عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ثورة شعب لاستعادة هوية

ثورة شعب لاستعادة هوية

كثيرًا ما تكون للإجابات الافتراضية على أسئلة هى الأخرى افتراضية عظيم الدلالة.. ووافر الإشارات. 



السؤال هنا: ماذا لو لم تكن 30 يونيو؟ 

ماذا لو لم ينتفض المصريون فى مواجهة غول الإخوان؟ 

الإجابات على اتساعها.. وتعدد خيوطها تأتى على آخر الطريق لتتحد فى قول واحد وحيد هو: الـ «لا دولة».. أو هى «اختطاف وطن». 

 لذلك ستظل 30 يونيو علامة ضوء مبهرة فى تاريخ شعب.. انفجر فى وجه محاولات السطو المسلح على وطن. 

وستبقى 30 يونيو ذكرى فارقة لاستجابة جيش مصر.. لشعب مصر الذي خرج للشوارع رافعًا شعار: انزل يا سيسى. 

نزل السيسي.. ليتهافت تجار الدين على الجحور.. ويعود تجار الأوطان لبؤر الشبهة ويعودون مرة أخرى لمواطن الكلام الفارغ! 

(1)

فى سير الشعوب أنواع من أحداث مختلفة على امتداد التاريخ، بعض الأحداث تغير الواقع، وبعضها يغير التاريخ. بعض الأحداث تغير الجغرافيا.. وبعض آخر يغير أشكال الدول ومساحاتها.. كما يغير بعض ثالث خرائط الطيران. 

غيرت 30 يونيو تاريخ الوطن.. كما غيرت تاريخ المنطقة والإقليم. 

أحدثت 30 يونيو تغيرًا فعليًا فى خرائط السياسة فى العالم، ووضعت خطوطًا جديدة لمعادلات كانت تساق فى الكواليس نحو بئر الشيطان.. منذ تسعينيات القرن الماضى.

لم تكن ثورة الشعب حجر عثرة فى مواجهة إخوان إرهاب صعدوا من المناور قفزا على الحكم يدعمهم شراذم ثورة ومدعو حقوق فقط.. إنما لعبت محطة 30 يونيو الدور الأساسى فى تغيير مخططات أدلجة الدين الإسلامى، فى منطقة كانت تتهافت عليها الكروب، وفى بلد كانت قد تقلبت فيه المواجع، بمحاولات إعادة ترسيم الواقع بخرائط جديدة.. وخطوط إمداد سياسية جديدة.

تقوم علوم السياسة فى الأساس على توقعات. تُقام التوقعات فى نظريات السياسة على استقراءات الأحداث الجارية، واستنباط النتائج وفق ترتيبات خاضعة لمعايير وفق نظريات ورؤى متداولة.

عادة ما تتغير نظريات السياسة لتقفز إلى عوالم جديدة تحقيقًا لمصالح دول كبرى على أبواب كل حقبة من حقب التاريخ.  التاريخ فى السياسة فترات.. ولكل فترة من فترات التاريخ باب. 

دُبّر سطو الإخوان على الحكم فى مصر بليل. بصرف النظر عن المؤديات أو المسببات، التي لا تنفي أبدًا أن هناك من دفع بإخوان الإرهاب إلى الحكم من الداخل ومن الخارج. 

كانت محطة الإخوان بداية لأدلجة الدين على مرحلة جديدة من مراحل تاريخ المنطقة.. اعتبرت مصر وقتها بابا وبوابة لخرائط جديدة على أمل نجاح ترسيماتها. 

على مر التاريخ ومصر بوابة المنطقة.. وبوابة إفريقيا.. وبوابة الإقليم. فيما بعد أيام مما سمى بالربيع العربى، كان استيلاء الإخوان على الحكم فى مصر، ليس مجرد سطو على وطن، إنما كان بداية لفتح بوابة واسعة لتنامى خلايا سرطان الراديكالية الدينية وجماعات التطرف فى جسد المنطقة.. فى مساعٍ لشرق أوسط جديد، يُعيد أشكال توازنات القوى.. واستفادات الثروة.. ويُعيد رسم تفاصيل معادلات السلاح والهيمنة.

ليست كل الرهانات قابلة للتحقيق.. وليست كل النبوءات قابلة للتنفيذ. كثيرًا ما تتوقف عجلة التاريخ أمام إرادات الشعوب. وكثيرًا ما يقف على رأس المراحل الفاصلة أبطال يديرون أقراص الزمن.. لتتوقف عجلة الزمن.

استجابة عبدالفتاح السيسي لمطالبات المصريين فى 30 يونيو، ثم خارطة استعادة الوطن فى 3 يوليو أوقفت عجلة الزمن.. وأوقفت المخطط.. وأوقفت خرائط الشيطان.. واستعادت وطن.. كاد أن يخطفه قبل الإخوان تجار شعارات.. وبعد الإخوان أرزقية ذقون.. وجلابيب بيضاء مدوا السُّماط على الأرض فى القصر الرئاسى ليأكلوا البط والأرز بالأيدى على السجاد! 

(2)

لأسباب مختلفة سقط إخوان الإرهاب من علٍ فى سماء مصر. لا يفهم المصريون الإسلام مخلوطا بالدماء.. ولا يعرفون أقوال الصحابة والتابعين محرضة على الفوضى والدمار.. والقتل والذبح وتفخيخ محطات أتوبيسات النقل العام.

على مر التاريخ الإسلامى لم تفلح أدلجة الدين فى سيرة المصريين. الأدلجة سياسة، والدين سمو روحى.. وعلاقات سامية مع الله.

حاولت تيارات الإرهاب الدينى، تغيير المعادلات، فأدخلت الدين فى الدنيا.. وحاولت خلط السياسة بأقوال الصحابة.. وأعادت تأويل آيات الذكر الحكيم.. لمعاداة الآخر، والحجر على الرأى، والقتل على الهوية.. والاستحواذ على الحكم. 

لم تنجح معادلة الخراب على هذا النحو فى مصر هذه المرة. نفس المعادلة لم تنجح فى مرات سابقة منذ عصور ما قبل بدء الخلافة الإسلامية فى العصر الأموى. 

للإنصاف.. ولحظوظ أسعد.. صنّف المصريون إسلامًا خاصًا على مر التاريخ. مال إسلام المصريين للتوسيط.. يعنى ما بين بين. ما بين تشدد فى الشرق.. وما بين تعالٍ فى مزيد من التفريط فى الغرب. 

دخل المصري على اختلاف دينه كنائس الأقباط ومعابد اليهود.. بعد صلاة الجمعة يوم الجمعة، وبعد قداس الأحد يوم الأحد. لم يطعن المصريون يومًا فى عقيدة، ولا أقاموا تفريقًا على هوية أو على إيمان. 

لم يسقط إخوان الإرهاب فى اختيار الحكم باعتباره شيئًا من شؤون الدنيا، مدوا إليهم أياديهم باسم الدين.. إنما لم ينجح الإخوان فى تمرير معادلة دينية موهومة وملغومة إلى الشارع المصري، تفوق فيها أصحاب الذقون على أصحاب الحرف.. وتعالى فيها أصحاب الجلابيب على أرباب المهن.

خلال مشروع لم يكن ليكتمل بالحتمية التاريخية والاجتماعية، حاول الإخوان -فترة ما بعد يناير- إدخال المصريين فى بوابات تسييس الدين، وأدلجة العقيدة.. وصولا إلى أهداف السطو العام على رقعة من أعرق وأقدم الرقع فى التاريخ والجغرافيا.. اسمها مصر.

علمنا التاريخ، أنه عندما تدخل السياسة فى الدين، تكثر الفتن، وتكثر الفوضى. يرفع هؤلاء علمًا برموز دينية، فيحتكم آخرون إلى إعلام آخر برموز أخرى هى الأخرى دينية. 

لم يرض المصريون طوال التاريخ بحكم دينى، ولا رضوا بدين حاكم. اكتسبت مصر طوال تاريخها روحًا كوزموبوليتانية منحت الحق فى الحياة للجميع. 

فى الثقافة.. كما فى الإيمان. لم يرتض الشعب المصري، منذ ما قبل نزول المسيحية حكمًا يرفع راية فئة، أو يحكم سطوة مذهب.

صحيح ظهرت فترات من الضعف السياسى والاجتماعى أسفرت عن قلاقل من هذه النوعية على السطح.. لكن ظلت كل تلك القلاقل على هامش التاريخ المصري.. فى كل عصور التاريخ المصري.

لم يفهم إخوان الإرهاب معادلات الإيمان المصري.. ولا فهموا سيكولوجية شعب، لا فى السياسة.. ولا فى الاعتقاد.

لذلك كانت سنة حكم الإخوان فتنة.. وقى الله شرها. وكانت 30 يونيو نهاية حتمية لمرحلة اقتربت فيها الدولة والحضارة والثقافة من حواف الهاوية. 

(3)

ستظل ذكرى 30 يونيو محركة، ليست فقط كنموذج على قدرة الشعوب، إذا أرادت، على حماية مصيرها واستعادة هوياتها، إنما ستظل دولة 30 يونيو، نموذجا على واحدة من أبرز محطات التنمية.. بأيادٍ مصرية.. وإرادة مصرية.. وقرار مصري حر. 

واجهت دولة 30 يونيو تحديات على مسارات عدة. اختبرت قوة الدولة وإرادتها أزمات مختلفة. بدأت الجمهورية الجديدة بقرار شجاع.. واستمرت على نفس نسق القرارات، من أول استعادة المكان والمكانة فى الإقليم.. وصولا إلى قرارات اقتصادية، فى توقيت مناسب، كان جواز مرور وعبور لأزمات عالمية.. لاحقت العالم.. وتلاحقه للآن. 

خاضت الدولة مسارات عدة.. بالتوازى. فى الداخل والخارج.. وفى الإقليم وعلى المستوى الدولى. كانت التنمية خيارًا أولا ووحيدا للدولة. عمل عبدالفتاح السيسي على توازى المسارات، مع أولوية الاعتبار للمواطن. 

مسارات عدة على مقاييس التنمية استلزمت قرارات فوق عادية. فى مسارات التنمية الشاملة وسياقاتها تستلزم الظروف رؤى جذرية، بحلول واقعية، للعبور من أعناق زجاجة كانت قد ضاقت واستحكمت قبل 30 يونيو 2013.

يكفى أن هذه الدولة كانت قد قاربت على إعلان إفلاسها عام 2013 ، وخلال 8 سنوات استعادت هذه الدولة مكانة مستحقة فى السياسة والاقتصاد.. وفى حقوق المواطن.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز