في فلسفة التوبة
عادل القليعي يكتب: هل يقبل الله توبة العاصين ؟!.
بداية من منا بلا خطايا وذنوب، نحن لسنا أنبياء ولا قديسين، ولكن جميعنا مخطئون، فمن منا بلا خطيئة، ليس ثم معصوم إلا الأنبياء، لأن الله تعالى هو الذي عصمهم، أما الإنسان، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. منذ آدم عليه السلام الذي أغواه الشيطان والنتيجة خروجه من الجنة بعد تحذير الله له ألا يتبع الشيطان، لكنه استغفر الله وندم على ذنبه الذي ارتكبه.
ربما يعجبك
ثم بعض الأنبياء، منهم من استغفر الله فغفر له، ومنهم من استغفر وخر راكعا وأناب، أعلن توبته لله تعالى، ومنهم من استجاب لموعظة الله تعالى، سيدنا نوح، (إني أعظك أن تكون من الجاهلين)، ومنهم منهم من إلتقمه الحوت وهو مليم، لولا أن كان من المسبحين للبث في بطنه إلى بوم يبعثون، وتسبيحه توبة واستغفار، (فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، ورب سائل يسأل أليس هذا يتعارض مع القول بعصمة الأنبياء، نقول عصمة الأنبياء في أمور التشريع لأنها وحي يوحى، أما الأمور الدنيوية فالأنبياء بشر، وحتى يضرب الله لنا الأمثال بهؤلاء، وهؤلاء يجري عليهم القلم.
ونحن الآن نحيا في واقع يعج بالمتناقضات والمغربات المادية، واقع انتشرت به واستشرت الفتن وبلغت أشدها وظهر الفساد بما كسبت أيدي الناس إلا من رحمه الله تعالى، فظهر النفاق على أشده، والمداهنة في الأقوال والأفعال من أجل مآرب دنيوية وتحقيق الكل مكاسب شخصية، ظهر الغش في الأسواق، وخسران الموازين، بات الكذب عيانا بيانا ورائحته تفوح من الأفواه وتنعكس رائحته النتة على الأبدان، الكل بات متربصا للكل، الكل يتحين الفرص على الكل حتى ينقضون على بعضهم البعض.
فساد في الأخلاق، حق قلب باطلا وباطل أصبح حقا، انتشرت الرذائل وقلت الفضائل، الذي يأمر بمعروف قلة، والذي ينشرون الفساد في الأرض كثر فساد في الدين، في الأخلاق، في المعاملات.
استخدام للتقدم التقني وثورة المعلومات، خاطئ، إباحية وشذوذ، ومثلية وسحاقيات، والأدهى والأمر من ذلك أصبح الحديث عن الشذوذ عيانا بيانا على الفضائيات بحجة الخطاب التوعوي، نشر الرذيلة أصبح خطابا توعويا! الترويج للأفلام والمسلسلات الهابطة التي تشرعن للرذائل أصبح خطابا توعويا كأنهم يقولون للناس افعلوا!!.
وعلى الرغم من كل هذه البلايا والرزايا إلا أن بابه مفتوح ما لم تطلع الشمس من المغرب، وما لم يغرغر الإنسان. فهل يقبل الله توبة المذنب العاق؟!
للإجابة علي هذا السؤال، نقول بفضل من الله وتوفيقه: يقول تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا. إنه هو الغفور الرحيم. ويقول أيضا: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. ويقول: وإني لغفار لمن تاب. ويقول جلا وعلا في حديث قدسي: عبدي أحببتنا فأحببناك وعصيتنا فأمهلناك ولو عدت إلينا لقبلناك. وإن الله ليفرح بتوبة العاصي كفرحة الذي يفقد دابته في الصحراء ثم يجدها. وإن الله ليغفر للعبد ما لم تطلع الشمس من المغرب وما لم يغرغر أي تفارق روحه جسده. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم. عن الذي يزني ويسرق هل يدخل الجنة. قال: يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من لا إله إلا الله حتي وإن سرق وإن زني رغم أنف أبي ذر، شريطة ان يبادر بالتوب لأن الحسنات يذهبن السيئات. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. وقصص العصاة كثيرة وكيف من الله عليهم بالتوب وأصبحوا دعاة إلى الله تعالي، فمهما عظم ذنبك فالله أعظم وأكرم واعلم ان ذنوبك لو بلغت اعنان السماء واتيت بقراب الأرض خطايا ثم أظهرت ندمك ورفعت يديك إليه طالبا عفوه ورضاه كن على يقين أنه لن يردك خائبا.، ونحن الان في العشر الأواخر من شهر النفحات الربانية فهيا نغتنمها ونبادر بالتوبة قبل أن نغادر فلا ندري ربما يأتي رمضان آخر دوننا.
نعم الله تعالى يقبل التوبة من عباده، غافر الذنب قابل التوب ، فالله تعالى يفرح فرحا شديدا بالتائب الذي أقر واعترف بذنبه وندم على ما فعله وعقد العزم على ألا يعود إلى المعاصي أبدا.
ولنا في الرجل الذين قتل تسعة وتسعين نفسا، وأكمل المائة حينما قنطه أحد الجهلاء من رحمة الله، لكنه أعلنها توبة نصوحة فقبل الله توبته، والرجل العاصى من بني إسرائيل الذي منع المطر بسبب معصيته وتاب ونزل المطر وستره الله تعالى ولم يفضحه أمام موسى والقوم، يا موسى سترته عاصيا فكيف أفضحه تائبا ونزل المطرب ماءا منهمرا، والشاب الذي أتى للنبي صل الله عليه وسلم ، قائلا يا رسول الله ذنوبي بلغت أعنان السماء هل لي توبة، ما جريمتك يا بني ، قال كنت نباشا للقبور وتوفيت فتاة كنت أحبها ومنعت من الزواج منها وماتت ففتحت عليها قبرها وجامعتها فنطقت فقالت ويحك تتركني جنبا وأنا بين يدي الله.
فهم للرسول به قائلا اخرج من عندنا لعل نارا تنزل علينا من السماء فتحرقنا بفعلتك فهام الشاب على وجهه باكيا لكن الله يرسل جبريل إلى النبي قائلا له يقول الله لك لماذا طردت الشاب التائب من عندك، أأنت أكرم من الكريم، أبلغ الشاب أن الله قد غفر له ولا ترده، والمرأة الزانية التي أقام عليها النبي الحد قال لقد تابت توبة لو وزعت على أهل الأرض والسماء لشملتهم.
أما أقسام التوبة، فالتوبة توبتان: توبة عن الذنوب والمعاصي ، وتوبة عن التوقف عن الذكر لله والاستغفار.
وللتوبة شروط، أولها، النية الصادقة، وثانيها الندم على المعصية، ثالثها العزم الأكيد على عدم العودة إلى المعاصي والآثام.
فحق على الله تعالى أن لا يرد تائبا.
مصداقا لقوله تعالى (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي).
وكيفه لا يقبلها وثم سورة بحالها في القرآن الكريم تسمى بسورة التوبة.
فاللهم ارزقنا توبة نصوحا.
فاللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.
اللهم اشف أنت الشافي المعافي شفاء لا يغادر سقما. اللهم اشف منا المرضي داوهم بدواء من عنك وأنزل عليهم سحائب رحمتك.
اللهم اشفي أطفالنا وأعنهم علي مرضهم وأعن ذويهم واحفظهم وأحرسهم بعينك التي لا تنام. اللهم احفظ علينا بلادنا من كل شر. اللهم من أرادها بخير فوفقه لكل خير ومن أرادها بشر فعليك به.
اللهم انصر القائد والأمة وهيئ له البطانة الصالحة التي تعينه على قضاء مصالح العباد وتعلو وترتفع بهم البلاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أستاذ الفلسفة الإسلامية
آداب حلوان
جوجل نيوز
