النعاج الشاردة .. غنيمة الذئاب
بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر
علمنا التاريخ أن الذئاب دوما تستمتع باصطياد والتهام شتات النعاج الشاردة عن الراعي ، وعلمنا التاريخ أيضا أن الخراف والنعاج السوية تأنس دوما إلى راع لها ، يحميها ويزود عنها ويؤمن لها استقرارها ومأمنها ، وهو نفس التاريخ أيضا .. الذي علمنا أن بعض النعاج والخراف الغير سوية قد تخدع نفسها فتظن حينا أن قرونها أو ثراء مرعاها قد حولها من خراف ونعاج إلى أسود أو وعول تستطيع أن تحمي نفسها ولو في أحضان الذئاب ، وهي لا تدري أنها قد نسجت أكفانها وصنعت بأيديها شباك هلاكها ، ولكن أحيانا .. يصر التاريخ أن يفاجئنا بدروس موجعة ومفجعة مثلما اليوم مفاجآت متكررة من أعلى مستويات الحمق الغير مسبوق ، فنرى البعض يتسابق ليحتمي تحت مخالب أم الذئاب هربا من أحد أولادها ، وكأن هذا البعض مصرا على الانتحار بين أنياب نفس فصيلة الذئاب بعينها ، أو جسدها قد عشق نهم أنياب الذئاب في أجسادها .
وليس هذا غريبا ففي القرن الماضي رأينا بلدانا كثيرة لم يمنحها تاريخها ومقوماتها في حينه أكثر من كونها خراف أو نعاج في سلم البشرية التاريخي ، فعشقت أنياب الذئاب ، واحترفت الانتقال من ذئب لآخر ، والذئاب عبر التاريخ قليلة ومحدودة ومعروفة فقديما كان الفراعنة هم ذئاب التاريخ الأوائل والتي أخضعت إفريقيا وبعض بلدان آسيا وأجزاء من أوروبا في بعض الأوقات ، بل هناك من الشواهد التي تؤكد وصول الفراعنة إلى المكسيك سواء كان هذا بحرا أو عبر قارة أطلنطا الغارقة في المحيط الأطلسي ، ورأينا الإمبراطورية الرومانية وهي ترتع في بلاد الدنيا تفتح وتحكم وتسيطر على أراضيها ، وتخضع دولها وأممها لها ، وفي حينها تحولت مصر من أسد الحضارة الضاري إلى أحد الخراف المستكينة التي خضعت برغبة حكامها للإمبراطورية الرومانية لعقود طويلة ، ولم تستطع الخلاص منها إلا على أيدي الفاتحين العرب في عهد عمر بن الخطاب ، وتحول المصريون حينها لأسود أكلت فلول الرومان وطردتهم شر طردة تحت قيادة عمر بن العاص ومعه فقط ثلاثمائة من المسلمين العرب ، وتتابع على مصر عصور الفاطميين والمماليك وصولا للعثمانيين ، والتي استأسدت مصر بقيادة محمد علي حتى أصبحت قوة تهدد قلب أوروبا وهنا استفاقت أوروبا بقيادة بريطانيا وفرنسا وقرروا هدم الإمبراطورية العثمانية وتقسيم أراضيها لدويلات واحتلالها ونهب خيراتها .
وبالفعل وبيد أحفاد محمد علي تم تسليم مصر وبلدان العرب (طبقا لسايكس بيكو الأولى) لفرنسا وبريطانيا التي عاثت في المنطقة العربية فسادا وتخريبا وصنعت في قلبها إسرائيل بعد سلسلة من المؤامرات بداية من صناعة السعودية على جثث أهل مملكة الحجاز طبقا لمعاهدة جدة بين الحكومة البريطانية ومملكة الحجاز ونجد وملحقاتها سنة 1927 م ، والتي تغير اسمها لاحقا إلى المملكة العربية السعودية سنة1932م ، وانتهاء بطردها من مصر في منتصف القرن الماضي بعد ثورة الجيش بقيادة عبد الناصر والتي تلاها تدريجيا طردها من المنطقة العربية تباعا ، ولم يكن من السهل على بريطانيا أن تترك مصر لتنتفض وتصبح قوة عظمى كما كان يحلم عبد الناصر الذي عشق الحلم ولكنه جهل الوسائل وضل الطريق وسقط في مستنقع مؤامرات متوالية سيطرت فيها الماسونية بطريق مباشر أو غير مباشر على الحكام العرب لأكثر من نصف قرن ، حتى سقطت كل لواءات الماسونية وسيطرتها على مصر في 30 يونيو 2013م ، وهنا بدأت أشرس وأعنف وأحقر أنواع الحروب في التاريخ ضد المصريين وقيادتهم من أجل إسقاط مصر مثل شقيقاتها سوريا وليبيا والعراق واليمن والصومال والسودان واريتريا ، وأصبح الأمر مشاعا ومعلنا ولا حياء فيه ، وتتزعمه بريطانيا كرأس الحربة والقلب النابض للماسونية وعرين السيطرة والتوجيه لكل ذئابها الشرسة .
وبسبب قيام الثورة في مصر في 30 يونيو 2013م وسقوط عملاء الماسونية الإخوان ، ولد الأمل الجديد لكل الشعوب العربية في قيادة مصرية مستحقة للمنطقة العربية والشرق أوسطية ، وهي ليست قيادة عنترية متشدقة بقدر ما هي أصول تاريخية وواقع يفرضه التاريخ والمقومات وأيديولوجيات الشعوب ، وكنتيجة مباشرة لثورة 30 يونيو سقط أمل بريطانيا في العودة لقناة السويس بواسطة قطر صاحبة مشروع إقليم القناة الإخواني ، وهو ما أصاب بريطانيا بالهلع فسارعت بتوقيع اتفاقا مع البحرين لإقامة قاعدة عسكرية في ميناء سلمان بالمملكة الخليجية عام 2014م ، لتصبح تلك القاعدة أول قاعدة عسكرية بريطانية في الشرق الأوسط منذ انسحاب بريطانيا من المنطقة عام 1971، وتحملت البحرين معظم تكلفة القاعدة البريطانية (30 مليون دولار) فيما تتحمل بريطانيا تكلفة تشغيلها ، وقال فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني يومها والذي وقع الاتفاقية في العاصمة المنامة إن القاعدة من شأنها أن تساعد بلاده وحلفاءها على مواجهة "التحديات المشتركة".والتي من أهمها التزام وحرص بريطانيا على "وجود مستمر شرقي السويس" مشيرا لقرار "شرق السويس" في 1968م الذي أغلقت بموجبه قواعد بريطانية في شرق السويس (الخليج) بحلول عام 1971م .
وبسبب ثورة يونيو في مصر وتداعياتها المتتالية عبر السنوات الثلاثة الماضية ، وتكرار فشل الماسونية المفضوح في إسقاط مصر ، بات من المؤكد أن مصر سوف تصبح دولة عظمى في غضون سنوات ولا حائل ولا مانع يستطيع إيقاف تقدمها (كما قال خبراء معهد استانفورد للدراسات الاستراتيجية والتابع للمخابرات الأمريكية) ، خاصة .. وكما تقول دراسته المتكررة وأن خريطة العالم قد بدأت بالفعل تغيير معالمها وملامحها السياسية وتقترب بسرعة من تغيراتها الديموجرافية في غضون سنوات ، خاصة بعد سقوط حلف (غربان البوهيميا) الأمريكي والذي سيطر على قيادة الماسونية الأمريكية لعقود طويلة ، وصعد مكانه حلف الصقور الماسونية بقيادة ترامب والجمهوريين ، وهو أصاب بريطانيا بالتوتر بل والهلع ، فسارعت لتداعب أحلام البعض عارضة أن تداوي مخاوف وإحباطات دول الخليج في الأمريكان ، والتي سرعان ما ابتلعت الطعم وقررت استبدال الحماية المصرية (مسافة السكة) بالحماية البريطانية التي أعلنت أنها سوف ترسل ما لا يقل عن 30 ألف جندي بأسرهم ، وكأن دول الخليج قد نسيت تاريخ استعمار بريطانيا لها عبر خمسة قرون مضت ، فقررت استبدال الذئب الأمريكي بأم الذئاب بريطانيا بعد أن نهب الذئب الأمريكي أموالها ونفطها عبر عقود ثلاثة بحجة حمايتها ، واليوم يضع يده على مدخرات رجالها لديه وسوف يصادرها شاءت رجال الخليج أم أبوا تحت أية مسميات فيدرالية أو غير فيدرالية ، وكأن هناك دولا بعينها يستهويها وتعشق نهش الذئاب في لحوم شعوبها وثرواتها ، وهي تتخيل واهمة أن الذئبة البريطانية (الأم) سوف تكون حنونة عليها أو ليست مصرة على استكمال مخططها الماسوني بهدم السعودية ودول الخليج كاملة وتقسيمها إلى دويلات طبقا للمخطط الذي بدأه غربان الماسونية (الأمريكان) منذ عقود طويلة مضت .
وبمنتهى التغييب وتحت مسميات الحماية من إيران تسارع الدول الخليجية وتتزعمها مملكة سلمان لتسلم بلادها وأرضها وثرواتها هدية مقبولة لبريطانيا العجوز الباحثة عن مصدر لتمويل عجز ميزانيتها نتيجة خروجها من الاتحاد الأوروبي ، وهي أيضا الساعية لاستعادة أمجادها الاستعمارية القديمة ، ولماذا لا يحدث وبريطانيا هي من صنعت الوهابية بصناعتها لمحمد بن عبد الوهاب بعد طرد أبيه (قاضي نجد) له ، وبواسطته صنعت بأموالها وسلاحها ومخابراتها دولة سميت باسم (آل سعود) اقتطاعا من الإمبراطورية العثمانية للتعجيل بالإجهاز عليها وتدميرها ، وهي التي حصلت من هذه المملكة الدينية على وثيقة منح فلسطين لليهود المساكين والتي وقعها عبد الرحمن آل سعود ثاني ملوك السعودية لبريطانيا قبل إصدارها وعد بلفور ، فلماذا لا يكون لها شرف هدم صناعة يديها وتفكيكها وامتصاص ما تبقى من دمائها النفطية ، وواهم من يظن أن بريطانيا سوف تحمي الخليج أو ترعى فيها عهدا أو اتفاقا ، فهي قد عادت لتطوق وتحاصر العرب الحمقى من الشرق بقواعدها وأسطولها ومن الغرب بإسرائيل وشتات داعش والفرق والجماعات الإرهابية وبتمويل أحمق من أموال شعوب هذه المنطقة ، ولا ملامة عليها خاصة وأن دول الخليج هم من قد سعوا لاهثين لبريطانيا راكعين مستسلمين ، باحثين عن بديل للذئب الذي أدمنوا نهشه في عظامهم .
تلك هي تذكرة .. وصرخة تحذير للذين يلعبون بمقدرات شعوبهم إرضاء لأهوائهم أو لخضوعهم للماسونية أو حماية لمستقبل ثرواتهم الشخصية المنهوبة من ثروات شعوبهم والتي ما عادت خافية على أحد ، احذروا .. فسوف تدفعون الثمن غاليا ومعكم شعوبكم والتي سوف تلعنكم عبر التاريخ إلى يوم الدين ، يوم يكتشفون حقيقة تفريطكم في مقدراتهم لأوهام الحفاظ على علل الملك المتداعي بأيديكم وأخطائكم التاريخية السابقة واللاحقة ، ويوما ما في القريب العاجل سوف تصرخون استنجادا بمن تآمرتم عليهم في الخفاء ، فقط من أجل أوهام الزعامة الواهمة ، فلا الأسود أبدا تتبع الخراف ، ولا الخراف يوما تقود الأسود .