عاجل
الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. عادل القليعي يكتب: أيها المحتكرون.. كفاكم.. قفوا عند منتهاكم

نعم هو حالنا وحال العالم من حولنا لا يخفى على أحد، أزمة اقتصادية طاحنة تضرب العالم، تتفاوت شدتها وحدتها حسب اقتصاد كل دولة، وتأثيرها واضح جلي لا يخفى على أحد، لكن كيف الخروج من هذه الأزمة؟



الحلول لا تكمن في كثرة الكلام والقيل والقال، وإنما لابد من مواصلة العمل، لإنجاز الحلول الاقتصادية، يقوم بها خبراء اقتصاديون، لمواجهة التحديات الاقتصادية، لكن إن جاز لي القول فسأتحدث عن الاحتكار الذي هو أحد أسباب ارتفاع الأسعار في بلدنا الحبيب مصر. فما هو الاحتكار، وما أنواعه وصنوفه، وما حكم الشرع في المحتكر، وما آثاره على الفرد والمجتمع، وما هي سبل التصدي له؟ الاحتكار لغة من الحكرة وهو السيطرة.

واصطلاحًا هو حبس الطعام أو كل ما يضر الناس أو يعسر عليهم وقت الحاجة الماسة حين تكون قليلة أو نادرة حتى يرتفع ثمنها فيعرضها للبيع. ثمة عوامل تساهم فى الاحتكار، أولها: إنتاج سلعة معينة غير متوفرة في السوق.

وثانيها: أن يكون الشيء المحتكر طعاما من أطعمة الناس الأساسية، ما يترتب عليه ضرر جسيم بالمواطن في سلعه تقوم عليه حياته. ثالثها: أن يكون المحتكر قد اشترى هذا الطعام وخزنه انتظارا لارتفاع أسعاره، ثم يضخ بسعر أعلى من قيمته الحقيقية.

رابعها: غياب الرقابة على الأسواق. ومن ثم وجب تكثيف الحملات التفتيشية التي تتميز بالنزاهة والشفافية، والتي حتما ولابد أن يكون اختيار أفرادها بإتقان.

وكذلك متابعة منافذ صرف التموين للناس، منعا لخروج السلع التموينية من الأبواب الخلفية لبيعها في ما يسمى بالسوق السوداء، ما يجعل المواطن يئن من غلو الأسعار، ويلحق ضررا اقتصاديا جسيما بالبلاد، ليس هذا وحسب بل سيكون له آثار اجتماعية سلبية على المواطنين، حيث يتفشى الحقد والحسد والكره، والإشاعات عن الدولة بأنها عاجزة عن توفير القوت الضروري للأسر، ومن الممكن أن تنتشر رذيلة السرقة والسلب والنهب بين أفراد المجتمع، فمن لا يجد قوته وقوت أسرته ماذا سيفعل، سيمد يده.

وهناك شواهد من التاريخ على ذلك كثيرة لا داعي لسردها حتى لا نصيب الناس بالإحباط، وإن شاء الله تعالى لن يحدث ذلك في بلادنا، شريطة أن تتشابك كل الأيدي ونلتف حول بعضنا البعض الغني يعطي الفقير، بما يحقق تكافلا اجتماعيا وتعاونا على البر والتقوى، ولنا في عبد الله بن المبارك الأسوة والقدوة الحسنة، عبد الله بن المبارك الذي عطل حجه وأعطى نفقاته لسيدة كانت تطهو دجاجة جمعتها ميتة من القمامة لأولادها.

أيضا لابد أن نقف بجانب الحكومة، ونساعدها في الكشف عن هؤلاء التجار الجشعيين المحتكرين بالابلاغ عنهم فورا، فكل من بجواره جمعية استهلاكية وارتاب في ما يحدث فيها فعليه بالابلاغ عنها فورا، كل من يرى تاجرا مغال رافعا للأسعار بزيادة مبالغ فيها فعليه فورا بالابلاغ عنه من باب درء المفاسد، ومن باب من رأى منكم منكرا فليغيره، وإن كنت تخشاه أبلغ المسؤول دون أن تعرف بنفسك.

وأقول لهؤلاء المحتكرين أما آن لكم أن تتوبوا إلى الله وتستغفرونه، أما تعلمون أن الاحتكار حرام ومنهي عنه بأحاديث صحيحة عن النبي ﷺ (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، إذ لا يجتمع الإيمان في قلب محتكر احتكر قوت الناس وسلعهم الأساسية.

ثم لماذا تحتكر، ألجمع الأموال الطائلة، نسيت قول الله، (ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم)، فلن تغني عنكم الأموال، لا فى الدنيا ولا في الآخرة، فى الدنيا ستتركونها وسيرثها ولد فاسد سينفقها فى الأمور التافهة، وفى الآخرة ستحمى عملاتكم في نار جهنم فتكوى بها جباهكم وجنوبكم وظهوركم، جراء ما كنتزتم من حرام.

فالحكمة من تحريم الاحتكار هي رفع الضرر عن عامة الناس، يقول الإمام مالك: رفع الضرر عن الناس هو القصد من التحريم، وفي رفعه رفع للحقد والحسد والضغينة بين الناس. وأكرر وأشدد على أن الاحتكار منهي عنه في الشرع الإسلامي لما فيه من الإضرار بالناس والتضييق عليهم، واتفق العلماء على حرمته واستدلوا بقوله تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) سورة الحج الآية ٢٥.

وعن أبي يعلى بن أمية، أن رسول الله ﷺ قال: (احتكار الطعام فى الحرم إلحاد فيه) فالاحتكار جرم كبير كما ذكرت سلفا، جريمة دينية واقتصادية واجتماعية، بل هو ثمرة من ثمرات الانحراف عن منهج الله القويم الذي يرسم طريق السعادة للإنسان ويحقق العدل والمساواة بين بني البشر.

أما صور الاحتكار فهي كثيرة، فهي ليست مقصورة على الطعام والشراب والسلع، وإنما ١- في كل ما يحتاجه الناس من مال وأعمال ومنافع.

٢-احتكار العلم، فالعلم ليس حكرا على أحد، لكن يضن ويبخل بعلمه ولا يؤدي زكاة علمه فيكتمه عن الناس ولا يعلمهم ويجعلهم دوما في حاجة إليه، كما يفعله بعض المعلمين، فلا يعطون العملية التعليمية حقها في فصولهم ويضنون على تلاميذهم من أجل الدروس الخصوصية.

وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ تدل على تحريم الاحتكار منها (من دخل في شيئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم ، كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة)، وأيضا قوله (من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ، والخاطئ هو المذنب العاصي لله تعالى)، وقوله ﷺ (من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والافلاس)

تلك هي عقوبة المحتكر الذي يتلاعب بأقوات المسلمين وغير المسلمين. وبعد فيا أيها المحتكرون، ماذا أنتم فاعلون، هل أنتم منتهون، راجعوا أنفسكم واحتكموا لعقولكم، واتقوا الله في انفسكم ووطنكم، وإلا فانتظروا عقاب القانون وعقاب الله سبحانه وتعالى.

*أستاذ الفلسفة الإسلامية آداب حلوان

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز