عاجل
الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. عادل القليعي يكتب: فرقة المناكفة

.د. عادل القليعي
.د. عادل القليعي

يا ترى من هؤلاء المناكفون، وما حقيقة تلك الفرقة، وهل لها وجود متعين في واقعنا، أم تلك فرقة نسجها خيال كاتب أرقه واقع يحمل ما يحمله من المتناقضات يحياه بوصفه مكونا أصيلا من هذا الواقع ومهموما بقضاياه، كل قضاياه وليست قضية بعينها.



 

 من قضية بناء الذات والحفاظ على الشخصانية إلى قضايانا المادية وظروفنا المعيشية التي أثقلت كواهلنا وأوشكت على قصم ظهورنا، فما أن تظهر بأرقة أمل لحل إحداها، إلا وتطل علينا بوجهها القبيح مخرجة لسانها لنا مشكلة أخرى مخاطبة إيانا: لن ندعكم تهنؤون بالراحة ولو حتى قليلاً، نضرب على ذلك مثالاً، فما أن تلتقط الأسر المصرية أنفاسها قليلاً من ماراثون الثانوية العامة إلا وتبدأ الدروس الخصوصية ومشاكلها، وما أن تهدأ الأوضاع المالية للأسر قليلاً، إلا وتبدأ في الاستعداد لدخول المدارس والجامعات، وقتها حدث ولا حرج، وما أن تئن أنينا لا يسمعه غيرك أو تخشى أن يسمعه غيرك، تئن داخلياً، وإذ بالمناكفة يظهرون ليصوروا لك الحياة وردية، كأنهم من كوكب آخر، وإذا ما ناقشتهم تصبح أنت من لا يرى ولا يسمع.

 

ولو كان هؤلاء يمتلكون فكراً صائباً وعقلاً راجحاً لأجدت المناقشة معهم ولأتت بنتيجة.

 

سمعنا وقرأنا عبر تاريخ الفكر الفلسفي اليوناني مروراً بالعصور الوسطى الإسلامية والمسيحية إلى العصر الحديث إلى واقعنا المعاصر.

 

قرأنا وكتبنا عن فرق كثيرة ذكرتها كتب الفلسفة والمعاجم الفلسفية والموسوعات، حتى وإن كانت هذه الفرق ضآلة مضلة، إلا أن لهم فكر من الممكن أن تناقشهم فيه، ووجدنا مناكفات المدرسة القورينائية في الفكر اليوناني، ودفاعها عن مبادئها، وتمت مناقشته أنصارها ودحض فكرهم الرأي بالرأي والحجة بالحجة، والغلبة لمن يحتكم إلى الدليل المبني على المنطق.

 

قرأنا وناقشنا السفسطائية، وناقشهم وأثبتنا خطأ منهجهم الجدلي العقيم الذين يقوم على المغالطات والنسبية في الأقوال والأفعال، لكنهم أصحاب فكر لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، وإلا ما تمت مناقشتهم.

 

رأينا الفرق الكلامية من مرجئة وجهمية وسبئية، وقدرية، وشيعة بكل فرقها، وأشاعرة، وماتريدية، وخوارج، ومن قبل هؤلاء وهؤلاء الحرنانية والصابئة، ومن بعدهم القاديانية، والبهائية، وفرق الصوفية وطرقها وهي كثير.

 

كل هؤلاء أصحاب فكر من الممكن أن تحاورهم وتناقشهم حتى وإن قلبوا الحق باطلاً والباطل حقا، حتى وإن ادعوا ادعاءات، وأثاروا شبهات ورفعوا شعارات، إلا أن ذلك من الممكن هدمه فوق رؤوسهم هدما عن طريق استخدام منهجا نقديا بناء.

 

أما المناكفة فلا تستطيع أن تناقشهم لأنهم يفتقرون إلى جدلية المناقشة ولا يمتلكون للحجة ولا الدليل ولا البرهان.

 

السيدات والسادة لكل مجال مناكفوه، في الثقافة وهم أبعد ما يكونون عنها، في الفن وهم أسوأ من يقدمون فناً، فى السياسة لا يفقهون عنها شيئا، اللهم إلا فرض الرأي الواحد.

 

فى الدين، فى كل الأديان تجدهم يصعدون المنابر ولا يستطيعون أن يصيغوا عبارة صياغة لغوية صحيحة.

 

في المحافل والعلمية والندوات والمؤتمرات، تجلس وتستمع لعلك تجد كلمة مفيدة، لا توجد اللهم إلا قلة قليلة، تمسك المايك لتناقشهم وإذا لم تكن على هوى من يدير الجلسة فإنه قد يسكتك بأسلوب ساخر تشمئز منه النفوس، وكذلك في المجال الاقتصادي، والاجتماعي والنفسي، حتي في مجال الطب، والهندسة، والفلك، يوجد مناكفون.

 

نعم هؤلاء هم المناكفة الذين يريدون بسط هيمنتهم بأصواتهم المرتفعة ولكل عصر مناكفوه. وبعد هل هذه الفرقة جديدة من افتكاساتي، أم إنها موجودة ومتغلغلة في حياتنا.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز