أسامة سلامة
صحيفة تحت الحصار
بقلم : أسامة سلامة
أستعير هنا عنوان كتاب الكاتب الكبير حسين عبدالرازق، الذى صدر عام 1992م، ويحكى فيه تجربة صحيفة الأهالى من عام 1978 إلى 1988 عندما كان مسئولًا بها ثم رئيسا لتحريرها.. وقد كانت فى هذه الفترة تحت الحصار السياسى (خاصة فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات)، حيث تم مصادرة أعداد كثيرة منها واضطرت للتوقف لفترة قبل أن تنتظم مرة أخرى فى الصدور.
الآن أستعيد نفس العنوان ولكن الحصار هذه المرة اقتصادى وليس سياسيًا.
تعانى الأهالى من وضع مالى صعب قد يجبرها على التوقف، فقد تسبب ارتفاع مستلزمات الطباعة من ورق وأحبار (مع تراجع حجم الإعلانات) فى أزمة مالية طاحنة.
والحقيقة أنها أزمة ليست خاصة بالأهالى وحدها، فكل الصحف الورقية تعانى من نفس المشكلة والمأزق، وإذا كانت الصحف القومية تجد سندا لها فى الهيئة الوطنية للصحافة، التى تحاول جاهدة مساعدة المؤسسات القومية، فان الصحف الحزبية لا تجد من يمد لها يد العون.. حتى أن الأهالى فتحت باب التبرع من أجل الاستمرار، وهو حل قد لا يسعفها ومن ثم تجد نفسها أمام الخيار الأكثر مرارة وهو التوقف.
وسبقتها فى هذا الطريق صحف ومجلات عربية عريقة ومهمة مثل جريدة الحياة اللندنية والسفير البيروتية ورثاهما كتاب عرب كثر وكتبوا مقالات حزينة فى وداعهما، وهو ما لا أتمناه لصحيفة الأهالى.
ارتبطت أجيال عديدة بالأهالى فقد كانت المتحدثة بلسان المعارضة بمفردها لسنوات غير قليلة، حقيقة سبقتها جريدة الأحرار ولها شرف أول صحيفة حزبية فى مصر، ولكنها كانت فى معظم الوقت لا تتجاوز الخطوط الحمراء التى وضعتها السلطة، ولهذا تفردت الأهالى منذ صدور عددها الأول فى فبراير 1978 بالمعارضة الشرسة التى لا تخلو من موضوعية وتوثيق، فاكتسبت كراهية السادات ونظامه ومحبة القراء من كافة الاتجاهات،التى رأت فيها صوتها الذى لا تسمعه فى الصحف الحكومية.
وكلفها العداء للسلطة مصادرة أعدادها تباعا بحجج مختلفة ومختلقة مثل إثارة الرأى العام وإحداث بلبلة بين الجماهير، وصونا للسلام الاجتماعى وتجنبا للآثار الضارة على المصلحة العامة، حتى اضطرت للتوقف فى 14 يونيو 1978 بعد شهور قليلة من صدورها، ولكنها عادت مرة أخرى للنور بعد شهر واحد لتصدر عشرة أعداد تم مصادرة سبعة منها لتتوقف مرة أخرى، قبل أن تعود للصدور للمرة الثالثة عام 1979.
وواصلت معاركها وواصل النظام محاصرتها والذى بلغ حد قيام رجاله باتهام قادتها بالإلحاد والكفر والعمالة للاتحاد السوفييتى وغيرها من التهم المعلبة، ولكن كل هذا لم يمنعها من أداء مهمتها فوجدت لنفسها مكانا فى قلوب القراء، وأصبحت مدرسة صحفية تخرج منها جيل رائع من الصحفيين أصبحوا الآن من قادة الصحافة،
وكانت قد اعتمدت فى بدايتها على الصحفيين اليساريين من كافة الاتجاهات والمدارس الصحفية ثم اجتذبت جيلا جديدا من الصحفيين الذين انتموا إليها وساهموا فى نجاحها، وكانت مواصلتها لمسيرتها رغم العقبات الكثيرة ملهما لباقى أحزاب المعارضة، التى أصدرت صحفًا ناجحة تفوقت أحيانا على الأهالى مثل: الشعب والوفد، والأخيرة قادت الصحافة الحزبية لفترة ليست قليلة، كما كان لصحيفتي العربى والكرامة دور بارز فى معارضة نظام مبارك وقادتا معركة شرسة ضد التوريث قبل أن تأخذ زمام المبادرة الصحف الخاصة وتسحب بساط المعارضة والنجاح من تحت أقدام الصحف الحزبية.
الآن جميع الصحف تعانى ماليًا ولابد من وجود حل قبل أن يقتلها داء الإفلاس، ولكن الأقرب الى هذا الطريق الموحش هى الأهالى التى ندعو المثقفين والمهتمين للتبرع لها.
كما نطلب من الدولة من خلال المجلس الأعلى للإعلام أن تجد طريقة لدعمها (ولو مؤقتا) حتى لا نقول وداعا لجزء من تاريخنا الصحفى والسياسى.
نجت الأهالى من الحصار السياسى فى السبعينيات والثمانينيات وقاومت وانتصرت، ونرجو أن تنجو من الحصار الاقتصادى اليوم.