خليل الذوادي يكتب: ليت خصامنا مثل خصام أطفالنا
حفل تاريخنا الأدبي بتسجيل الخصام بين أفراد المجتمع أو بين القبيلة والأخرى، فقد قال الشاعر بشار بن برد:
إذا ما غضبنا غضبةً مضريةً
هتكنا حِجاب الشمس أو قَطَرت دَما
وقد حفلت نقائض جرير والفرزدق بنماذج من تلك الخصومات في القول والفعل بل عُدت من عيون الشعر في تسجيل الخصومات والاستشهاد بها، وأُلفت في ذلك الكتب وأصبحت مادة تدرس في كليات الآداب وبالذات اللغة العربية والدراسات الإسلامية.
تاريخنا المعاصر شهد خصومات تجاوزت حد القول والفحش فيه إلى الإقتتال بالأيدي وبكل الأسلحة التي توفرت وتطورت.
لعلنا ندرك أن المرء منا له طاقة يستطيع أن يستنفدها كلما ارتفعت عنده مسببات ومبررات الغضب ليرتفع عنده الدم فيعبر بالقول ما يخفف عنه الحنق وشدة الغضب.
دعونا نتأمل خصومات أطفالنا؛ فأسباب الخصومة بينهم قد تكون حول لعبة يتشاركون في اللعب فيها أو تصرف لا يعجب زميله الآخر فيتأخذ منه موقفاً يتسم أحياناً بالشدة والتصرف بالأيدي أو باللسان في رد الصاع صاعين، وعندما تزول الأسباب سرعان ما تجدهم ينسون ما مروا به، ويستأنفون اللعب الجماعي "وكأن يا دار ما دخلك شر" ولذلك فالنصيحة ألا يتدخل الكبار في خصام الأطفال، ويتركوهم على سجيتهم، وإن كان ولابد، فإسداء النصيحة والتذكير بما يقربهم من بعضهم البعض، وكفى الله المؤمنين القتال.
تأملت في خصومات الأطفال ورجعتُ فيما يشبه الـ Play Back في السينما أو في المسرحيات لأجد أن الأسباب المؤدية إلى خصومة الأطفال هي في حد ذاتها بسيطة ولا تستدعي كل هذا الغضب وحرقة الدم فسرعان ما تعود المياه إلى مجاريها ويتجاوز الأطفال ما مروا به للحظات، ويبدأون في ممارسة اللعبة التي يفضلونها ويعشقونها.
نعم مررنا بظروف الزعل فيما بيننا كأطفال وكان منتهى ما وصلنا إليه هو الزعل ليوم أو يومين ولا يكلم أحدنا الآخر في إشارة واضحة إلى أن الزعل لا زال في النفوس ولا يطيب الخاطر إلا إذا زالت أسباب الخصام. قد نحتاج إلى من يتوسط بيننا، ولكننا في الغالب لا نحتاج كأطفال لوساطة إذ أن المبادرات الشخصية كفيلة بإنهاء الخصومة.
لو تأملنا حال الأمة بل حالة الأمم لوجدنا أن الخصومات لا تعد ولا تحصى بل أنها في عمرها الزمني تتجاوز السنين والأعوام وجهود بذلت ومساعي اتخذت ولا زالت بعض هذه الخصومات تراوح مكانها ولا تتزحزح، وتظل مستفحلة إلى ما شاء الله.
فهل هناك من ينفخ في هذه الخصومات؟!
وهل هناك من لا يعجبه أن يكون هناك تصالحاً؟!
بل هل من مصلحته استمرار ذلك إلى ما لا نهاية، لأنه المستفيد مما يجري في ساحة الخصام، ومن مصلحته الاقتصادية والسياسية والفئوية والطائفية ونزعته الشيفونية أن تظل هذه الخصومات مستمرة ولا ينطفأ نورها ووهجها البغيض.
ترى ما دور المنظمات الإقليمية والدولية في حل الخلافات؟! وهل للنخب السياسية والثقافية والفكرية من دور في إطفاء لهيب النيران .. هل نحن بحاجة إلى أن نخلص النوايا، ونعيد ترتيب الأمور وننظر في أولوياتنا، ونقيّم ما جنيناه نظير خلافاتنا وتشتتنا، لنقيّم ولو بصورة جزئية فوائد المصالحة على دولنا واقتصادنا وشعوبنا لننظر بتجرد إلى فوائد التصالح إنسانياً على الفرد والمجتمع، ولا مانع أن نقيّم خلافاتنا وما جنيناه نتيجة تباعدنا وتفرقنا وضياع الفرص على أوطاننا وشعوبنا …
نحن أمة حبانا الله بنعمة القرآن الكريم وما ورد فيه من حديث عن الأمم الغابرة وقصص قرآنية كان للأنبياء الدور الكبير في إصلاح ذات البين.
ورسولنا الأعظم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه المرسل الهادي البشير النذير الذي أرسى قيم العدالة والمصالحة والتكاتف والتضامن ونبذ الفرقة والتعاون مع الأمم الأخرى بما يضمن سير الحياة بنواميس القضاء والقدر ولنا في سيرة الأنبياء والرسل من الأمم الأخرى مثالاً وقدوة…
نتساءل هل حضت نواميس الكون والديانات يوماً على التفرق والشتات، أما أنها تدعو إلى الرحمة والتفاهم والإنصاف وجمع الشمل، ألم يكن الأنبياء والرسل حاملين راية التوحيد والقضاء على الفتن وإشاعة الأمن والسلام في ربوع الأوطان التي بعثوا فيها مبشرين ومنذرين؟!
حمى الله أوطاننا من كل شر وأشاع في ربوع وطننا الأمن والأمان، وحفظ الله ذريتنا وأهلنا وأصدقائنا وأنار لنا طريق الهداية والرشاد.
فما أعظمكم أيها الأطفال في مواجهة الخصومات، وما أورع القيم التي تتحلون بها بالفطرة والسليقة. حفظكم الله ورعاكم وليتنا نستفيد من حكمتكم في إطفاء لهيب الخصومات والتفرق والشتات.