عاجل
الخميس 11 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المصريون يحاولون الانتقام!

الهجرة غرام.. أم انتقام 4

المصريون يحاولون الانتقام!

استعمرت انجلترا مصر ٧٣ عاما وتسعة أشهر وسبعة أيام!



وكانت مصر بالنسبة لبريطانيا مثل الأوزة التي تبيض ذهبًا، أكلوا من خيراتها، ونهبوا ثرواتها، وكما حدث مع الهند وحولوها إلى دولة مستدينة، حدث مع مصر لم يكن امامها خيار سوي أن تقترض منهم، وحولوا رخاءها إلى جوع وفقر، إن ما يحدث اليوم في بريطانيا نتيجة ظلم السنين، وانتقام لشعوب استعمرت وظلمت شعوب، ونهبت ثرواتها وخيراتها.  

 

والقصة تعود إلى عام 1883 عندما صدر ما يُعرَف بالقانون الأساسي، الذي يُعَدُّ بمثابة القواعد التي قامت عليها الإدارة البريطانية في مصر، وكان اللورد دافرين سفير بريطانيا في الأستانة قد وضع خطوط هذا القانون، وذلك بعدما فقدت مصر استقلالها بدخول الجيش البريطاني وحَلِّ الجيش المصري وتشكيل جيش جديد تحت إشراف بريطاني.

 

بقت السلطة في يد الخديو ووزرائه، ولكن تحت إشراف بريطانيا، وكان هذا يعني وجود سلطتين في البلاد: صورية يمثِّلها الخديو، وفعلية يمثِّلها الاحتلال البريطاني، وقد عُيِّن السير إيفلنج بارنج الذي عُرِف فيما بعد باللورد كرومر، أول مُعتمَد بريطاني في مصر، وقد ظلَّ كرومر الرمز للوجود البريطاني في مصر حتى رحل عنها في 1907.

 

استطاعت بريطانيا بجيش قوامه 50 ألف جندي احتلال مصر وإنهاء الثورة العرابية، لكن هذا العدد سريعًا ما انخفض إلى 3 آلاف جندي فقط، ولم يرتفع إلى 6 آلاف جندي إلا عام 1893 مع صدام الخديو عباس حلمي مع اللورد كرومر بإبداء النصح لبريطانيا بألا تتولى حكم مصر مباشرةً وإدارتها، لأنها لو فعلت ذلك فإنها تثير سخط المصريين وكراهيتهم وتكون عُرضة للدسائس والمؤامرات، فتضطر إلى الجلاء بشروط مُهينة، أو تضطر إلى ضم مصر إلى الإمبراطورية (وهو ما يكلفها عداء ذئاب أوروبا)، ولهذا فعلى بريطانيا إعداد المصريين لأن يحكموا أنفسهم في ظل الصداقة البريطانية. الحكم غير المباشر الذي يقصده اللورد الإنجليزي يعني إعداد نخبة وطنية رسمية ترتبط مصالحها بمصالح الاحتلال لكي تتولى الحكم، وتحل محل الاحتلال، حتى لا يشعر الأهالي بأنهم يخضعون لمحتل أجنبي. 

 

بعدها استفاد البريطانيون من الانقسام السائد بين صفوف الأمة، الذي تسبَّب في إفشال الثورة العرابية، فأصبحت مصر غنيمة سائغة لجيش الاحتلال البريطاني. وسارت الأمور قُدمًا حتى أصبح البريطانيون هم الحكَّام الفعليين للبلاد؛ حيث تركَّزت السلطات كلها في يد المعتمد البريطاني، وظهر ذلك من خلال التصريح الذي صرَّح به اللورد كرومر: "إننا لا نحكم مصر، بل نحكم مَن يحكمون مصر".

لم يستعمر مصر الانجليز فقط، فقد استعمرها الفرنسيون أيضا، وقد تختلف السياسة الاستعمارية البريطانية عن نظيرتها الفرنسية ولكنهما وجهان لعملة واحدة. فكلاهما يغتصب أراضي الغير ويشرّده ويفتك بمحاصيله. ولئن اهتمت فرنسا بنشر ثقافتها وقتل الثقافات الأخرى، بحثت بريطانيا عن الأموال والأسواق والبضاعة واهتمت أكثر بتحرير التجارة وباستغلال الأراضي التي استعمرتها في زراعة الأرز والقطن وغيرهما.

 

 

كانت مصر أكثر البلدان الشرقية رخاء بحيث بلغت حاجات المعيشة من الرخص حدًا لا يتصوره العقل حتى كانت أجرة العامل العادية اليومية، وهي قرش واحد، تقوم على سعة بحاجة أسرة قروية بأسرها، في عهد محمد على وعباس الأول وكان العمل في إنشاء السكك الحديد والقناطر الخيرية الشهيرة سائرا بهمة عظيمة، فحفرت ترع جديدة، وأدخلت في مصر لأول مرة الأسلاك البرقية والآلات البخارية الرافعة، كان محمد علي بحكم خبرته التجارية كتاجر دخان أدرك على الفور ما تمتلكه مصر من ثروات عديدة، ممكن من الاستفادة منها إلى أقصى مدى، فاصدر نظامًا جديدا للاحتكار، واستغل في بداية حكمه القحط الشديد في بعض دول البحر الابيض المتوسط وانجلترا والدولة العثمانية، واحتياج هذه الدول للقمح المصري وبكميات كبيرة، وباع محصول القطن لحساب الحكومة، ولأن مصر أساس ثروتها الزراعة، ونبات القطن موجود بمصر منذ عهد الفراعنة، وليس نباتًا جديدا على الأرض المصرية، فملك الأراضي، وأدخل زراعات جديدة، وكان له مقولة "الزراعة والفلاحة يعود نفعها على الملة والملك"، واتسعت زراعة القطن حتى بلغت 35% من مساحة الاراضي المزروعة، ومنح المسيو دى لسبس إجازة إنشاء قناة السويس. ولما قامت الحرب الأمريكية اغتنم زراع القطن المصريون هذه الفرصة الثمينة السانحة فضاعفوا صادراته في سنتين وباعوها بنحو ثلاثة أمثال سعرها الأول. إلى ان احتلت مصر من قبل الانجليز. 

 

وكانت صناعة الغزل والنسيج القوة الدافعة لمشروعات التصنيع، وطرح القطن المصري على السوق العالمي، وكانت كمية القطن المصدرة لإنجلترا هي الأعلى، إلى جانب شراء القمح المصري، وحتى اليوم يستغل مصنعو الملابس في العالم شهرة القطن المصري للترويج لمنتجاتهم. 

 

وتحول الاقتصاد المصري إلى اقتصاد ريعي مرتبط بسلعة واحدة وهي القطن، وكيف أثر ذلك على الرخاء الاقتصادي في البلاد وتأثره سلبًا وإيجابًا بارتفاع سعر القطن أو انخفاضه، أو حركة التجارة الدولية وتقلباتها، استمرت تجارة القطن في ازدهار، إلى بداية الكساد العظيم إلى أدى الانهيار المدمر المفاجئ لأسعار السوق الامريكية. 

 

كانت أسواق المال الأميركية- مكان الانطلاق- أول ضحايا الأزمة، وتم التأريخ لها بانهيار بورصة نيويورك في حي المال أو وول ستريت يوم 24 أكتوبر عام 1929 الذي أطلق عليه "الخميس الأسود"، وتبعه "الثلاثاء الأسود" يوم 29 أكتوبر من السنة نفسها، وحدث ذلك بسبب طرح 13 مليون سهما للبيع لكنها لم تجد مشترين لتفقد قيمتها. وقد كان للكساد العالمي آثار كارثية على الدول المتقدمة والدول النامية التي كانت لا تزال ترزح تحت نير الاستعمار، كما تأثرت التجارة العالمية بشكل كبير وكذلك الدخول الفردية في العالم وعائدات الضرائب وأسعار السلع وأرباح المؤسسات المالية والشركات.

 

وقد كان لهذه الكارثة الاقتصادية آثارها القوية في مصر على الاقتصاد المصري، باعتبارها إحدى المستعمرات التي تدور في فلك انجلترا إحدى دول المركز، وأيضا لارتباط العملة المصرية بالاسترليني، وعلى ذلك فقد كان ما يصيب العالم من خبر أو شر ينعكس على الاقتصاد المصري، وقد ظهرت أولى آثار الأزمة الاقتصادية في مصر على شكل انخفاض رهيب في أسعار القطن وصعوبة بالغة في تسويقه، وتأثر به الريف خاصة في فترة الكساد العالمي الكبير. 

 

وقد ظهرت أولى آثار الأزمة الاقتصادية في مصر على شكل انخفاضٍ رهيب في أسعار القطن وصعوبة بالغة في تسويقه، وليس مثل القطن من محصولٍ زراعي لعب دورًا خطيرًا في التأثير على تاريخ مصر الاقتصادي. 

 

وهنا أشير إلى أن القطن شغل 22.4% من المساحة المنزرعة عام 1913، مقابل 11.5% عام 1879، وزاد محصول القطن من مليون و818 ألف قنطار إلى 6 ملايين و250 ألف قنطار بين عامي 1884 و1908، كما ارتفعت قيمة الصادرات القطنية من 6 ملايين و424 ألف جنيه إلى 17 مليونًا و91 ألف جنيه أثناء الفترة نفسها، وهو ما يمثل 67% من مجموع الصادرات عام 1884، و83% عام 1906.

 

 

تكبد تجار القطن خسائر فادحة من صفقات تصدير القطن استمرت لأربعينيات القرن الماضي. وما زالت ذاكرتي رغم صغر سني وقتها كطفل تحتفظ بما كان يحكي عن معاناة جدي "واصف" الذي كان من صغار ومتوسطي تجار القطن الذين عجزوا عن توريد الكميات المطلوبة في التوقيتات المحددة بعد ما اصابهم من خسائر لمجموعة شرائية عملاقة تم الاتفاق بشأنها بينه وبين محمد أحمد فرغلي ملك القطن الذي كان أكبر مصدر، يصدر 15% من إجمالي المحصول المصري من القطن. واضطر الجد أن يترك منزله في شارع عماد الدين ليسكن شقة صغيرة في شارع محمد الصغير بمصر القديمة .

 

أثرت الأزمة الاقتصادية على قدرة المصريين على الحفاظ على ممتلكاتهم العقارية، وتدخل المرابون الأجانب لاستغلال الموقف والاستحواذ على المزيد من الأراضي الزراعية المصرية، وكذلك كيف دفعت تلك الأزمة النخبة الوطنية المصرية إلى المطالبة بعدم الاقتصار على القطن وحده، وتنويع الاقتصاد المصري، والاتجاه نحو التصنيع.

 

 

قصة الاستعمار الانجليزي قصة طويلة استمرت أكثر من سبعون عامًا أصبحت مصر غنيمة سائغة لجيش الاحتلال البريطاني. وسارت الأمور قُدمًا حتى أصبح البريطانيون هم الحكَّام الفعليين للبلاد؛ حيث تركَّزت السلطات كلها في يد المعتمد البريطاني. قصة درسناها وعرفناها خلقت مرارة، وظلما قديما له طريقته لإبقائنا عالقين في مساراتنا، وكان لا بد من يوم معلوم تترد فيه المظالم، دفعتنا للانتقام ممن ظلمنا. 

 

واستعير من أستاذنا الكبير نجيب محفوظ عبارة تنطبق على حكايتنا عن مستعمر السبعين عامًا من افتتاحية روايته الشهيرة اولاد حارتنا، ومعبرة عن مشاعر الظلم "الناس تحملوا البغي في جلد، ولاذوا بالصبر واستمسكوا بالأمل، وعانوا آلما أضر بهم العسف قالوا: لابد للظلم من آخر، ولليل من نهار، ولنرين في حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب". 

 

كلمات ليست وصفًا لزمن الاستعمار، ولكن تعبير صادق لحالة الظلم والمهانة التي عاشها شعبنا، إلى أن قام الضباط الاحرار بثورة 1952 .

 

 

هناك قصص نجاح لمهاجرين من رحم الازمات، بعض من هاجر اراد الانتقام، ممن استعمروه، ونهبوا ثروات بلاده بصورة ايجابية، أراد الانتقام بنجاحه، واثبات الذات، فالنجاح هو أفضل انتقام من كل ما ظلمنا واعتدى على حريتنا، ولم يقم لنا وزنًا أو تجاهل وجودنا في الحياة ….. ومهاجرون الامل والاصرار يلازمهم، يحلمون بما يريدون تحقيقه، شقوا الطريق ووصلوا، وحققوا احلامهم وتحقيق طموحاتهم، هناك من أكمل تعليمه، فأتاحت لهم الحياة الجامعية اكتشاف ثقافة مغايرة، وضرورة الحوار والتواصل للاندماج في المجتمع. 

 

حكايا عمن كان بالأمس البعيد محتلًا يكافح لنيل حريته اصبح ناجحًا ومن اغنياء الدولة التي احتلته، كثيرين منهم الاطباء د. أحمد ابو شادي، د. فايز بطرس، رشدي صبحي، رجل الاعمال محمد الفايد المالك السابق لمتجر "هارودز"، ناصف ساويرس في نشاط في الانشاءات ولديه استثمارات ضخمة اشهرها نادي أستون فيلا الإنجليزي وغيرها في الصناعات الكيماوية،  د. نعمت مينوش شفيق رئيس كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وكانت مرشحة لرئاسة بنك انجلترا أحمد حسين لطفى أحد المستثمرين المصريين والرئيس التنفيذي لشركة متخصصة في تطوير محتوى الوسائط المرئية، كما يرأس شركة بناء، عاصم علام يمللك ويدير شركة متخصصة في إنتاج المولدات الكهربائية، رجل الاعمال علاء عرفة رئيس مجموعة عرفة للملابس الجاهزة الذي يمتلك المجموعة الانجليزية "بيرد"، الخبير السياحي حامد الشيتي، و…. 

وعنهم وعن غيرهم سأواصل الحكي.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز