عاجل
الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عروبة البربر ودورهم في بلادهم شمال أفريقيا

تُعد شعوب البربر  People of Berbers من أقدم من السكان الذين استقروا في أقاليم تلك الصحراء الكبرى   Sahara الواسعة الامتداد منذ أقدم العصور، وهم بلاريب الأكثر تأثيرًا فيها عبر التاريخ، ولاسيما إبان تلك الحقبة الزمنية البعيدة التي سبقت قُدوم الإسلام، والمهاجرين العرب إلى مناطق شمال أفريقيا. 



ويُعتقد أنه صارت السيادة في تلك الصحراء المترامية الأطراف لقبائل البربر وبطونهم لاسيما مع دخول الإبل (الجمال) لأقاليم الصحراء الكبرى، وهو الرأي الذي يميل إليه المؤلف، ومن ثم أدى ذلك لانتشار الإبل في العديد من مناطق تلك الصحراء، وكذلك ازدهار التجارة الصحراوية بفضل ذلك. 

ولقد تباينت الفرضيات التي أوردها أهل التخصص حول "البربر" (أو الأمازيغ)، وأصلهم الإثني، والعرقي، وهو تباين لافت، ومحير حتى يومنا هذا. 

ويُعتقد- بحسب ثلةٍ من الباحثين- أن قبائل وبطون البربر ربما سكنوا الصحراء الكبرى الشاسعة الامتداد منذ حوالي الألف الأولى قبل الميلاد، أي من زهاء 3000 سنة. وتشير بعضُ المصادر إلى أن البربر ربما كانوا من بقايا ولد حام بن نوح (عليه السلام). أي أنهم من "الجنس الحامي".  فمن الباحثين من يرى أن البربر كانوا في الأصل من أصول ذوي الأصول العربية.  

ويُرجح أنه بمرور الزمن جرت جماعات من البربر القادمين من شمال أفريقيا إلى جنوب الصحراء، ولاسيما البلاد التي تعرف باسم: بلاد السودان (السودان الغربي) Land of Sudan. وتلك الهجرات شكلت بدورها مزيجًا عرقيًا وإثنيًا متنوعًا بين الجماعات المهاجرة لاسيما البربر من جانب، والشعوب المحلية في هذه البلاد من جانب آخر. ولعب المهاجرون القادمون من مناطق شمال أفريقيا دورًا مهمًا في تأسيس العديد من الممالك الأفريقية المسلمة في مناطق جنوب الصحراء الكبرى. 

ويزعم آخرون أن البربر جاءوا في البداية من بلاد اليمن، أو أرض قحطان، وقيل: إنهم كانوا من ولد بر بن قيس عيلان، ولاشك أن هذا القول باطل لأن النسابين لم يذكروا لقيس عيلان ولدًا بهذا الاسم: "ولا كان لحمير طريق الى بلاد البربر إلا في أكاذيب مؤرخي اليمن"، وهذا بحسب أقوال بعض النسابة العرب القدامى. 

وهناك من قالوا إن البربر هم من ولد قبط  بن قفط  بن بيصر  بن حام بن نوح عليه السلام. وقيل: إن أفريقين بن قيس بن صيفي بن زرعة، وهو حمير الأصغر بن سبأ الأصغر افتتح إفريقية فسميت هذه البلاد باسمه، وقيل في روايات أخرى: ملكها جبريل، فُسميت به حينئذ البرابر برابر. 

ثم تذكر المصادر أنه قال: ما أكثر بربرتكم، كما يقال في بعض روايات النسابة: والذي يشبه الصواب أن البربر الأوائل كانوا من ولد كنعان بن حام بن نوح، ثم من  ولد بر ويقال إن بر كان من ولد بديان ابن كنعان المذكور. وقالوا: إن البربر في الأصل هم من جماعات "الفينيقيين" القُدامى الذين قدموا من سواحل بلاد الشام على البحر المتوسط، ثم استقروا في مناطق شمال أفريقيا بعد ذلك. 

ويذكر النسابة ابن حزم، وغيره من كبار النسابة، أن طوائف من البربر يدّعون الانتساب لـ"عرب اليمن"، وقالوا: إنهم كانوا من ولد قيدار بن إسماعيل عليه السلام" جد العرب، وعلى ذلك، فإن البربر بحسب الرأي آنف من "الجنس السامي". وعن نسب "البربر"، يقول ابنُ الفقيه: "وكانت دار البرابرة  فلسطين، وملكهم جالوت، فلما قتله داود، انتقلت البربر إلى المغرب". 

ويصفُ المؤرخ القزويني شعوب "البربر" بأنهم "أمةٌ عظيمةٌ، ويُقال إنهم في الأصل من بقية قوم "جالوت" الذين سكنوا أرض فلسطين. وثمةُ مصادر تؤكد وجود جُذورٍ أسيوية قديمة لشعوب البربر، أو ربما لبعض البطون منهم.

ويُشير بعضُ الباحثين لقدوم عدد من الهجرات العربية القديمة التي وفدت من "جزيرة العرب" Arabia  إلى شمال أفريقيا قبل الميلاد. وعلى هذا يُرجح أن "البربر" ربما يُشكلون خليطًا إثنيًا من البربر الأوائل وجماعات قديمة هاجرت إلى شمال أفريقيا لاسيما من بين الفينيقيين والعرب القدامى، وهذا رأي المؤلف. 

ويذهب بعض الباحثين إلى أنه حدث ثمة اختلاط فيما بين المهاجرين القادمين من سواحل بلاد الشام من جانب، والسكان البربر والأفريقيين من جانب آخر، ومن ثمة ظهر عنصر جديد هو الذي يطلق عليه البعض: "العنصر البونيقي"، وهو الذي يجمع بين الدم السامي والدم الحامي". 

وفي خضم الحديث عن السكان في شمال أفريقيا، والهجرات منها وإليها قبل الميلاد بزمن، يقول ك.

ماكفيدي: "أما المناطق الأفريقية شمالي الصحراء الكُبرى، فكان الوضع فيها مختلفًا لحدٍ كبير، فقد كانت مأهولة بأجناسٍ بيضاء تنتمي للساميين في جزيرة العرب، وينقسمون لجماعات تختلف فيما بينها لُغويًا".  ويؤكد ذات الفكرة الآنفة الذكر الدكتور الناصري: "وأغلب الظن أن قبائل البربر أسبق الفصائل العربية التي هاجرت إلى شمال أفريقيا وقبل الفينيقيين بكثير، كانت همزة الوصل بين القرطاجيين والأفريقيين السود. وكانت بعض قبائل البربر هاجرت من شمال أفريقيا إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وتاجروا مع القبائل الأفريقية من الزنوج". 

ويرى البعضُ أنه يحتمل أن البربر يمتون بصلة ما إلى بعض السكان من جنوب أوروبا، فهناك قبائل منهم زرق العينين، بيض البشرة، وبعضهم أسمر بالصحراء. وعن استقرار البربر في شمال أفريقيا، يقول سام إبشتين: "وقبائل البربر هي إحدى الجماعات التي اتجهت إلى أفريقيا منذ حوالي 3000 سنة خلت، ومن المحتمل أنهم يمتون بصلة القربى لسكان جنوب أوروبا، ومازالت هناك قبائل من هؤلاء القوم الأقوياء بعضهم أزرق العينين، أبيض البشرة، وبعضهم أسمر يقطنون في الصحراء الكبرى. 

ولاريب أن هذا القول الآنف يبدو منطقيًا، وهو ما نلحظه في السمات البيولوجية لبعض جماعات البربر في شمال أفريقيا. ومما يؤيد ذات الرأي، يرى س. إبشتين وجود جماعاتٍ إثنية قديمة سكنت الصحراء جاءت من بعض مناطق أوروبا القديمة، ومن ثم امتزجوا بالسكان المحليين القدامى. 

وعن استقرار قبائل "البربر" في الصحراء، يذكر فيرني: "مكن التدهورُ المتواصل للظُروف المُناخية من سيطرة أناسٍ جُدد على عُموم الصحراء الكبرى تقريبًا، وهم البربر، لقد نقشوا ورسموا أحيانًا وبصفة رديئة أبقارهم، وعرباتهم، وخيولاً قليلة، وصيدهم البري، وهي تقريبًا المواضيع التي تعرضت لها الرسوم الصخرية، فالإبل والمها والغزلان والنعام أهم الحيوانات المُتمثلة". وعلى أية حال، ترك البربر أعظم الأثر الحضاري في هذه الصحراء عبر تاريخها، وامتدادها الواسع، لاسيما فيما يخص الصلات التجارية بين شمال وجنوب الصحراء.   

 

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز