عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. إيمان ضاهر تكتب: في يوتوبيا الطبيعة.. تكمن حلول الغد

إيمان ضاهر
إيمان ضاهر

قرائي الأعزاء.. لنحرر أنفسنا وأرواحنا من سجن الحياة اليومية من خلال توسيع آفاقنا، والتفاتنا وتعاطفنا لنعود إلى أحضان الطبيعة. أليست الطبيعة "الأم"، هي يوتوبيا الإنسان في كل مكان؟



 

أليست المكان الأبدي للحياة، ونعمة تعاليمها سر الحكمة الإلهية على الأرض.

 

أليست نقاء الروح وطهارة القلب، غذاء الجسد وشفائه من كل مصاب؟

 

تعالوا معي، لنتأمل الطبيعة وجمالها، سحرها وإبداعها الضامن لكل الكائنات الحية التي تتلذذ بالعيش في أحشائها، ربما لا أحد يتوصل إلى إنجاز هذا الكمال، إنما علينا نحن البشر المضي دوما لهذا الهدف، جزء من التحرر الإنساني.

 

شابة إلى الأبد، سيدتي الطبيعة، والأمن والأمان والسلام، الطمأنينة والراحة والرفاهية في فلكها وئام وسلام.

 

قارئي العزيز، اذهب وخذ دروسك في الطبيعة، فماذا تتعلم؟

 

تستمد سلوكا في قواعد الطبيعة بتواضع حكيم في صون الحدود، والغموض الرائع غير المرئي في مثاليتها، والاعتراف بأن هناك لغزا لامتناهيا في نظام الدنيا، يتجاوز بوضوح كل طاقات 

 

البشرية. عجائب جمالية تهز الحواس، جمال الصفات النابع، من التناغمات المتساوية للأجزاء الكونية، والقوة العظمى للعالم، حيث الحب والود والحياء، قوانين سرية للطبيعة وجوهرها، نحو السماء، وإذ ترى العين عرشا ثابتا ورائعا، فيرفع الإنسان يديه إلى الأعلى، ليثني بالحمد والشكر لله عز وجل، على جاذبية الجبال وارتفاعها، الأنهار والبحيرات وعمقها، أمواج 

 

البحر وقوتها، المحيطات وأسرارها، الغابات وعظمتها، الأشجار وإبداع ثمارها، لنعترف: "انظروا بعمق إليها وستفقهون بشكل أوضح".

 

لماذا ينتاغم النهار مع الليل؟ ولا تتنازع الشمس مع القمر والنجوم؟ 

 

قارئي العزيز، "إذا أخذنا الطبيعة كدليل لنا، فلن ننحرف أبدا"، تلك هي الدعوة الإنسانية من "شيشرون"، أبو الخطابة" في حبه المفرط للطبيعة، وكأنه يتنبأ بأنه "لا فائدة للإنسان أن يربح القمر

 

ويفقد الأرض"، لنتعلم كيف نحبها ونعيش من خلالها، فهي حاجة ملحة لا بديل عنها قط بعد أن انحرف البشر، في غاياتهم ومعطياتهم العلمية والاقتصادية، وفي تناقضهم في ربح المال والاستهلاك التقني، معتقدين أنه أساس العزاء الداخلي. ومازال الإنسان يتجاهل طيف الطبيعة الملائكي والجوهري، لأجل توسيع رقعة علمه المسرف، في تطوره غير الرصين، المهيمن على ثروات الطبيعة. ولا يسعني إلا دعوته بالاستسلام لحبها كما يسرد لنا أحد الشعراء: "افتح قلبك للسحر والعبقرية، فتنجو من الهلاك والعودة إلى الهمجية". ويتابع: "افتح قلبك لمعلمتك الأصلية والأصيلة والواثقة والمباركة، توهبك عطاء وسخاء مهما طال البقاء".

 

وكيف يدرك العقل المفكر والمتأمل أركان هذه الطبيعة؟

 

والإجابة بديهية، أن جميع أجزاء الطبيعة، لهي أجزاء متشابكة ببعضها البعض، بنسيج خيوط الخلق الإبداعية، والتي تتجلى منها الروعة في قمة رونقها، واعتبرها بعد تعايشي المزمن بين طياتها جذور الوجود، القوة، الامتياز، الرأفة، والعظمة، وتعجز برأي أي دراسة علمية عن كشف كلياتها، وهي تداس وتهان منذ أمس، وغدا، ولكن تكتفي بتقديم الورود وإنتاج الثمار دون توقف، لكن بترصد ودون استئذان بدأت

 

تطلق العنان لغضبها المكتوم، من ابتكار مزعوم ينذر بمستقبل قاتم. فما دور الإنسان مع الطبيعة، أهو حارسها أو صديقها ليصبح اليوم قاهر مناخها؟ وما مصير الأرض في التغلب عليها ونهب خيرات أحشائها بوتيرة لم يعد يحسب إلى أين عواقبها؟

 

وجوابي، إن الإنسان حارس الطبيعة ولن يكون يوما صاحبها، وفي زمننا يجسد ألد أعدائها، ويجلب لها بناتجه القومي الاقتصادي الإجمالي في كل الميادين ضررا أكثر منه نفعا على المناخ والأرض. إذ إنه ينتج ليكبر لكنه يضعف، ثم يصنع ليلوث ويتهدد. تطوره يحمل شعار الغاية تبرر الوسيلة. يستنفد احتياطات الطبيعة دون حدود أو أي قيود.. علما أن التقدم والتطور الذي يسير وفقا لاستراتيجية خضراء ونظيفة تهدف أولى غاياتها إلى احترام ميزان الأرض دون الإسراف في أعماقها، وهدر بنيتها الجوهرية، هو الخلاص للطبيعة، وما نسميه اليوم بخلاصة

 

التقدم المستدام المحدود، ضمن تعزيز والحفاظ على حقوق الطبيعة، وبقاء الأرض وديمومتها.

 

لقد غاب عن بال البشر أن غضب الطببعة مازال في بدايته، وأن أي قطرة ماء قادرة على هلاكه.

 

قارئي العزيز، الطبيعة، لابد لها من الانتقام، ولا يمكننا البتة التغلب عليها، بل علينا طاعتها، طاعة عمياء..

 

أليس لديها سحر الموهبة الروحية لراحة العقل؟ شعرت رئتي تتفتح مع تأثير المناظر الجميلة.

 

كل ما يلد بالطبيعة لا يستحق إلا التقدير والحب.

 

فإلهام الطبيعة، ملتقى الخيال المترف بإبداع الخالق. فلنتعامل معها برصانة الاعتدال. 

 

وماذا يلزمنا؟ بشر أنقياء، بسطاء، أذكياء، في سياسة العقل

 

والتدبير عظماء، يتقنون أداء الامتياز بالأخلاق والإيمان بتربة الأرض وقدسيتها وكيف تطأها أقدام الإنسان، علماء في قوانين معرفة الأرض والطبيعة، خطباء في معنى ومغزى الحياة البشرية، لتحيا وتدوم.

 

"ما هذه الأزهار والألحان والنور الأغر؟، ردد العصفور في أتكته".

 

الطبيعة، الطبيعة، "إنه لأمر محزن أن نعتقد أن الطبيعة تتحدث والجنس البشري لا يصغى".

 

يرويها لنا الشاعر الكبير فيكتور هوجو.

 

فالطبيعة بالنسبة إليه ولكل شعراء المدارس الرومانطيقية والرمزية والتنويرية، في الشرق والغرب ولا سبيل لذكر أسماء عظماء مازالت الطبيعة الوفية والمخلصة والأبية تتغذى وترتوي من إلهامهم، وإبداعهم بين أحضانها،

 

الطبيعة الأم، ملجأ الآلام، وبلسم الأوجاع، وواحة الإلهام، للرحيل بالأحلام في أحضان معجزة الحياة. 

 

واختم، في المشهد الطبيعي والكوني في المنهج الإلهي لدين الإسلام، هدى الحكمة

والإرشاد، موعظة الاستقامة والسداد، دلالة النظر، مشورة العقل وتوجيه الفكر

  لفهم إعجاز الكون في دستور الحياة، 

  القرآن الكريم، وفي ذكر الطبيعة بالسور

المطهرة والمعطرة، للرسول المعلم عليه 

الصلاة والسلام. 

 

قال تعالى في كتابه الحكيم: "أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء". 

 

وقال تعالى: "وفي الأرض آيات للمؤمنين

وفي أنفسكم أفلا تبصرون".

 

"والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون في الأرض".

 

"فرشناها فنعم الماهدون".

 

وقال تعالى: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، 

 

وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت". صدق الله العظيم.

 

الطبيعة، في قلب كتاب الكون، نور الهداية، تملأ الروح البشرية كلها بالمناظر الخلابة والأبدية، التي تسحر حواس الإنسان، ولا يمكنه إدراك إبداعها اللامتناهي.. كل هبات الله عز وجل، من خيرات وثروات، ننعم بها، ونتأمل بها، محط أنظارنا في كل أعمارنا، ويبقى الإنسان مشدودا كل حياته، إلى ذلك الجمال والإبداع في الدين الجميل، دين الإسلام.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز