د. عزة بدر
مفيد فوزى وكتابة الحياة
«كنت أتأمل كل الأشياء التي تجعل الإنسان يتوقف عند السطور».. بهذه الكلمات وصف مفيد فوزى رحلته فى عالم الكتابة والصحافة، المزيج الساحر الذي جعل لكتابته هذا الرحيق من تأمل الحياة، والإبحار فى عوالمها فتنوعت كتاباته بين المقالات والحوارات، وصدرت كتبه بعناوينها اللافتة مثل «هذا هو قلبي»، و«وجدانيات فى زمن الجفاف»، و«جواز سفر إنسان»، و«حاورت هؤلاء»، و«صديقى الموعود بالعذاب»، و«هيكل الأخر»، وغيرها.
على صفحات صباح الخير تألقت كتاباته وكان برنامجه «حديث المدينة» من أشهر البرامج التي حرص على مشاهدتها الناس والتفاعل معها، وفى رأيى أن مفيد فوزى الذي سكن شارع النجاح قد صاغ رحلته من دهشة السؤال، فقد وصفه نزار قبانى بأنه «وُلد ليسأل»، وذلك بعد أن وجه إليه مفيد فوزى أكثر من مائة سؤال فى حوار صدر فى كتاب بعنوان «نزار قبانى أطول قصيدة اعتراف».
وكان فتحى غانم هو الذي اكتشف موهبة مفيد فوزى فى الحوار الصحفى الذي كان يكتب من مدن الوهج فى داخله، وتستطيع أن تسمع بين سطوره ثقافة استماعه لصوت فيروز، وإعجابه ببحث بليغ حمدى الدائب عن الألحان بل وإنصاته العميق لطبلة المسحراتى فيقول فى كتابه «نصيبى من الحياة»: «لقد أدركت المعنى المستنير لفكرة المسحراتى، وأصبحت رحلتى الطويلة مع الكتابة وشاشة التليفزيون التي استمرات طوال حياتى أقرب ما أكون إلى المسحراتى، فأنا أكتب وكأننى مسحراتى يوقظ الناس».
وكان كاتبنا يؤسس لشجرة ذاكرته، معتمدا على موهبة أصيلة، وعشق للقراءة، وذكاء اجتماعى جعله قريبا من حياة أشهر الفنانين والنجوم الذين حاورهم، وفى كتاباته كان يمضى فى طرح أسئلته وأفكاره على القارئ بل ويدعوه لأن يمسك بالقلم، ويكتب تعليقاته فى الهامش على كتاباته كما كان يفعل مع كتب سلامة موسى.
ومن شجرة الذاكرة سجل ما قاله له محمد حسنين هيكل بأن يعتمد على ذاكرته، وألا يعتمد على ذاكرة الكمبيوتر فإنها افتراضية، فلابد أن يمسك المرء بالكتاب، ويقرأ ويعيش صفحاته.
ومن أشجار ذاكرته أيضا ما قاله له الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي وصفه بأنه يسقى الحروف إحساسا لذا كان كاتبنا عاشقًا للكلمات الجميلة فرأى أن نزار قبانى يملك مناجم من ذهب الكلمات، كما عشق الكلمة المسموعة من خلال ما استمع إليه فى الإذاعة من أحاديث طه حسين ، وسهير القلماوى، وبنت الشاطئ، وإعجابه بقصائد كامل الشناوى وصلاح جاهين ، وصلاح عبدالصبور.
كما كان كاتبنا مُحبا لقراءة السير الذاتية، ويعتبرها حياة تُضاف إلى قارئها لذا كتب سيرته الذاتية، وتساءل فيها: «ترى ما نصيبى من الحياة، عشت سعادة وتعاسة، وصدمات وكدمات، وصداقات وعذابات، وغدرا وفراقا، ولقاءا وشجنا، ودموعا وفرحا».
وأضيف إلى كلماته العميقة أن من نصيبه أيضا محبة الناس والقطاف من فروع الحقيقة والخيال، وكتابة الحياة.
وداعا مفيد فوزى عاشق الصحافة والكلمات.