عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عند منتصف الطريق.. «آسيا الوسطى» مسرح عمليات الصراع العالمى

كيف انتبهت القاهرة مبكرا لخطورة التداعيات على الأمن القومى العربى

عند منتصف الطريق.. «آسيا الوسطى» مسرح عمليات الصراع العالمى

فى اللغة الصِّينية كلمة «كارثة» من شطرَيْن؛ الأول يَعنى الخَطر والثانى يعنى الفرصة، ومن اللغة أيضًا وُلدت حكمَة صينية قديمة مَفادُها إذا تَصارَع الصَّخر مع الماء فى نهاية المَطاف سينتصر الماءُ بلا صَخَب.



بين مفردات اللغة وموروث الحكمة تستطيع أن تستشف مُحَدّدات التفاعُل السياسى والعسكرى الصّينى مع زيارة خاطفة قامت بها نانسى بيلوسى رئيس الكونجرس الأمريكى إلى تايوان والتي خرجت دوائر رسمية فى واشنطن لتصف هذه الزيارة بالتهور.

الأمْرُ يُشكل كارثة بالنسبة للصّين وفْقَ لغتها؛ الأول هو الخطر، وهو دفْعُ مبدأ الصِّين المُوَحَّدة أو الواحدة إلى ساحة الاشتباك الدولى، وكان هذا واضحًا من التفاعُلات الأولى للحرب «الروسية- الأوكرانية» بالتلميح، ثم بالتصريح، وأخيرًا بزيارة توقَّفَ أمامَها العالمُ وينتظر تداعياتها.. أمّا الثانى فهو الفرصة ولها أبعاد متعددة قد تكون فى تغيير واقع چيواستراتيچى وفرضه بمُحددات واضحة من جهة، ووضْع الخطاب الأمريكى فى خندق تهديد السِّلم العالمى من جهة أخرى، وهو ما حرصت عليه بكين مع اللحظات الأولى من هبوط طائرة بيلوسى فى تايوان.

الصورة ليست عشوائية بالنسبة للولايات المتحدة، التي أرادت خلال الأيام الماضية أن تؤكد أنها لا تزال القوّة المُهَيمنة التي تتفاعَل شرقًا وغربًا فى مختلف الملفات والجبهات أيضًا حققت نجاحًا فى عملية نوعية بالتخلص من «الظواهرى»، وهو كارت انتخابى للإدارة الأمريكية كحال كل الإدارات السابقة فى موسم الانتخابات مع التنظيم الذي يَحمل فى الذاكرة الشعبية الأمريكية تاريخًا مُؤلمًا، وكذلك أن سياسة الديمقراطيين لا تتغير حتى بتوزيع الأدوار بين البيت الأبيض والكونجرس.

وبعيدًا عن الأخبار المتسارعة والسيناريوهات التي تجد منبتًا لها من تفاعُلات الواقع؛ فإن نظرة متأنية تَفرض نفسَها على نطاق جغرافى مُحدد يُشكل الآن مَيدانًا صريحًا لعمليات الصراع العالمى، وهى منطقة آسيا الوسطى.. تلك المساحة الجغرافية التاريخية الشاسعة المُمتدة فى آسيا من بَحر القزوين فى الغرب إلى الصِّين ومنغوليا فى الشرق،  ومن أفغانستان وإيران فى الجنوب إلى روسيا فى الشمال، منطقة تحمل عِرقيات مختلفة وأمَمًا بينها تاريخ خاص وعلى تماس مباشر بمُحددات الحركة لتركيا من جهة والأمن الإقليمى العربى من جهة أخرى من الجناح الشرقى للأمّة العَربيَّة ممثلاً فى العراق.

التعريفُ الإعلامىُّ لهذه المنطقة يستريح لمُصطلح الدول المستقلة عن الاتحاد السُّوفيتى القديم.. التعريفُ التاريخى يطول شرحُه هى حكايات الأمَم بكل تفاصيلها الإمبراطورية، ولهذا فإن الصّراعات الحدودية التي تطل برأسها بين دوائر جغرافية فى هذه المنطقة ليست جديدة، ولكنْ لها جذورٌ طويلة بين الأتراك والألبان والصِّرب والرُّوس والمَغول وفترات على استحياء تَحضر أوروبا بين الحين والآخر.

بعيدًا عن الأهمية الجغرافية الكبرَى التي تَجعل هذه المنطقة شوكة فى ظهر الكثير من اللاعبين الدوليين والقوَى الصاعدة الآن فى حَلبة الصراع العالمى الراهن؛ فإن مُثلث الأزمات العالمية يَحضر أيضًا فى هذه المنطقة بأزماته الثلاث (أزمة الطاقة - أزمة المياه - أزمة الغذاء).

أحدث تقدير لاحتياطات النفط فى بَحر القزوين يعود للعام 1996 من قِبَل وكالة الطاقة الأمريكية وقدرت الاحتياطى الاستراتيچى بنحو 200 مليار برميل.

أضف إلى ذلك إلى جَدَلية مَوارد المياه بين الوفرة الطبيعية والتحَكم السياسى التي دفع بها إلى الندرة، فهناك نهرا سيحون وجيحون وأهميتهما الاستراتيچية الكبرَى وأنهار سيبريا ويانچستى، وليس ما جرَى فى أنهار دجلة والفرات ومنبعهما تركيا ويرتبطان حضاريًا بالعراق الشامخ ببعيد عن هذا المُعترك.

بَعد الانسحاب الأمريكى المفاجئ من أفغانستان فى أغسطس 2021 أعلنت آسيا الوسطى عن نفسها كمنطقة تصارُع وتسارُع دولى لبسط النفوذ بين روسيا والصِّين وإيران وتركيا، كلّ حسب أدواته.. انتبهت القاهرة مبكرًا للتداعيات المنتظرة التي قد تلقى بظلالها فى الواقع والمستقبل القريب على منظومة الأمْن الإقليمى العربى التي عملت الدولة المصرية على إعادة ترميم الشروخ التي لحقت بها إلى حَدّ التصدع بعد ماعُرف كذبًا بـ«الربيع العربى»، وانطلقت فى مبدأ استراتيچى واضح وهو دعم الدولة الوطنية فى المنطقة، وهو المَبدأ الذي انعَكس بشكل مباشر على استعادة وحدات عربية مركزية لقدر من فاعليتها.

فى سبتمبر من العام 2021 بَعد شهر واحد من الانسحاب الأمريكى انعقد فى القاهرة اجتماع استثنائى للمنتدَى الاستخبارى العربى؛ لمناقشة ملف التطورات فى أفغانستان، بمشاركة رؤساء أجهزة مخابرات الدول العَربيَّة.

وكان ولا يزال يلعب المنتدَى الاستخبارى العربى دورًا بالغ الأهمية فى ترتيب المَصالح الاستراتيچية للإقليم العربى بتبادُل المعلومات وتنسيق الأدوار، وهو ما انعكسَ على ملف العلاقات «العَربيَّة - العَربيَّة» بشكل عام بوصوله لمَرحلة من النضج تَعرف كيف تصنف مَواطن الخلاف وتجاوزها لتحقيق مَصالح استراتيچية مشتركة تحفظ أمْنَ واستقرارَ الشعوب العَربيَّة.

بالتالى فما استمعنا إليه من أنباء عن توتر مُجَدد فى إقليم نوكورنوكارباخ ليس بالأمر المفاجئ أو التراشق الإعلامى وسماع دوىّ صافرات الإنذار فى كوسوفو الذي حبَس معه العالمُ أنفاسَه من تَجَدُّد الصّراع ليس صدفة؛ ولكنها تفاعُلات غليان سياسى لوكلاء حاضرين عن أطراف مُحَددَة تسعَى للابتعاد عن المواجهة المباشرة.. 

وللحديث بقية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز