عاجل
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
عذرا .. فالله ليس حكرا على بشر

عذرا .. فالله ليس حكرا على بشر

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

عجبا للبشر .. أن يمنحهم الله نفسا بذات متفردة تتميز بقدراتها على الإبداع وهو الإتيان بالجديد من أجل التنافس في إعمار الأرض كخلفاء لله عليها فإذا بهم أول وأكثر ما يفعلونه هو الابتداع في علاقاتهم بالله ، بأن يصادروا القرب من الله لأنفسهم في معتقداتهم الخاصة ويحرمون البشر غيرهم من إلوهيته أو ربوبيته أو كلاهما معا ويتخذون من الانتساب لله والفوز برضاه وعطاياه وثوابه حكرا عليهم ، وكأنهم ما زالوا أطفالا يمارسون احتكار والديهم دون غيرهم ويستأثرون بادعاءات تفردهم بالتبعية لهم والفوز بجوائزه ومنحه الدنيوية والأخروية لهم دون غيرهم .



وليس هذا غريبا ولا ظنونا أو تخيلات فاليهود يقولونها صراحة بأنه لا جنة ولا نعيما ولا يعتبر الإنسان بشرا مكرما إلا من كان يهوديا فهم أبناء الله وشعبه المختار وكل البشر غيرهم من (الغوييم) خلقهم الله كالحيوانات لخدمة شعب يهود ، والمسيحيون يقولون نحن أبناء الله وعياله وأحباؤه ، ومن لا يؤمن بإلوهية المسيح المخلص والمنجي من خطايا الدنيا فلا جنة ولا ثواب ولا رضا ولا أمل له بعد موته ، والمسلمون يقولون نحن أولياء الله وأحباؤه ولا جنة إلا لمن مات مسلما ويشهد الشهادتين ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء خيره وشره ، والجميع في الأديان السماوية الثلاثة فرادى أو فرقا وجماعات يدعون أن غيرهم على باطل ولا دين له ، وهم فقط على الحق المطلق المبين ، بل والأغرب أن فرق وجماعات كل من اليهود والنصارى والمسلمين والتي تعدت في تعدادها أكثر من مائتي فرقة وجماعة لا يتفقون مطلقا ولا يلتقون إلا فيما ندر ، فكل فرقة وجماعة من المائتين تفسق أو تكفر أو تهرقط وتشلح غيرها من جميع الملل والنحل والمذاهب ، ناهينا عن أفكار ومعتقدات الملحدين وعبدة البقر والشمس والنار والماء والنجوم ومنكري الأديان ونظراتهم ووجهات نظرهم وأرائهم الساخرة أو المستهزئة والمتوجسة والمشككة أو المنكرة لكل من يخالفهم المعتقدات والإيمان .

ولا شك أنك لن تجد أحد في جميع الأديان المعروفة على الأرض يستطيع أن يتفق مع غيره في معنى الدين ، فالمسلمون يرون الدين في مراسم وفروض ومناسك بعينها فيقولون هذا متدين لفرط ممارسته للمناسك والشعائر والفروض ، والمسيحيون يقولون هذا متدين لعلاقته القوية بالكنيسة ورجال الدين وكذلك اليهود وغيرهم من أصحاب الديانات المعروفة على الأرض ولكنهم جميعا لا يستطيعون وضع تعريف واضح ومفهوم للدين ، رغم أن معنى الدين ببساطة هو ما تدين به للإله الذي تؤمن أنه خلقك ويملك مقدراتك وصاحب أمرك ومآلك ، وبالتالي فدينك هو مجموعة المعتقدات النفسية الخالصة داخلك والتي تتصرف تبعا لها تلقائيا في تعاملك مع حركة الحياة والدنيا وما فيها مخلوقات سواك ، وهي معتقدات خاصة جدا تحمل بصمتك النفسية والتي لا تنطبق مع بشر آخر مطلقا ، فإذا توافقت معتقداتك النفسية الخاصة مع ما يأمرك به إلهك فأنت مستقيم على دينه ، وأي انحراف عما يأمرك به فهو انحراف عن دين الله ، ولذلك من المنطقي أن تجد لكل بشر دينه الخاص به والذي وقر في نفسه ولا يعرف مكنوناته إلا خالقه وحده ، ولذلك يقول لنا رب العزة للمسلمين عند موتهم  {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }الأنعام94 ، وهو بلاغ لكل مسلم أنه سيموت وحده ويحشر لله وحده وهو ما يقوله سبحانه في سورة مريم .. {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً }مريم95 ، وحسابه على قدر فهمه ويقينه وعلمه ورزقه وما منحه الله من قدرات وأرزاق لأن الله تعالى قال .. {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ .. }البقرة286 وكذلك لا يكلف الله النفس إلا على قدر ما رزقها .. {.. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا .. }الطلاق7 .

فكل منا له دينه الخاص جدا به ، ولكن في إطار الفهم الجمعي للفرقة أو الجماعة أو الدين الذي ينتمي له بالميراث ، والذي نادرا ما سأل أحدنا نفسه عن منطقية أو حقيقة تلك المعتقدات التي توارثها وحفظها ونشأ عليها في بيئته وأسرته ومجتمعه ، وهو ما يسميه بعض علماء الاجتماع بفكر القطيع ، ومن العجيب أن الأهواء النفسية والشهوات هي التي تلعب الدور الرئيسي في تشكيل المعتقدات أو الدين الخاص لكل إنسان على الأرض ، فمثلا هناك بشرا على درجات علمية رفيعة ومتقدمة للغاية ولكنها لا تتورع عن قتل البشر وسرقة أعضاءها والاتجار فيها وهي أيضا لا تترك سنة واحدة دون الحج أو العمرة ويعرفه الناس بأنه من أهل التقوى والخير والورع والأخلاق الرفيعة والتي لم تمنعه عن ممارسة كل شهواته ورغباته وهو يعتقد وبشدة أن صلاته وصيامه وبعض المال وحجة وعمرة كفيل بأن يغفر له كل ذنوبه ولا وزر عليه فهذا هو دينه ، وكذلك كل منا تبعا لمقاييسه الشخصية الخاصة في تعاملاته المحدودة حين يستحل دفع الرشوة والشاي والسبوبة ، والبحث عن الواسطة لقضاء مصالحه قبل غيره أو على حساب القانون والغير ، ولا يرى عيبا في السير مخالفا في الممنوع مقلدا غيره أو محتميا فيهم ، وهذا لا يمنع أننا بلا مقدمات سوف ننتفض ونتحول لمخلوقات فضائية قادمة من كواكب الأطهار لنصب غضبنا ولعناتنا على من يخطئ غيرنا أو يتجاوز خاصة لو كان تجاوزاته سوف تصيبنا بعضها ، مثل من يحتكر سلعة ليرفع سعرها ، حتى وإن كنا نفعل الشئ نفسه أو نساعده ونحميه بصورة أو بأخرى .

وبداية من ترامب وأوباما والأمريكان ومرورا بالقياصرة والغرب والفرس والعرب وانتهاء بالمصريين في بلادنا فالجميع يتحدث باسم الله ومن وحي قدره وقدرته بين خلقه ، مع اتفاق الجميع على مبدأ وحيد في ادعاء كل دين أو فصيل أو جماعة أنها تمتلك الحق والانتماء المطلق لله ، فقيادات الماسونية من اليهود مقتنعون بأنهم أصحاب الخلود والمجد الرفيع في الدنيا ولذلك خططوا ونجحوا في خداع المسيحيين في الغرب وأمريكا وإقناعهم بضرورة تطهير الأرض من الكفرة المسلمين والأرثوذكس في الشرق تمهيدا لعودة المسيح والذي يؤمن اليهود بأنه لم يولد أصلا ، ولذلك خططوا ومستمرون في تنفيذ مخطط المليار الذهبي بإشعال الفتن بين العرب والمسلمين ليقتل بعضهم بعضا ،ويقضون في طريقهم على المسيحيين الأرثوذكس الكفرة ، ثم ينقضون على البقية الباقية ويفنوهم ، وهو ما يرتبون له ويمهدون لتنفيذه في القريب العاجل في إطار من الحرص على نهب وتحقيق الكثير من المصالح والمكاسب والثروات ودون أن يخسروا شيئا فالمسلمون هم من يدفعون من ثرواتهم ثمن قتل بعضهم بعضا واسألوا قطر والسعودية والإمارات وتركيا وإيران عمن يدفع تكاليف تسليح ودعم الفرق والجماعات الجهادية الانتحارية والقاعدة وداعش في كل مكان خاصة في الشرق الأوسط ثم في الشرق الأقصى وإفريقيا وأوروبا ، مع استخدام عبقري وغير مسبوق لميديا الإعلام لخداع وتشويه الرأي العام في العالم كله لصالح تنفيذ المخطط الجهنمي الملعون .

ولا شك أن الله برئ من الكل ومن جميع من يمكرون بغيرهم ويحتكرون الانتماء والتبعية لله وحدهم ، فكل البشر سواسية وأفضلهم من كان وجوده على الأرض خيرا ونعمة على غيره مهما كان دينه وملته وانتماءه ، فالإنسانية واضحة الشروط والمعالم في كل الديانات السماوية ، بل ومن العجيب أن المسلمين يقرأون القرآن كل يوم وساعة ولحظة ولكنهم لا يعقلون ولا يتفكرون ولا يتدبرون أن الله وضع شروطا ثلاثة فقط .. يقبل بها الإنسان في رحمته وجنته وهي التي ذكرها في سورة البقرة بقوله تعالى .. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62 ، ثم كررها تعالى في المائدة بقوله تعالى .. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }المائدة69 ، فلا حجة ولا مصداقية لمن يقول أن المسلمون فقط أو اليهود أو المسيحيين فقط هم أصحاب الجنة ، لأن الله يحاسب كل إنسان على قدر ما منحه وآتاه من علم وفهم ودين وبيئة وقدرة وهو صاحب الأمر والخلق فلا راد لأمره ولا شريك له في حكمه وقضاءه .

وأخيرا .. لا شك أن كل منا اعتاد أن يظن أنه وحده على الحق المبين المطلق حتى وإن كان لديه بعض الشكوك فيما يؤمن ويعتقد وهو ما يستوجب على كل منا أن يعود لمبدأ وحيد أقره صلوات ربي وسلامه عليه بقسمه بالله ثلاثا (والله لا يؤمن .. من لا يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) .. وأخيك هو كل إنسان خلقه الله فهو ابن آدم مثلك ، وهو أيضا مثلك لم يكن له الخيار في دينه ولا أهله ولا مجتمعه ولا رزقه وظروفه ، وهو صاحب كل الحقوق التي تتخيل أنها لك ، وحبك له كل ما تحبه لنفسك ليس تعاطفا ولا مشاعر ولكنه في الحقيقة هو ذكاء في التعامل مع الله في خلقه وعياله ، فكل البشر خلقه وعبيده وعباده وعياله ورعيته على الأرض ، وسوف يكرم الله من يكرم عياله وسوف يخذل الله ويعاقب من يخذل أو يمكر بعياله ، وهو أهم وأكبر أسرار ما تراه في عيني وتعاملات وأقوال وسلوكيات ذلك الرجل الملقب بالسيسي من خضوع ورهبة من الله في احترامه لغيره مهما كان مخطئا أو مختلفا معه ودون تطبيل أو انحياز كما يحاول أن يدعي البعض من الجهلة وفاقدي البصيرة والمتجاوزين ، فالله هو رب البشر جميعا وكلهم عياله ويحبهم جميعا سواسية ولن يكرم الله ويقبل منهم إلا من يكرم بقية عياله ابتغاء مرضاته وحده .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز