أن هناك مهنًا وحرفًا بدأت تتجه نحو الاختفاء وطمس معالمها، ويرجع ذلك لأسباب عديدة على رأس تلك الأسباب استقطاب التكاتك لهم، بالإضافة إلى رفض أصحاب المهن توريث الحرفة والصنعة لأولادهم أو أحفادهم، وأصبح عمال الحرف التراثية عملة نادرة، ومن هذه الحرف: صناعة السجاد اليدوي، ودبغ وصبغ الجلود، ونحت ونقش الخشب، وتشكيل المعادن، وصناعة الفخار، ولم تكن هذه المهن فقط التي تأثرت بعزوف عمالها عن المهنة، بل إن هناك حرفا يدوية أخرى أصبحت مهددة أيضًا بالانقراض مثل: النقاشة، النجارة، السباكة، والمحارة، الحدادة، وميكانيكا السيارات والسمكرة والسباكة وغيرها من الأعمال والمهن المهددة بالاختفاء.
في النهاية وبعد أن تيقنا من وجود كارثة محققة على يد المركبة العشوائية "التوكتوك" التي قامت بغزو محافظات مصر واخترقت القانون والشكل الحضاري، ليس هذا فقط بل تريد أن تقضي على ما تبقى من أصحاب المهن الحرفية والتراثية، لهذا أناشد المسؤولين بسرعة وضرورة عودة إدارة عجلة البناء والمعمار داخل المحافظات والمدن والأحياء للحفاظ على ما تبقى من الأيدي الشغالة.
وأخيرًا وليس آخرًا أنوه بأن الصنايعي الذي يتوفاه الله لا يستطيع سوق العمل أن يعوضه مرة أخرى، لذلك علينا أن نواجه مافيا التكاتك بكل قوة وحزم، حتى لا يأتي اليوم الذي يختفي فيه العامل والصنايعي المصري الذي يعد من أمهر العمال بالعالم.. حاسبوا التكاتك التي سرقت الأيدي الحرفية، وتسعى لاغتيال المهن التراثية.