عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. علي موسى الموسوي يكتب: دور الإعلام في التلاحم الاجتماعي

د. علي موسى الموسوي
د. علي موسى الموسوي

يعتبر الإعلام دعامة أساسية من دعامات التنشئة الاجتماعية. ولا مجال للحديث عن بناء الأفراد داخل المجتمعات دون استحضار دور الإعلام في كل مجالات الحياة، باعتباره قوة مؤثرة قادرة على إحداث رجات في البنية القيمية.



من هنا ضرورة التذكير برسالته السامية والنبيلة. هذه الرسالة التي يجب صونها من كل المتغيرات التي واكبت الثورة التكنولوجية، على جميع الأصعدة: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والدينية. فالإعلام منارة للتثقيف وبناء وعي الأجيال، ومن أبرز مهامه نشر ثقافة الوسطية والاعتدال وكل القيم والمفاهيم الإنسانية التي من شأنها سد الفجوات التي تعصف بالأمن والسلم المجتمعيين. 

 

إن الإعلام منبر مفتوح على الجميع، ومن هنا دوره الكبير في مواجهة التحديات المعاصرة والمساهمة في تنمية وازدهار المجتمع. فهو صمام الأمان ضد التطرف والإرهاب والجرائم والشائعات، إنه شريك رئيسي في الاستقرار وفي التأسيس لعلاقات اجتماعية قوامها احترام التنوع الثقافي والفكري والديني، لأجل بناء الأوطان عبر تجاوز خطابات الذاتية وإحلال خطاب المواطنة، بل وترسيخ قيم المجتمع المدني القائمة على ثنائية حقوق وواجبات وفق منظور حقوقي-قانوني، تحترم فيه المسافات الوجودية بين الأنا والآخر، ضمن نفس الحدود الجغرافية خاصة، وخارج هذه الحدود بصفة عامة. 

 

الإعلام هو صوت الأمم والأفراد والجماعات. إنه المرآة التي تعكس هواجسهم. إنه المنبر الجماهيري الذي يعتمده المواطن للتعبير عن آرائه همومه. ولكن الإشكال الأساسي أن الإعلام في وقتنا الحالي خضع للسياسات القائمة وللمتغيرات العالمية، فأضحى وسيلة للإثارة وافتعال الأزمات، اللهم بعض الضمائر الإعلامية المخلصة للمبادئ النبيلة والسامية. من هنا وجب التذكير بأهمية الحياد في العمل الإعلامي، لأجل المساهمة في ايجاد حلول جذرية للمشاكل القائمة. فالإعلام كان ومازال الكيان والسلطة الأقوى والأكثر تأثيرا، ولا أدل على هذا مما نراه من تحولات في بنيات المجتمعات بسبب وسائل الإعلام، ونضيف عليها وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت الإعلام البديل بالرغم مما يمكن رصده من سلبياتها، خاصة على مستوى التضليل، وأيضا التلاعب بعقول الجماهير. فمن كسر جدار الصمت إلى التأثير بالرأي العام وتوجيه الأحداث. بل وأيضا إمكانات التأثير في الثقافات المحلية.

 

بل إن الإعلام السلطة الرقابية، أو بتعبير الجماهير والمختصين هو السلطة الرابعة بعد السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية. واليوم أمام هذه الثورة التكنولوجية وهيمنة شبكات التواصل الاجتماعي، اكتسى الإعلام أيضا سلطة افتراضية. من هنا ضرورة التذكير بدوره الأساسي في النهوض بالمجتمع. هذا الدور الذي حاذت عنه وسائل الإعلام التي اختارت الحديث بلسان بعض الأحزاب السياسية، أو راهنت على الكسب التجاري، فإن صوتها يبقى نشازا أمام الأصوات الحرة التي اختارت مسائلة الواقع ومحاورة هموم المواطنين استجابة لوازعها الأخلاقية، وللبعد القيمي والإنساني للرسالة الإعلامية التي تخاطب هموم المواطن اليومية، وفي الآن ذاته تسعى لتكريس قيم التعايش والسلم والحوار وقبول الآخر. بل والدفاع عن الحق في التعددية ليست فقط السياسية، بل أيضا العقدية والفكرية، لأجل مجتمع إنساني متضامن ومتكاثف.

 

إن الإعلام الناجح هو القادر على التركيز على الايجابيات عوض المتاجرة بالسلبيات والهفوات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وأيضا الدينية، ليسهم بذلك في خلق نوع من الإحباط لدى المجتمع الدولي. إن المطلب الأساسي لأجل إعلام هادف بناء، هو الحيادية في تناول القضايا والمشاكل المطروحة. لأن الأساس هو دعم مسيرة الشعوب نحو التنمية. فالكلمة الإعلامية ليست مجرد حروف أو رمز للتواصل، بل قد تكون تلك الرصاصة التي تقتل آمال الأفراد والمجتمعات، بل قد تكون أشد فتكا. وبين كسب القلوب وكسرها حرف واحد. من هنا وجب على الإعلامي إتقان فن انتقاء الكلمة إلى جانب إتقان باقي الأدوار الإعلامية. فأحيانا جملة واحدة كفيلة بتأجيج الطائفية وإذكاء نيران الحروب والكراهية ونبذ الآخر، ما يساهم في تهديد الأمن والسلم الاجتماعيين. ومن هنا المسؤولية الأخلاقية للإعلام في صناعة الإنسان عبر تربيته على القيم النبيلة، بما فيها احترام حقوق الإنسان وخلق نخب ثقافية وإعلامية قادرة على المساهمة في تنمية وعي الأفراد لأجل مجتمع إنساني أكثر تعايشا وفي ظل تعددية تبني ولا تهدم، وتؤمن بأهمية الحوار مع الآخر أيا كان لونه دينه انتماءه. لأن التعايش مطلب حضاري إلى جانب أنه ضرورة فطرية ومجتمعية لأجل خلق نسيج وطني قائم على التفاهم والحوار. فالاختلاف والخلاف بين البشر مرتبط بعامل التنوع الذي يحكم الوجود البشري، بل المنظومة البشرية ككل. ومن ثم فلا مجال لإلغاء الآخر- المختلف، بقدر ما إننا مطالبون بالتعرف عليه وتقبله واحترامه واحترامه خصوصيته وتفرده. فنحن في حضرة الإنسان قبل الانتماء. ولئن انتصرت بعض المنابر الإعلامية  لنظرية الصراع والصدام. فإن العالم اليوم وأمام هول بعض الأحداث المتطرفة والإرهابية، قد أدرك خطورة هذه النظريات على التعايش وسلم المجتمعات الإنسانية، وخطورة تغييب ثيمة التسامح التي تبقى حاجة مجتمعية ملحة، كما أن الصورة الأخلاقية والواقعية للتسامح تنعكس على سيرورة المجتمعات وعلى تقدمها. 

 

عموما، في زمن العولمة الذي فرض قوانينه على الجميع، فإن وظيفة الإعلام أضحت مضاعفة. بل إنه مطالب اليوم بالبحث في الآليات التي من شأنها الدفع بمشاريع تكريس ثقافة الحوار والتعايش قدما. فلا مجال اليوم لرد نظريات الصراع التي غذت منطق العداء، ونبذ الاختلاف، ومحاربة التعددية، خاصة العقدية، إلا بإحلال نظريات تراهن على مفهوم الحوار ، مدخلا لإحلال قيم السلم والتسامح.

 

ولئن لعب الإعلام دورا كبيرا، ومازال لأجل الدفاع عن الحق في حرية التعبير وباقي الحقوق المدنية، فإنه اليوم أما اختبار مجابهة بواعث الصراع بين الشعوب، من خلال الدعوة والترويج للحق في الاختلاف والتعددية العقدية. 

 

والكلمة المفتاح هنا "الحوار". والحوار ليس فقط لمعرفة الآخر، بل أيضا لاحتواء الاختلافات والخلافات، لبلوغ المشترك الذي من شأنه تنزيل قيم السلم والتسامح والإيمان بالتعدد والتنوع من حيز التنظير إلى الواقع. لأجل احتواء أزمات المجتمعات، ولأجل صون الكرامة الإنسانية، التي تلاشت أمام خطابات العنصرية والكراهية والطائفية. وأكثر من هذا وذاك شيوع ثقافة تشييء الإنسان الذي أضحى ضحية ثقافة الاستهلاك والاستلاب.

 

من هنا مناداتنا الدائمة لضرورة حوار ديني- إنساني، فمن جهة المعطى الديني يفرض ذاته، ولا مجال لتجاوزه ونحن نسعى لتأسيس ثقافة الحوار. ومن جهة ثانية، وحدة البعد الإنساني فينا قادر على احتواء كل الخلافات التي من شأنها الزج بنا إلى عوالم الصراع والحروب. 

 

وفي الأخير، يمر الإعلام فعلا بمرحلة صعبة وعسيرة، فمن تهافت المعلومة إلى شبكات التواصل الإعلامي التي أضحت الإعلام البديل، إلى شيوع ثقافة التضليل... ولا سبيل إلى الخروج من هذه الوضعية المشكلة، إلا بأنسنةممارساتنا الإعلامية وفسح المجال أمام الوازع الأخلاقي فينا، لأجل إنسانية متسامحة ومتعايشة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز