طارق رضوان
حوار الشيطان والدور البريطانى
بقلم : طارق رضوان
وهكذا. اكتمل الفصل الأول. ليبدأ الفصل الثانى من مسرحية الهجوم على الجيش. اكتمل الفصل الأول بتحويل المدعو محمد على من الشعبى إلى الرسمى. فظهر فى حوار الشيطان على شاشة قناة (bbc) البريطانية الممولة مباشرة من المخابرات البريطانية. ثم حوار فى جريدة الجارديان البريطانية وفى الوقت نفسه حوار بجريدة النيويورك تايمز ثم حوار فى الليموند الفرنسية. حوارات لتثبيت فعل تم ولانسحاب هادئ تمهيدًا للاختفاء. تنزل الستار وبعد قليل سيبدأ الفصل الثانى من الهجوم المكثف.
كشف الحوار، الذى أجرته المذيعة المعقدة رشا قنديل مع المدعو محمد على بصمة قيادة الحرب على مصر. بصمة بريطانية واضحة وخبيثة بتمويل قطرى. فالمدعو محمد على يعيش تحت حماية ودعم مالى من السفير القطرى فى مدريد محمد جهام الكوارى. كما يقول المثل الهندى الشهير «إذا رأيت سمكتين تتصارعان فى البحر فاعلم بأن بريطانيا وراءهما». لم تغب شمس بريطانيا عن المشهد السياسى العالمى أبدًا. قد يظن البعض أنها دولةٌ لا دخل لها بغزل ونسج السياسات الاستراتيجية التخريبية فى العالم. لكن «من يريد أن يتعلم عليه أن يتعلم من الدروس الحقيقية للتاريخ» كما قال بريجينسكى. يجب أن نرى الحقائق واضحة دون لبث. لعل التاريخ تحدث باستفاضة عن الدور البريطانى منذ أن كانت القوة العظمى فى العالم. ويخطئ من يظن أن الدور التخريبى لها توقف، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة الامبراطور الأقوى فى العالم. وهنا يأتى الحديث عن الدور البريطانى فى لعبة الشرق الأوسط الجديد. الذى يتلخص فى نشر الفوضى وجنى المكاسب وصد المخاطر بأقل الخسائر. فخلال تاريخ بريطانيا القذر فى الشرق الأوسط خاصة والعالم عامة. تميزت سياستها بالمراوغة ونشر الفتن بين الطوائف والقوميات.
سياسة «فرق تسد» كما قال اللورد كرومر. ومنذ دخولها الشرق الأوسط والهند فى القرن الثامن عشر وطردها للهولنديين والبرتغال والفرنسيين اتبعت بريطانيا سياسة التفرقة بين الدول. فقسَّمت الخليج العربى إلى عدة إمارات ومشيخات. وفرضت عليهم اتفاقيات سميت وقتها «بالمانعة والأبدية»، أى أنها تمنع هذه الإمارات من عقد أى اتفاقية مع أى دولة من دون موافقة الحكومة البريطانية. وأبدية أى لا نهاية لها. وبهذا منعت أى دولة من التدخل فى شؤون هذه الدول. وبعد دروها القذر والواضح فى احتلال العراق خلف القوات الأمريكية لعبت دورًا هو الأهم فى الشرق الأوسط. تولت ملف الإعلام العربى بأموال خليجية. فكانت قناة الجزيرة أوضح وأكبر إنجاز إعلامى تم فى المنطقة العربية. وضعوا السياسات وحددوا الأهداف وقدموا الخبرات المطلوبة وقاموا بالتسويق والتدريب لتحقيق المطلوب. وقد نجحت بشكل واسع فى نشر الفوضى ودعم المتمردين وتأجيج الثورات والانقلابات من الداخل. لم تكتف بريطانيا بقناة الجزيرة. بل قامت بإنشاء قنوات فضائية أخرى لها نفس الهدف لكن بطريقة أخرى تبدو صديقة لبعض الدول. لم يكن الدور البريطانى متوقفًا فقط على الإعلام؛ بل كان فى إدارة المشاريع الاقتصادية الكبرى.
إدارة شركات النفط وشركات توليد الطاقة النظيفة والشركات العابرة للقارات. لتصبح هى القوة الأولى المسيطرة على الشرق الأوسط بعد الانسحاب الأمريكى المتجه إلى آسيا عبر المحيط الهادى. وكانت مصر هى أكبر وأهم خطوات البريطانيين. بصماتها واضحة فى عمليات التخريب والفوضى ونشر القلاقل والفتن وإيواء رؤوس الإرهاب على أراضيها.
بل وتقديم الدعم اللازم لتحركاتهم تحت مظلة واسعة من الحماية. هدف البريطانيين هذه المرة هو الجيش. فهو القوة الحقيقية الموجودة التى تعرقل مشاريعهم وهو العقبة الكبرى لإيصال رجالهم إلى سدرة الحكم والهيمنة على مقادير البلاد الاقتصادية. تحركات الإنجليز الخفية تتم عبر القطريين ضمن الاتفاقية الشهيرة ما بين البلدين تحت مسمى «الشراكة» البريطانى القطرى. تعاون بينهما على نطاق واسع فى مجالات الدفاع والأمن والإعلام والثقافة والرياضة والتعليم والبحوث والسياسة الخارجية والتجارة والاستثمار الصحة والطاقة. ومجالات التدريب والخبرات؛ حيث تقدم الشرطة البريطانية دورات تدريبية للشرطة القطرية. كما أن المملكة المتحدة من الشركاء الأساسيين لقطر فى مجال التدريب العسكرى.
وهناك طلب قطرى كبير على الاستعانة بالخبرات البريطانية بمجال الخدمات المالية والقضاء والهندسة المدنية والاستشارات. بتلك الشراكة أصبحت قطر عصا فى يد البريطانيين لتضرب بها فى الاتجاه المشار إليه. الطمع البريطانى ازداد وقت أن دعموا محمد مرسى لاعتلاء الحكم مع عشيرته الفاشستية. فقد التقى مرسى مع رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كامرون على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر من عام 2012 اتفق الاثنان على زيارة رئيس أركان الجيش البريطانى الجنرال سير ديفيد ريتشاردز والهدف المعلن هو استكشاف إمكانية مساعدة بريطانيا فى حفظ الأمن فى سيناء ووضع تصور بإعادة هيكلة أجهزة الأمن والجيش تحت عنوان كبير وهو (تحقيق الاستقرار فى مصر) بجانب مجيء وفد من وزارة العدل البريطانية لمراقبة التحقيقات الخاصة بأموال رجال نظام مبارك فى بنوك لندن. رافق الجنرال البريطانى وفد من خبراء عسكريين وميدانيين فى شئون تحقيق الاستقرار باسم فريق الاستقرار فى مصر وكذلك عدد من خبراء وزارة التنمية الدولية البريطانية.
الجنرال ريتشاردز كان قائدًا لقوات المساعدة والاستقرار التابعة لحلف شمال الأطلنطى فى أفغانستان وأشرف بنفسه على خطة انتشار القوات فى شمال وجنوب أفغانستان، كما كان قائدًا لقوات الانتشار السريعة التابعة لقوات الناتو المتحالفة. كان التصور البريطانى بشأن تقديم العون الفنى والأمنى والعسكرى وإعادة هيكلة أجهزة الأمن وتطوير دور الجيش فى المستقبل.
توقف مشروع «مرسى- كاميرون» بثورة يونيو. لكن لم ينس البريطانيون مشروعهم القديم بعدما حدَّدوا الهدف بتحديد العدو. العائق القوى أمام مخططاتهم تجاه مصر. الجيش. هو القوة الوحيدة التى تصد أى هجوم غربى على البلاد، حيث يمتلك من الشرف والشعبية والعلم والمعلومات والتنظيم والانضباط ما يجعله يفك كل شفرات الأطماع الغربية ويفككها ويفشلها سريعًا. البريطانيون وخلفهم الغرب الأوروبى تحت مظلة الولايات المتحدة يرون أن دور الجيش فى مصر لا بد أن ينتهى. لتنتهى الدولة المصرية القديمة.
فبعد صفقة القرن سيدخل الوطن العربى عالمًا جديدًا خاليًا من الحروب التقليدية التى لا تحتاج لجيوش منظمة. والمشاريع المخططة التى تخص مصر وإسرائيل وإثيوبيا لا تحتاج لشبح الجيش فى الظهور وامتلاك مقادير البلاد. كما أنهم لا يريدون السياسة الاقتصادية التى تسير عليها البلاد فى تطبيق رأسمالية الدولة. فقد تركوا تلك السياسة تتم فى هدوء دون هجوم حتى يتم الانتهاء سريعًا من المشاريع الكبرى التى تمت ثم ينقضون ويستحوذون عليها جاهزة بإدارة جديدة تابعة بالكامل لهم. إدارة من رجال أعمال وسماسرة واجهات لشركاتهم العابرة للقارات. 44 فى المائة من إجمالى الشركات العابرة للقارات مملوكة للولايات المتحدة الأمريكية وأكثر من 30 فى المائة منها يمتلكها الاتحاد الأوروبى. تستحوذ هذه الشركات على 80 فى المائة من حجم المبيعات عالميًا. تتربع على عروش قطاعات أساسية كالنفط والتكنولوجيا والأغذية والمشروبات والتواصل الاجتماعى.
شركات تريد أن تدخل مصر مرحلة اقتصادية جديدة تصبح كثيرة الشبه بهونج كونج. دولة ذات اقتصاد خدمى تتكدس الأموال فى بنوك الغرب ويترك للبلاد الفتات برواتب للعاملين خاصة بالشرق. وهى رواتب ضئيلة لو قورنت بالرواتب العالمية. فعشرة آلاف جنيه مصرى كمرتب شهرى مبهر فى مصر يعنى خمسمائة يورو وهو رقم هزيل لا يتقاضاه عامل نظافة من الدرجة الثالثة فى أوروبا. الجيش هو عدوهم على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فكان لا بد من تلطيخ سمعته باتهامات مرسلة دون دليل لصناعة الفتنة ما بين الشعب والجيش. والضغط على الجيش للانسحاب من الحياة ليخلو لهم وجه مصر. لكن لمصر ربًّا يحميها وجيشًا قويًا وواعًا وماهرًا وشعبًا يمتلك من خبرة التاريخ أن لا دولة ولا حياة ولا استقرار ولا أمان إلا بوجود جيشه.