طارق رضوان
حصار مصــر
بقلم : طارق رضوان
تتعرض قدس الأقداس لحصار كبير. حصار هو الأضخم فى التاريخ الحديث. تدخل الأمَّة حربًا على المستويين الداخلى والخارجى. حربًا تُحدد شكل المستقبل والدور الذى ستلعبه والحجم الذى ستبقى عليه لمائة عام مقبلة. حرباً ضد الأمّة ومعركة ضد الجيش ومؤامرة ضد النظام الحاكم. حصار خارجى محسوب بدقة لجرجرة الجيش لحرب عصابات طويلة فى المنطقة الغربية تجاه ليبيا. وحصار جنوبًا تجاه سد النهضة. وشرقًا حيث يرقد إخوان حماس فى حالة تأهُّب لحين إصدار الأوامر. بالعقل وحده وهدوء الأعصاب وبالثبات الانفعالى سنَعبر المحنة كما عَبرنا من قبل فى حرب أكتوبر المجيدة.
فى تركيا ليس هناك نظام حكم. بل نظام قائم على فكرة. يمكن توجيهها فى أى وقت وفى أى اتجاه تريده الولايات المتحدة. فكرة الأمريكان أخونة حوض البحر المتوسط. يبدأ من تركيا ممتدًا حتى ساحل الأطلسى فى شمال أفريقيا مرورًا بسوريا والأردن وغزة ومصر. وهو المحيط المناسب لإسرائيل. وكعادتها تمردت مصر بثورتها فى يونيو ضد الإخوان وعطّلت المشروع الكبير. قفز الانتهازى السياسى رجب طيب أردوجان إلى المشهد مقدما نفسه خادمًا مطيعًا للأسياد فى لانجلى مقر المخابرات المركزية الأمريكية. حيوان سياسى مدرب استطاع فى عدة سنوات أن يكون أهم وأخطر وأحقر لاعب فى المنطقة. استطاع أن يقدم الخدمات المجانية للمصالح الغربية لاستكمال مخطط الأخونة. يمثل أردوجان الفكرة. وهى فكرة تماثل الفكرة العثمانية القديمة بقائدها سليم الأول. فكرة الخلافة. فكرة أردوجان هذه المرة هى التنظيم الدولى للإخوان. الفكرتان لا تختلفان عن بعضهما ولا تقلان حقارة عن بعضهما البعض. فأحقر حقبة زمنية مرّت بها مصر كانت تحت الاحتلال العثمانى الذى أخّر البلاد خمسة قرون كاملة. الهدف هى مصر قلب العالم. تحرك أردوجان لم يكن من خاطر طارئ لمع فى رأسه فجأة ليقفز عبر المتوسط إلى السواحل الليبية. بل لم يكن قراره نابعاً من عبقرية فكره السياسى. بل دخل فى صفقات واتفاقات حتى حصل على الإذن بالتحرك. فهو دمية فى يد الرأسمالية الغربية. دمية تجيد تنفيذ الأوامر بشكلها السياسى المعاصر. فالتنظيم الدولى لجماعة الإخوان جزء مهم من تكوين الرأسمالية الغربية فى الشرق الأوسط. تحركه تجاه ليبيا لم يبدأ منذ أن وقع الاتفاق مع السراج منذ أسابيع. بل بدأ خطته الأمنية والمخابراتية أولا منذ عام 2014 بإنزال ميليشيات تركية من المرتزقة للأراضى الليبية ومعهم عناصر استخبارات. ثم بدأ العمل السياسى باتفاقه الشهير مع السراج. يريد أردوجان أن يجلس على مائدة المفاوضات عند تقسيم المنطقة. يريد أن يجلس ومعه عدة أوراق للتفاوض يستطيع بها أن يحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب. مكاسب من أجل التنظيم. قفزته إلى ليبيا كانت فى مصلحة القوتين المتنازعتين فى البحر المتوسط. مصلحة للروس لعرقلة اتفاقية خط الغاز ما بين مصر واليونان وقبرص حتى أوروبا. وهى الاتفاقية التى ستبعد الروس تمامًا عن تصدير الغاز إلى أوروبا. ويرضى الأمريكان بمنع التواجد الروسى فى حوض البحر الأبيض بشكل واسع يمتد من سوريا وحتى ليبيا. وهو الحلم القديم للقياصرة الروس منذ القرن التاسع عشر. الذى حرك الأسطول الأمريكى حتى وصل للسواحل الليبية نهاية القرن التاسع عشر لمنع التواجد الروسى. وفشلت المحاولة الروسية وتأجل الحُلم. لجأ حاكم تركيا للألعاب السياسية مؤخرًا. فقد قام بإنشاء جمعية لحماية الأتراك الليبيين المتواجدين فى ليبيا. الجمعية أنشأها عام 2018 تمهيدًا لخطوته الكبرى وقفزته للسواحل الليبية دفاعا عن الرعايا الأتراك. ثم طرح فكرته على برلمانه الذى أحدث جدلاً واسعًا حتى وافق على نزول الجيش للسواحل الليبية وهو الجيش التابع للناتو. أى أنه فى حالة شن الحرب عليه يعنى شن الحرب على حلف الناتو. تحرك تركيا كان متزامنًا مع الانتهاء من الانتخابات الجزائرية بعد أن انتهت الانتخابات التونسية وهدأ واستقر الشمال الأفريقى المتاخم للحدود الليبية. وظهرت الهتافات فى الشوارع فى الشمال الغربى تهاجم مصر ورئيسها بهتافات إخوانية واضحة. وفى التوقيت نفسه ظهر المدعو محمد على باتهاماته الباطلة. وبوصول وحدات من جيش الأتراك إلى ليبيا سيسبب استفزازًا للجيش لجرجرته للحرب لاستنزاف البلاد. تركيا لن تدخل حربًا منظمة ضد مصر بمعناها التقليدى. فالخسائر التركية ستكون فادحة لطول خط الإمداد ووعورته لعدم وجود اتصال برى بين المسرحين التركى والليبى. فخط الإمداد بعيد عن قاعدة جيشه فى تركيا يعوقها المسافة البحرية عبر المتوسط. بل خطته تدور حول إنزال قطع وجنود من الجيش التركى على السواحل الليبية تسير فى شوارع طرابلس يستقبلها مجموعات من الإخوان بالتهليل والورود وترفع الإعلام التركية وتلتقط الصورة وتوزع على وسائل الأعلام العالمية ويبدأ الإعلام التركى والإخوانى فى التهليل للضغط نفسيًا على الإدارة المصرية وعلى الجيش. وحدات الجيش التركى سترحل فور التقاط الصور. ففى نفس توقيت إنزال الجيش التركى فى ليبيا ستهبط معه ميليشيات أردوجان للاستعداد لحرب عصابات ضد مصر فى منطقتها الغربية. وهى ميليشات مدربة مختلفة الجنسيات ومرتزقة من كل أنحاء العالم (بلاك ووتر). لتدخل مصر بجيشها حرب عصابات جديدة ويمكن أن تشتعل العمليات الإرهابية فى سيناء ليدخل الجيش حربًا على طول الجبهة من الشرق إلى الغرب لإرهاق وتشتيت الجيش. وهو الوضع الملائم تمامًا للمصالح الغربية والإسرائيلية ومعرقل للتواجد الصينى فى الشمال الإفريقى. تركيا لن تعلن الحرب المباشرة مع مصر. بل ستقوم باستفزازها وجرجرتها للبدء بالحرب لتقول للعالم إن النظام المصرى من دعاة الحرب ويريد إشعال البحر المتوسط. ليبدأ حلف الناتو فى التحرك ضد مصر حماية لدولة من أعضاء الحلف. كما نرى الضغط الخارجى يزيد حصاره على الأمة المصرية. ويزداد الضغط على الجيش ومحاصرته لتجلس مصر على مائدة المفاوضات وهى محاصرة تمامًا لا تمتلك أى أوراق للتفاوض وتخضع لمطالب الرأسمالية الغربية التى تريد أن تنهى دور الجيش وتنهى الدولة القديمة لتصنع دولة جديدة حسب مصالحها المستقبلية. وخونة الداخل وتجار الأوطان على أُهبة الاستعداد للقفز لصدارة المشهد وتقديم خدماتهم ليتحقق بنجاح المخطط الكبير. وبعد أيام قليلة سيظهر المدعو محمد على ليعلن عن جبهة المعارضة بالخارج لتكوين حكومة منفى سرعان ما سنجد دولًا تعترف بها وتدعمها. وتقدم حكومة المنفى طلباتها لحصار مصر بتجميد أرصدتها بالخارج ومحاكمة النظام المصرى دوليًا ومراقبة ومحاسبة الجيش. وهى أحد عناصر الترتيب الكبير الذى يقوم به الغرب. الأيام المقبلة ممتلئة بالمؤامرات الدولية الكبيرة يقودها أمهر العقول الغربية ضمن حرب كبرى ضد التمدُّد الصينى فى المنطقة. ووقود الحرب وأدواته هما أردوجان والنظام الإيرانى. فضرب إيران من الولايات المتحدة موجه فى الأساس للتنين الصينى لقطع الطريق الممتد من شنغهاى وحتى لندن. أى أننا وسط بحر هائج من التوترات الدولية الهائلة التى ترسم شكل المستقبل للمائة عام القادمة. وعلينا بضبط النفس وبالثبات الانفعالى والتنبه لأى جرجرة للحرب المباشرة لتلعب السياسة المصرية الحكيمة دورها بكفاءة عالية وحذر كبير لمواجهة الأخطار التى تحاصرنا. قدس الأقداس محاصرة تمامًا كما نرى. لكن الله معها. ودائمًا الله معها.