عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عادل القليعي يكتب: ابحثوا عن فكر يقرأ

عادل القليعي
عادل القليعي

بعيدا عن صخب الجمل والعبارات الرنانة، والشعارات الجوفاء المفرغة من مضمونها المهتمة بالصورة طارحة الجوهر أرضا أو ضاربة به عرض الحائط، فإننا دوما ما نسمع هذا المثل الأجوف، الجواب (باين من عنوانه)، لا وألف لا، الخطاب لا يقرأ من عنوانه، فكثيرة هي العناوين البراقة التي لو نظرنا إليها نظرة عارضة بعين الإنسان البسيط، رجل الشارع البسيط قد نعجب بها وقد نبني عليها ونقدم المدائح لها وقد نقيم الندوات عليها، ويتبارى الكتاب والمحللون لتحليل هذه العبارة دونما قراءة متأنية لمضمون هذا الخطابات التي لو تمت قراءتها بتؤدة وسكينة وعقلانية وموضوعية دون ذاتية مفرطة ودون التفات إلى كاتبها أو قائلها، أيا كان مكانه ومكانته، فقد نصل إلى حل لمشكلات كبيرة قد يظن البعض أنها عصية على الحل.



 

كمن يقول مثلا لا تقربوا الصلاة ويتركها هملا دون أن يكملها، ولاسمه أو لمنصبه الديني قد ينقاد خلفه كثيرون بحجة أن قائلها فلان أو علان.

أو كخطيئة التعميم التي وقع في شراكها كارل ماركس الذي قال قولته المشهورة "الدين أفيون الشعوب"، الدين حكم ومواعظ تردد على المنابر الدينية في الكنائس وفي المساجد وفي الأديرة، لتهدئة الناس وحثهم مثلا على السمع والطاعة.

لكن لو أعطينا فرصة لعقولنا وأعملناها جيدا في تحليل هذه العبارة لوجدنا مقصد ماركس ما كان يحدث من علماء الدين في فترة أو بتحري الدقة نهاية العصور الوسطى، وبداية مرحلة صكوك الغفران التي ندد بها مارتن لوثر، من يدفع يحصل على البركة، أو تسخير الدين لخدمة السياسة لتحقيق مآرب أخرى سواء لعلماء الدين أو الساسة، فهل يليق إقحام المقدس والجليل والجميل فيصبح ألعوبة في يد القبيح.

أو مثلا كالفكرة التي حدثنا عنها عمانوائيل كانط، حينما سئل عن وجود الله قال الإله فكرة في أذهاننا، فهل نأخذ هذه العبارة على عواهنها، فالأحرى والأجدر بأصحاب الفكر العقلاني المستنير أن يعرضوا هذه الفكرة للمناقشة، فهل حقا كانط الذي يتحدث عن نوعين من المعارف، المعارف القبلية والمعارف البعدية، هل حقًا كان وهو من هو في فكره العقلاني يقول إن الله فكرة، أعتقد لو تأملنا فكر كانط العقلاني الذي يقول نفعل ولا نفعل احترامًا للواجب الأخلاقي، سوف نجده يقر ويؤمن بأن الإله الكامن فينا والضامن لكل حقيقة على حد تعبير ديكارت، لا يمكن أن يكون فكره وإنما حقيقة حقة نحياها ونعيشها.

أو كالذي يتحدث عن الحرية مثلا وأن حرياتنا لا تتحقق إلا على مسرح حريات الآخرين، نعم قالها جان بول سارتر رائد الوجودية الملحدة، حتى إن كان ذلك كذلك هل نحجر على فكره ونصادر عليه، أليست هذه المقولة حقة ونحاول أن نطبقها على واقعنا المعيش، إن جاز لي القول، الحرية المسؤولة، بمعنى أنت مارس حريتك لكن دع فرصة ومجالًا رحبا لعقلك لممارسة هذه الحرية فكيف تكون حرا وتؤذي الآخرين بهذه الحرية الزائفة، عندما يكون الآخر حرا أصبح أنا حرا.

أو كالذي تتعدد وتكثر كتبه (العدد في الليمون)، ويصدعنا بخمسين ستين كتاب ويقول عنهم أنهم مؤلفات وبتعمق هذه الأوراق التي حتى لا تساوي عناء قراءتها أو ثمن الأوراق التي كتبت عليها أو المحابر التي طبعتها واستغاثت من غث محتواها، بقراءة متأنية تجدها كلاما أجوف مفرغا من المحتوى (كداب زفة)، لا جديد بها لا فكر يناقش لا رؤية واضحة لا منهجية في الطرح والعرض، لا إشكالية واضحة، ركاكة في العبارة والأسلوب، لا منهج نقديًا يبرز شخصيته فيه، لا توصيات تقدم لا نتائج وإن كان أجدها تحصيل حاصل لا تقدم رؤية لفكرة مستقبلية تقام عليها أفكار لموضوعات جديدة تفيد الواقع المعيش الذي ما أحوجنا إلى الخروج به من أزماته المتلاحقة فبدلا من أن يساهم في حل هذه الأزمات يزيدها تعقيدا وتصبح هذه المؤلفات وبالا على صاحبها وعلى حاملها أقصد الأرفف التي توضع عليها وعلى قارئها والنتيجة لا شيء بل هي الأشياء ذاتها وبات عدمها أفضل من وجودها، طبعا أنا لا أعمم الأحكام أو أصدرها على عواهنها لذا أقول إلا ما رحم ربي- فكما يوجد الغث يوجد السمين، صحيح أصبح السمين النفيس عملة نادرة لكنه لم يكن معدومًا، بكثير من الجهد والعناء والبحث والتنقيب سنجده.

ليس هذا الأمر مقصورا على المؤلفات العلمية، كذلك نجد ذلك عيانا بيانا حتى في الأدب والشعر والنثر والفن بشتى صوره.

نجد ذلك واضحا في الخطابات التي يظن أصحابها أنها خطابات توعوية، نعم قد تكون كذلك، لكن أين الخطاب التوعوي وقائله يحتاج إلى توعية، كالذي مثلا يتحدث عن ترشيد الاستهلاك مثلا في الكهرباء والطاقة ويتحدثون وتسمع له ويعجبك حديثه وعندما تزوره في بيته مثلا تجده لا يطبق حرفا مما يقوله، فهل هذا خطاب توعوي.

أو مثلا كشيخ يصعد منبرا دينيا مثلا ويحدثنا عن تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة وترى أبناءه في حالة مزرية يرثى لها، أو كالذي يحدثنا عن الزهد والرضا بالقليل وقبل أن يصعد المنير يتفق على المقابل المادي الذين سيحصل عليه جراء هذا الخطاب الزائف أو تجده يستقل سيارة ثمنها كذا. هل هؤلاء يقدمون فكرا مستقيما يعتد به، هؤلاء إن جاز لي القول سفسطائية العصر فلكل عصر سفسطائيوه وسفسطائيته، الذين يقلبون الحق باطلا والباطل حقا، يقولون ما لا يفعلون، بل هؤلاء هم أراذل الناس وشرذمتهم.

نعم سيداتي وسادتي نبحث عن فكر خصب ديناميكي حركي يقدم حلولا لمشكلاتنا التي باتت ملحة وبات حقيق علينا أن نقدم لها حلولا منطقية عن طريق فكر عقلاني مستنير، فكر عقلاني حر لا يقبل إملاءات من أحد اللهم إلا العقل والضمير الإنساني الفردي الذي يشكله هموم وقضايا المجتمع المحلي والمجتمع الإقليمي والمجتمع الدولي، نعم قضايانا خطيرة وتحتاج تضافر جهود المفكرين المخلصين الذين يحبون أوطانهم ويسعون سعيا حثيثا لفك الرموز التي يظن أن شفراتها عصية، لكن الذي يحلحلها فكر جاد فكر ينظر وينتقل من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق، من أجل إحداث تنمية مستدامة ترتقي بالأوطان وتضعها في مكانتها الصحيحة بين الأمم، نعم قضايانا كبيرة ومشكلاتنا عويصة، كتغيرات المناخ والاحتباس الحراري، كالأوبئة، كالإرهاب الذي لا يستثني أحدا سواء كانت دولا عظمى أو دولا نامية يطل برأسه في كل الأماكن دونما تفرقة مثيرا الفوضى العارمة.

ثم مشكلات الإنسان كذات مفكرة كيف نرقى بهذا الإنسان، كيف نجعل الإنسانية تتجسد بداخله فتسير على قدميها من خلاله، كيف نعتني بهذا العقل، كيف نغذيه حتى لا يشطح ولا يشقى، ولا يشذ ولا بعيدا عن الميثولوجيا والخرافات والخزعبلات، والتواكل العقلي، وأعي ما أقول التواكل العقلي صورة من صور التواكل، إعطاء العقل إجازة عن التفكير وترك دفته لمن يفكر له وينام في سبات عميق ويستيقظ على الكارثة العظمى الانسحاق القيمي والأخلاقي والوقوع في براثن رذيلة التقليد الأعمى وفقدان الهوية والشخصانية.

نعم يا سادتي وسيداتي ابحثوا عن فكر يًقرأ بضم الياء.

أستاذ الفلسفة الإسلامية آداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز