عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
العولمة ملاحظات الانهيار والاستمرار.. قراءة ثقافية

العولمة ملاحظات الانهيار والاستمرار.. قراءة ثقافية

ليس معروفًا كم مرة أُعلن فيها موت العولمة المختلف على مفهومها؟ هكذا سأل الكاتب الكبير وحيد عبد المجيد في عموده بجريدة الأهرام القاهرية العدد الصادر في 17 مايو 2022. وهو يندهش من اندفاع الصين إليها على الرغم من كون العولمة قد اشتهرت بأنها تعبير عن انتصار الغرب والولايات المتحدة الأمريكية كمركز لهذه العولمة المعاصرة، حيث يسأل لماذا يسميها الرئيس الصيني جين بينج تيار العصر؟ ثم يطرح سؤالًا جوهريًا: هل السعي لعزل الاقتصاد الروسي كافيًا لتصدع العولمة؟ وكان رد السفير د. محسن توفيق الذي أدار اليونسكو سنوات طويلة على موقع صلات فكر وعلم وأدب وفن- وهو مجموعة خاصة لتبادل الرأي والحوار، تضم مجموعة مهنية وعلمية رفيعة المستوى من كافة التخصصات- "بأن العولمة لم تمت، وأردف د. محسن توفيق أستاذ المنظومات الهندسية بجامعة عين شمس، بأنها لن تختفي إلا بعد حدوث اضطراب يزلزل كيان المنظومة العالمية الحالية، ويغير في هيكلها وطريقة عملها، حيث تبزغ منظومة جديدة، ليس من السهولة تحديد ملامحها الآن بأي درجة يقين."  



 

كان هذا الحوار الهادئ التأملي يدور، بينما يعلن الشريك المنتصر في الحرب العالمية الثانية وهو الشريك الروسي الذي دفع الدماء الأغزر بالمقارنة مع الشريك الأمريكي، وهي المرحلة التي يعدها الكثيرون بداية التوافق العالمي على سريان العولمة وانتشارها، رغم وجود الحرب الباردة، ورغم إعلان نهايتها. 

 

ولذلك يصبح السؤال عن استمرار العولمة مع إعلان الحرب الساخنة على أرض الواقع في استعادة لهذا النوع من الحروب الطويلة، هو سؤال عن التصور المستقبلي للتكيف الوطني مع تغيرات عالمنا المعاصر. 

 

يبقى السؤال حقًا مطروحًا، خاصة مع التصريحات الواضحة من الجانب الروسي والتي بلغت ذروتها على لسان مدير وكالة الفضاء الروسية روس كوسموس دميتري روغورين، والذي صرح بأن الوكالة ستسلم القوات المسلحة الروسية صاروخًا بالستيا اسمه "سارمات" وهو صاروخ عابر للقارات يستطيع تدمير نصف ساحل قارة ترى فيها موسكو تهديدًا لأمنها. 

 

يحدث هذا بينما لا تزال الصين مندمجة في العولمة ومنفتحة بقوة على كافة أنحاء العالم، ومنها السعي القوي في إفريقيا القارة السمراء. 

 

بينما يفسر د. محسن توفيق الأمر ببساطة على موقع صلات الخاص، إذ يرى أنه: "مع اعتماد اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وانضمام الصين إليها، وبدعم غير مسبوق لثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فلقد زادت التشابكات الاقتصادية العالمية. 

 

ومثلها فيما يتعلق بالثقافات وأساليب الحياة، لتتحول بامتياز إلى منظومة ديناميكية معقدة، من الصعب- إن لم يكن من المستحيل- السيطرة عليها من جانب واحد، أو حتى مجموعة واحدة. 

 

الصين تدرك هذا وتعيه جيدًا، وحيث إنها لا يمكن أن توقف هذا التيار، أو تقف أمامه، فهي بحكمتها تسعى للاستفادة منه." 

 

وهو رأي له تقديره ويمكن فهمه من زاوية تحليلية ثقافية برصد وفهم المرادف الثقافي للعولمة ألا وهو التعبير الشهير ما بعد الحداثة. 

 

فهما مرتبطان ببعضهما البعض، وشعور ما بعد الحداثة وقيمها العالمية من سقوط مدوٍ في قاع الحياة اليومية من ذرى التعالي الفكري والفني والسياسي للحداثة الراسخة إلى عالم جديد محكوم بأسلوب ثقافي شبه متكرر، وهو تعبير عن دولية الشركات العملاقة العابرة للقارات، وبحصولها على حقوق الشركات الوطنية في أي محل حلت، إنه عالم الكمبيوتر وسيولة الاتصالات بالإنترنت وغيره. 

 

عالم الفضائيات التليفزيونية العملاقة وشبكات الأخبار، ومدن التشظي والانشطار. 

 

وما هو جدير بالذكر أن العولمة بقدراتها، وصفتها ما بعد الحداثية قد تحولت- رغمًا عن أي قوة- إلى مراكز عديدة. 

 

فهي بالفعل وبطبيعتها المنظومية قد غادرت المركز الغربي إلى الأطراف في معظم أنحاء العالم، وهي في ذلك وفي تجلياتها الثقافية تترك المتن لتركز على الهامش. 

 

وهي في جوهرها تعبير عن أعمق تغير ثقافي تدريجي قد حدث في اندفاع الهوامش في أسلوب الحياة إلى منطقة الاهتمام، وقد انتقلت تلك الهوامش الثقافية بفضل العولمة إلى مرتبة التمثيل في الفنون، حدث ذلك في السينما والموسيقى والغناء وفي الآداب وفي السياسة وفي الحياة العامة. 

 

إنه فضاء جديد للقوة الضعيفة لكنه فضاء للقوة رغم كل شيء وربما يحمل ذلك تفسير التغير في رموز ونجوم الإبداع والفنون في مصر، والمنطقة العربية ومعظم أنحاء العالم. 

 

إنها إنتاجات ثقافية جديدة لا شك تبدو طازجة وقابلة للاستهلاك الكبير بالمقارنة للإنتاجات الراسخة الباحثة عن قيم ومعان كبرى. 

يبدو ذلك من المقارنة بين ما كان حديثًا وقوميًا، بما هو ما بعد حداثي وعولميًا. 

 

إنه التحول من الأعمال المتكاملة للأداء والتشغيل والحدث، ومن الإبداع والتركيب إلى التفكيك، ومن السكون للاستطراد، ومن القواعد الثابتة للأسلوب الشخصي، ومن النظام إلى الفوضى. 

 

يأتي ذلك كله في ظل عالم معاصر يهدم الحدود بين ما هو ثقافي وما هو اقتصادي. 

 

ما يجعل الاقتصاد هو المعيار الأول الحاكم المؤثر في صنع السياسات العامة، وفي تشكيل الثقافة والإبداع، وما يتبعهما من القيم الجمالية والأخلاقية الأخرى. وهكذا انهارت الحدود بين ما هو ثقافي وسياسي. 

 

ولذلك فالإدراك الصيني لضرورة البقاء في اتفاقية التجارة العالمية والتفاعل مع العولمة بكافة مظاهرها هو إدراك لقوة قادمة لم تكن في المركز من العولمة الغربية لكنها تسعى للتأثير الفاعل في حركتها. 

 

ومحاولة إخراج الاقتصاد الروسي من حركة الاقتصاد العالمي ستبقى محاولة محاطة بمسألة تعدد أقطاب الاقتصاد العالمي. 

 

وهو ما يجب وضعه في الاعتبار في ظل ازدياد معدلات التضخم الأوروبية والأمريكية والتي يمكن ملاحظتها بوضوح في بريطانيا على وجه الخصوص. 

 

ولذلك يجب النظر باهتمام بالغ لقدرة الأطراف المتعددة الناشئة على التفاعل الاقتصادي الدولي.  

 

لا يزال عالمنا يعيش تلك العولمة المعاصرة، ولا يزال وجهه الثقافي هو تعبير عن تعدد المراكز المؤثرة، وقدرة الهوامش على الحركة نحو صدارة المشهد. 

 

وبالتالي ورغم كل هذا النزاع الروسي الغربي، ستبقى تلك العولمة المختلفة على مفهومها حاضرة، رغم الإشهارات المتعددة لوفاتها المزعومة. 

 

ولذلك فمحاولات إقصاء أي أطراف في النظام  العالمي المعاصر هي محاولة بالتأكيد ستسبب في حدوث اختلالات متبادلة بين الأطراف المتصارعة، وهو ما يجب الانتباه له بينما تتفاعل مصر في عالم صعب ومتغير.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز