

عاطف بشاى
زمـن «المسخ» و«النسخ»
«إحنا فى زمن المَسخ».. هذه هى الجملة التي رددها «عادل إمام» فى صرخة غاضبة مدوية فى فيلم (عمارة يعقوبيان) عن رواية «علاء الأسوانى» وسيناريو وحوار الراحل الكبير «وحيد حامد» وإخراج «مروان حامد»، التي ينعي فيها الزمن الضنين والفضيلة التي تبكى وتنتحب من جراء الأخلاق التي انعدمت والقيم التي اندثرت والمبادئ التي انهارت والمُثل التي هوت والشخصية المصرية التي تداعت وتصدعت وانقسمت وتغيرت تغييرًا جذريًا ومؤسفًا؛ حيث انقلب السلم القيمى واختل.. وفقد الكثير من معانى الشرف والكرامة والصدق والتسامى والإخلاص والطيبة والتسامح والإيثار والشهامة والمروءة والنبل الإنسانى وأضيفت إليه مؤخرًا نقيصة «النسخ» فأصبح «هذا زمن المسخ والنسخ» والنسخ يعنى النقل طبْق الأصل عن مصدر ما أو «الشف» أو «السطو» أو «الاستيلاء» أو «السرقة»، ويشمل ذلك سرقة الأبحاث العلمية ورسائل الماچستير والدكتوراه أو الألحان أو الروايات أو القصص القصيرة أو الرسوم أو اللوحات التشكيلية أو التماثيل.. أو الأفلام أو المسلسلات التليفزيونية .. تلك الآفة التي انتشرت وتفشت مع سيطرة نظام الورش البغيض؛ حيث يستولى قرصان من القراصنة أو محترفو اصطياد الأعمال الدرامية على فيلم أو مسلسل أجنبى وترجمته وتوزيعه على مجموعة من الصبيان لنقل محتوى المَشاهد واللقطات والمواقف والأحداث المختلفة فى تتابعها بحذافيرها ونسبها إلى «الأسطى» وصبيانه وإغفال كتابة مصدر السرقة وأسماء كتّاب السيناريو الحقيقيين وادعاء القرصان المصري أنها من نبت أفكاره ونبع خياله المجنح وعبقرية قريحته الجبارة.
أحدث تلك السرقات هو ما حدث أخيرًا وأثار ضجة كبيرة من السخط والغضب من قبَل الفنانين التشكيليين ونقابتهم ورؤساء قطاعات الفنون التشكيلية والنقاد وعلى رأسهم الفنان التشكيلى الكبير والمخضرم «عزالدين نجيب»، فقد سطت مصممة جدارية بمترو الأنفاق محطة كلية البنات على لوحة أبدعها فنان «روسى» معاصر هو «چريچورى كارسوف»، وهى أصلًا مستوحاة من التراث الفرعونى للفن المصري القديم بأسلوبه ورؤيته الفنية الخاصة بعناصر التكوين والتجسيد والخطوط والألوان والمساحات والظلال، وهى رؤية تختلف اختلافًا كاملًا - كما أورد «عزالدين نجيب» فى تحليله الفنى الدقيق- بين مقتضيات فن التصوير الزيتى الذي نفّذ به الفنان الروسى لوحاته وبين فن التصميم الذي حاولت هى فرضه على هذه اللوحات فجاءت مسخًا مشوهًا لما أبدعه الفنان لأنها خلطت خلطًا فجًا بين الأسلوبين بغير وعى أو دراسة أو فهم لخصائص كل منهما.
المدهش فى الأمر؛ أن د.«صفية القبانى» رئيس نقابة التشكيليين، أشارت فى بيان حول هذا الأمر إلى أن المصممة ليست عضوًا فى نقابة التشكيليين، وأنها مصممة جرافيك وليست منفذة جداريات.. وهو علمٌ له أساتذة كبار قاموا بأعمال محطات مترو الأنفاق بخطوطه المختلفة.. وهناك مَدرسة الإسكندرية للجداريات بأساتذتها الموهوبين وهى مَدرسة بالغة التميز.. وتتساءل ونحن معها كيف يتم إسناد تلك المهمة إلى المصممة دون جهة استشارية أو نقابة أو لجنة من الفنانين المتخصصين؟!
هل يسعى المسؤولون عن هذه المهزلة إلى مزيد من إفساد الذوق العام؟!
نقلًا عن مجلة روزاليوسف