عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

مصر أولا.. أحدهما استهدف النخبة.. والآخر استهدف الشارع.. صياغة إخوانية – عثمانية على الطريقة الإنجليزية!

دائمًا ما شغلنى.. سؤال جدلى جدًا حول علاقة فرض الهوية العثمانية على بلادنا، وعلاقتها بظهور القومية العربية من جهة، وظهور أول شكل منظم لجماعات الإسلام السياسى من خلال جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة من جهة أخرى؟



سؤال شائك ومربك جدًا للمثقفين والمفكرين خاصة ممن لديهم انتماءات فكرية أو أيديولوجية لا ترى فى غيرها من التيارات السياسية سوى الضلال والضياع.. خاصة أنه على مدار سنوات طويلة.. تم اختزال الحياة السياسية فى العلاقة الجدلية بين المشروع القومى العربى ومشروع الإسلام السياسى تحديدًا. وكيف استطاع الإسلام السياسى ضرب القومية العربية؟

 

احتلت السلطنة العثمانية بلادنا والعديد من الدول المجاورة لنا. والقراءة السريعة للتاريخ والأحداث.. تؤكد أنه طيلة الوقت أجهضت السلطنة العثمانية العديد من محاولات نهضة مصر منذ عهد محمد على فى تأسيسه لمصر الحديثة.. حتى نظل رعايا السلطنة العثمانية. وما ترتب على ذلك من محاولاتهم المستمرة فى صياغة الدين والحياة والسياسة حسب نموذجهم الفكرى، والذي تجسد فى سحب كافة العمالة الماهرة والمتميزة بنظرة استعلائية لصالح الأستانة باعتبارها مركزها السياسى فى إدارة شؤون السلطنة.

تاريخ..

فى سنة 1916.. تم رسم ملامح خريطة الشرق الأوسط من خلال شخصيات سياسية بارزة على غرار السير مارك سايكس «الديبلوماسى الإنجليزى» وجورج بيكو «الديبلوماسى الفرنسى» اللذين وقّعا الاتفاقية الشهيرة المعروفة باسم «سايكس – بيكو» بهدف تقسيم المشرق لمناطق نفوذ بعد بوادر تراجع سيطرة السلطنة العثمانية.

وحينها بدأ الحديث عن فكرة القومية العربية كبديل لهذا التراجع، بل وربطوها بمشاريع التحرر الوطني ضد الاستعمار. وسرعان ما أسس حسن البنا جماعته لإحياء الخلافة الإسلامية بتمويل مادى من هيئة قناة السويس تحت الاحتلال الإنجليزى سنة 1928 كبديل طبيعى للخلافة العثمانية عقب سقوطها سنة 1924. 

والملاحظ أن فكرة القومية العربية لم يكن لها جذور فكرية عند المواطن العربى.. بقدر ما كانت أفكار وكتابات لبعض المثقفين خاصة السوريين والشوام. وربما يكون ذلك أحد أهم أسباب سقوط فكرة القومية العربية وفشلها فى تحقيق حلم الوحدة المزعومة.. للاستقلال بعرب الشرق عن الإمبراطورية العثمانية.

ظلت فكرة الترويج للقومية العربية رهن التنظير الفكرى حتى بدأت فى الوصول للشارع العربى من خلال الرئيس جمال عبدالناصر مع الشعارات والخطابات الثورية، والتي سرعان ما انهارت مع مرحلة الرئيس أنور السادات بعد إعادة صياغة الأولويات المصرية وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة 1978، والتي أصبحت فعليًا نهاية فكرة القومية العربية والوحدة المزعومة بعد تباين المصالح العربية واختلافها. وتأكد زيف الترويج لفكرة أن الاشتراك فى اللغة والدين والتاريخ المشترك.. من ثوابت القومية العربية.. فليس كل أصحاب لغة ودين واحد.. يمكن تضمينهم فى بوتقة قومية واحدة. ومثال ذلك: يتحث اللغة الإنجليزية مئات الملايين على مستوى العالم، ولكنهم لا يحملون الجنسية الإنجليزية، كما يدين مئات الملايين بالإسلام فى العالم.. وهم ليسوا عربًا.

نلفت النظر هنا، إلى تصريح أنتونى إيدن «وزير خارجية بريطانيا» سنة 1941 الذي قال فيه إن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف.. لكل حركة تهدف لتحقيق وحدة العرب الاقتصادية والثقافية والسياسية. وهنا كانت نقطة الانطلاق لتبدأ المشاورات بين مصر وسوريا ولبنان والعراق لتأسيس الجامعة العربية لتظهر فعليًا للوجود سنة 1943. وعلى غرار فكرة القومية العربية التي دعا لها البعض من النخبة العربية المثقفة.. جاء تأسيس الجامعة العربية بقرار سياسى لملوك الدول العربية ورؤسائها، ولم تكن رغبة من المواطن العربى الذي لم يشعر إلى الآن بأهمية وجودها أو دورها الحقيقى فى العلاقات السياسية بين الدول العربية بعضها البعض أو مع دول العالم. ولم تنجح كمؤسسة فى التعبير عن حال القومية العربية، أو دعم أى مبادرات لدعم الوحدة القومية العربية. وانتهى الأمر بالاكتفاء بالاجتماعات والندوات واللقاءات والبدلات والمكافآت دون أثر واحد محقق.. سوى بيانات الرفض والشجب والإدانة أو الإشادة. ولم تقم بأى دور حقيقى فى العلاقات العربية – العربية التي أصبحت تعتمد على رؤية جديدة للمصالح المشتركة. 

حلم القومية العربية ووهم الخلافة..

كانت القومية العربية هى البديل لتراجع هيمنة السلطنة العثمانية مع النخبة الثقافية والسياسية، وفى الوقت نفسه.. بدأت فكرة السيطرة على المجتمع من خلال البديل الدينى الذي لا يتعارض ظاهريًا مع موروثات السلطنة العثمانية ومع فكرة التضامن مع الدول العربية على خلفية أهداف دينية مشتركة لإحياء دولة الخلافة الإسلامية بعد سقوط الخلافة العثمانية.

فرضت علينا السلطنة العثمانية سياساتها. ووجهت بعدها بريطانيا العرب بأسلوب غير مباشر للفكرة العربية مثلما دعمت فى الوقت نفسه تأسيس مفهوم الإسلام السياسى.. دون أى مرجعية مجتمعية حقيقية لأى منهم.. ولكن مع التمويل المستمر واستغلال المشاعر الدينية ومحاولة صياغة وجدان شعبى جديد.. تغلغلت تيارات الإسلام السياسى فى المجتمع حتى تمكنت من تنظيم نفسها، وتحولها لتيارات متباينة فى محاولة السيطرة على الدولة واتخاذ سبل العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها.

المتتبع لشكل العلاقة بين مشروع الفكر القومى العربى ومشروع الخلافة الإسلامية.. يستطيع أن يرصد كيف حاول الثانى توظيف الأول واستخدامه لتحقيق أهدافه، ومحاولاته المستمرة فى استنزافه لاكتساب مساحات جديدة خصمًا من رصيده ووجوده. 

ويشترك مشروع الفكر القومى العربى مع مشروع الخلافة الإسلامية فى إقصاء أى فكر يختلف عن معتقداتهما، مشروعان لا يؤمنان بالتعددية الفكرية والسياسية والدينية. بل ويتميز الثاني باستخدام جميع أشكال العنف والإرهاب لفرض أفكاره على المجتمع.

بين القومية العربية 

والاتحاد الأوروبى.. 

القومية العربية فكرة وجدانية لإثارة المشاعر الوطنية والنعرات السياسية التي سرعان ما تصطدم بالواقع الحقيقى للاختلاف وعدم الاتفاق حول معنى الوحدة العربية. أما الاتحاد الأوروبى.. فمقومات تأسيسه هو الحفاظ على المصالح الخاصة لكل دول الاتحاد من جانب، والمصلحة العامة للاتحاد أمام العالم من جانب آخر. وهو ما يعنى الحرص على حياة المواطن اليومية دون تقديم أحلام اليقظة فى أشكال وطنية وعبارات حنجورية.

تاريخنا.. ليس عثمانيًا أو إخوانيًا..

من المقولات التي نرددها دائمًا.. أن «التاريخ يكتبه المنتصرون»، و«التاريخ يكتبه الأقوياء»، و«التاريخ يصنعه العظماء». ولكن فى الحقيقة اكتشفنا غير ذلك فى مناهج التعليم المصري. وهو الأمر الذي تصدت له الدولة بعد ثورة 30 يونيو بعد مراجعة مناهجنا التعليمية.. خاصة الابتدائية، وما تحمله من أفكار تمييزية وتحريضية وتكفيرية.. سواء ضد الوطنية المصرية، أو ضد المرأة، أو ضد الطرف الثانى الدينى. فضلاً عن العديد من الآراء الدينية التي تعتبر ضد صحيح الدين المتفق عليه. وهو ما يعنى أننا فى غفلة من الزمن تركنا تاريخنا وفكرنا.. يتعرض لصياغة تحمل قدرًا من التشويه أو الحذف أو التعديل والإضافة على يد موالاة الجماعة الإرهابية تارة، ووكلاء العثمانية فى مصر تارة أخرى. 

نقطة ومن أول السطر..

بريطانيا هى العقل الذي يفكر ويدبر، وإسرائيل هى التي تهضم الفكرة لتدخل حيز التنفيذ العملى، والولايات المتحدة الأمريكية هى العضلات التي تنفذ الفكرة وتتابع تحقيقها. 

ما زلت أعتقد أن المعادلة السابقة.. تمثل مدخلاً لفهم العديد من تاريخ الأحداث السياسية التي شكلت العالم خلال سنوات طويلة مضت. أما اليوم.. فالعالم يعاد صياغته بتوازنات قوى جديدة.. تختلف توجهاتها الاقتصادية المستقبلية عن السيطرة العسكرية التقليدية القديمة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز